المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل الإسلام دين حرب أم دين سلام


السيد مطرقة11
08-30-2013, 10:24 AM
السلام عليكم ,
طرح أحد الزملاء أن تكون أول مناظرة بيننا حول هذا الموضوع ، وسأبدأ بكتابة المداخلة الأولى بعون الله .

المعنى اللغوي للإسلام

كلمة إسلام مشتقة لغوياً من جذر السلم ، الذي يعني بالدرجة الأولى السلام ، وفي الدرجة الثانية الاستسلام أو التسليم ، ويمكننا أن نقول أن المعنى الكلي : السلام الذي يحصل عندما يسلم المرء نفسه كاملاً لله مما يجعل هذا الدين يحمل الصفة الذي يريد لأتباعه أن توجد فيهم ، وهي الإسلام أي إسلام الحياة بنحو كامل لله ، فاللذين يلتزمون بهذه الصفة هم المسلمون.
وحقيقةً ، لم يبدأ الإسلام بالرسول محمد(ص) في الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي ، بل أن بداية هذه التسمية أتت في عهد سيدنا ابراهيم ، فقد خلق الله العالم ، ثم خلق الإنسان . أول إنسان خلق كان سيدنا آدم ، ومن ذريته جاء نوح الذي كان أحد أبنائه سام ، وسيدنا ابراهيم كان من ذرية سام ، وفي الواقع كان استسلام ابراهيم لله وطاعته له في ذلك الامتحان الأعلى والأسمى - امتحانه بالتضحية بابنه- هو الذي أعطى للإسلام اسمه .فقد استسلم ابراهيم لإرادة الله وأطاع أمره ، فكان أول المسلمين .
ففكرة التسليم والاستسلام مشحونة بمعان ٍ عسكرية لدرجة تتطلب منا بذل جهدٍ واع ٍلملاحظة أن هناك استسلاماً من نوع مختلف يهب فيه الإنسان من تلقاء نفسه ومن كل قلبه ذاته لغاية عظمى أو لأجل صداقة أو حب ، هذا هو الإسلام ، الالتزام والتضحية والعبوديةلله التي تحرر الإنسان من جميع أشكال العبودية الأخرى التي تحط من قدر الإنسان مثل عبودية الطمع وعبودية القلق أو عبودية الرغبة في الجاه والمنزلة والمقام ، والتزام الإنسان الكامل ، التزام لايحبس فيه شيء عن الله ، تضحية بأعز مايملك الإنسان ، وهذا مافعله سيدنا ابراهيم حينما نجح في أسمى وأعظم امتحان في استعداده للتضحية بابنه الوحيد عندما طلب الله منه ذلك ، فقد نفذ الاستعداد والالتزام والاستسلام المطلق لله .
اذاً الإسلام في أساسه هو دين سلام واستسلام مطلق لله تعالى وقبول للتضحية في سبيل الله ، ولكن هنا لايجب أن يفهم الاستسلام بأنه إذعان للغير أو تفريط في الكرامة أو الحرية ، ولا سلمية كاملة ورفض استخدام السلاح بشكل مطلق ، فالقرآن لايوصي بأن يدير الإنسان خده الأيسر لمن يلطمه على خده الأيمن ، لكنه يعلم العفو والمغفرة وأن يقابل الإنسان الإساءة بالإحسان عندما تسمح الظروف بذلك : "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون : 96]...” َإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التغابن : 14]”
ولكن هذا شيء يختلف عن عدم مقاومة الشر ، ولا يسقط العقاب عن المخطئين ، فيقر القرآن بمعاقبة المخطئين والظالمين الذين يفعلون الظلم عن عمد وإصرار ، بما يوازي ويكافئ الأذى الذي قد فعلوه ،" الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ".
وهذا هو أهم مبادئ العدالة ، فلو ألغينا مبدأ المعاملة بالمثل الذي تتطلبه الحياة القائمة على العدل والإنصاف ، فسنجد أن المبادئ الأخلاقية ستنحدر إلى مثاليات غير عملية ، هذا ان لم تصبح مجرد نزوع عاطفي وإذا وسعنا مبدأ العدالة هذا نحو الحياة الإجتماعية فإن أحد تطبيقاته ستكون مبدأ الجهاد،فالجهاد تعني لغوياً بذل الجهد ، ولما كانت الحرب تتطلب عملاً شاقاًبدرجة استثنائية ، لذلك فإن هذه الكلمة ارتبطت بالحرب في عملية التوسيع لمعانيها،والرسول الكريم يصف المعركة ضد شر النفس أي جهاد النفس في مرتبة أعلى وأهم من المعارك ضد الأعداء الخارجيين ( رجعنا من الجهاد الأصغرإلى الجهاد الأكبر) ، وهذا مايسيئ فهمه الغرب وأيضاً أنتم معشر الملحدين ، فكلاكما تعتقدان أن المسلم رجل ممتشق سيفه ، تتبعه مجموعة من الزوجات !!
ولم ينتبه أحدكم إلى فكرتين أساسيتين في هذا المضمار : الأولى هي مشروعية المقاومة وحق الدفاع عن النفس ، والثانية هي أن الإسلام دين عالمي : ( وما أرسلناك إلا كافة بشيراً ونذيراً ) (س سبأ 28) ، وكذلك: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) س الأنبياء
107
وقبل أن نخوض في كيفية انتشار الإسلام والخيارات التي تم بها هذا الإنتشار ، دعونا نلقي نظرة سريعة على الجانب العسكري من حياة الرسول.
خلف محمد (ص) كقائد عسكري بارز العديد من التقاليد الخاصة بالتصرف المحترم أثناء الحرب : احترام المعاهدات والاتفاقيات - حرمة الخيانة والغدر - عدم جواز بتر أعضاء الجرحى - عدم جواز تشويه الموتى أو التمثيل بجثثهم - وجوب استثناء الأطفال والنساء وكبار السن من القتل - وكذلك وجوب حماية البساتين والمحاصيل الزراعية والأبيوت والأشياء المقدسة.
كما التزم الرسول بفكرة الحرب العادلة وهي الحرب من أجل الدفاع عن النفس أو لأجل إزالة الظلم : " َقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ" [البقرة : 190]
فالعداوة الشرسة والشديدة التي شنها الوثنيون ضد الرسول وأتباعه ، أجبرت الرسول محمد أن يمتشق سيفه دفاعاً عن نفسه ، ولو لم يفعل ذلك لأزيل هو وكل الجماعة التي ائتمنه الله عليها من على وجه الأرض ، وهنا تحديدا سيرد بعض المعترضين ليتساءلوا : ولم لم يفعل الرسول كما فعل معلمون دينيون رفضوا مقاومة الشر وماتوا شهداء ؟؟
أو كدعوة عيسى عليه السلام ، فقد أمر عيسى عليه السلام حوارييه قائلاً :"لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ". (متى 15 : 24)
"إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ". (متى 10 : 5 – 6)


24ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ 25لأَنَّ امْرَأَةً كَانَ بِابْنَتِهَا رُوحٌ نَجِسٌ سَمِعَتْ بِهِ فَأَتَتْ وَخَرَّتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. 26وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَمِيَّةً وَفِي جِنْسِهَا فِينِيقِيَّةً سُورِيَّةً - فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنِ ابْنَتِهَا. 27وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهَا: «دَعِي الْبَنِينَ أَوَّلاً يَشْبَعُونَ لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». (مرقس 7 : 24 – 27)

أما الإسلام فدعوته عالمية، فقد قال الله تعالى: ( وما أرسلناك إلا كافة بشيراً ونذيراً ) (س سبأ 28) ، وكذلك: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (س الأنبياء 107)
فالقول بخروج الروم أو الفرس أو غيرهم من نطاق هذه الدعوة يتعارض مع الحكمة الإلاهية فى إرسال نبيه ولا يتفق كذلك مع المعنى الواسع لرحمة الله التى تشمل جميع المخلوقات.
وعندما أمسك الرسول بسيفه للدفاع عن نفسه وأتباعه فقد تمسك بهذا السيف حتى النهاية . وإن كان السيف له بعض الفضل في انتشار الإسلام ، فإن انتشاره في الغالب كان بالإقناع وتقديم المثال الأخلاقي :
"لاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 256]
"لكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [المائدة : 48.

يقيناً ، أن الرسول محمد أدخل في دستور المدينة مبدأ التسامح الديني الذي أعلنته تلك الآيات ، وهذه الوثيقة تشكل أول ميثاق ودستور لحرية المعتقد والرأي في تاريخ البشرية والنموذج الأصيل والموثق لكل الدول المسلمة اللاحقة.
لقد نصت تلك الوثيقة على أن اليهود الذين ينضمون إلى مجتمع الإسلام ستكون لهم الحماية من أي إهانة أو ظلم أو إساءة ، وسيكون لهم نفس الحق الذي يتمتع به المؤمنون : ( اليهود ..وكل الذين يقيمون في يثرب ، سوف يمارسون دينهم بكل حرية كما يمارسه المسلمون )وقد أعطيت حقوق مشابهة فيما بعد للمسيحيين ، وحتى الأمم المفتوحة كان يسمح لأبنائها بحرية العقيدة والعبادة بشرط أن يقوموا فقط بدفع ضريبة مالية خاصة وهي الجزية بدلاً من الزكاة التي يدفعها المسلمون للفقراء والتي يستثنى من وجوبها غير المسلمين ، هذا هو التسامح الديني ، وهذا هو دين السلام ، وهاهي كلمات الرسول : ( كيف تكرهون الناس على الإيمان مع أن الإيمان لايمكن أن يأتي إلا من قبل الله )
هذا بعض من الجانب النظري والنموذج الشخصي للرسول ، فهل يجد أحدكم أن هذا الدين هو دين إرهاب أو دين حرب كما تدعون ؟؟
أما أن المسلمين إلى أي حد عاشوا وطبقوا بنحو جيد مبادئ التسامح الديني تلك ، فإنه سؤال له إجابات مشوشة مقترنة بتاريخ معقد ، ومهما يكن ليس الإسلام مسؤولاً عن فك طلاسمها
فلا ريب أن كل دين تم استغلاله ، في بعض مراحله ، بنحو سيء، من قبل منتسبين إليه استخدموه كوسيلة لتغطية عدوانهم وإضفاء قناع ديني عليه لتبريره -والأمثلة كثيرة سآتي على ذكرها لاحقاً-وليس الإسلام استثناءاً من هذه القاعدة ، من زعماء ماكرين وخلفاء ورؤساء دول ، تمسحوا بذرائع وحجج دينية لتبرير طموحاتهم السياسية باسم الدين .
وسأسرد في الجزء الثاني وقائع عن كيفية انتشار الاسلام زمن الرسول عليه الصلاة والسلام ، والأزمنة اللاحقة.

وإلى اللقاء القريب بإذن الله .