المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإنسان المتعثر بظله


السيد مطرقة11
08-31-2013, 01:41 AM
كاتب الموضوع الأصلي :atheist

==================
يرتبك الإنسان من وعيه لذاته، إذ يردد ذلك الوعي صدى شعوره مرات ومرات، فيدور رأسه كمن دخل قاعة المرايا، ويضرب في رأسه دوار الإرادة الحرة، فيتمنى القيود ويحسد العصفور والنملة على قلة الإرادة، ويحسد الملحد المؤمن على قيوده وعلى الأرض التي مهدها غيره وخط السير الذي رسمه غيره، طالما أنه يعفيه من الحرية ومن اللاتعيين ومن الدوار.

وإذ يجد نفسه عاجزاً عن لبس القيود (فبعد أن تبصرها بما هي قيود تعافها نفسك)، قد يشعر بالرغبة في إغماض عينيه و"نطح" أقرب مرآة حتى يغيب الوعي، ويحل السكون والعدم.

وإن كان ذلك المتحرر يحب الحياة ويتحلى بالشجاعة، فقد يحاول حينها أن يضع يده على تحديد ما.. كيف يختار من بين آلاف وملايين الخيارات الممتدة أمامه؟؟؟ كيف يشكـِّل نفسه؟ وفق أي "موديل" من "الموديلات" الممكنة التي لا يحصيها العد والتي يمكن أن يتصورها خياله؟؟!!

هذا دوار الحرية.. وهو دوار موجع.. ولكن.. من أثبت الحرية أصلاً؟ منذ بدأ الإنسان بالتفلسف وحتى يومنا هذا مازال سؤال الحرية من الأسئلة التي لم نصل إلى حل حاسم لها. (حتى الوجوديون الذي تقوم فلسفتهم على أعمدة الحرية، اضطروا للقول بقدر من الجبر يسبقها. فلابد أن توجد قبل أن تتصف بأية صفة أو تمارس أية فعالية.) لا يمكننا أن نقول باللاحرية، فشعورنا يثبتها، ولا يمكننا أن نقول بالحرية المطلقة، فقوانين الطبيعة وواقع عدم انفرادنا (كأفراد) بالكون ينفيها أو على الأقل يحدها (وحد الحرية يساوي نفيها، فالحرية لا تتجزأ، وخسارة جزء منها يساوي خسارتها كلها).

إن مجرد كوننا غير منفردين بالكون (أي كأفراد كل على حدة.. أي واقع تعدد الإرادات في مجال واحد) يساوي نفي الحرية. رأيي الشخصي: الحرية في الشعور، لذلك فالإنسان وحده حر لأنه وحده يتمتع بالوعي الذاتي (الحقيقي والمكتمل). ولكن هذه الحرية لا تكمن إلا في شعوره، أي أنها واقعة ذاتية محضة. إنها الطريقة التي اخترنا أن ننظر بها إلى أنفسنا، والتي يرددها صدى مرايا وعينا المنعكس على ذاته مرات ومرات.

لا، لسنا أحراراً، بل وُضع كل منا في مركز وسـُلم مسؤولية أداء الجزء الذي يترتب على ذلك المركز، وسيؤديه شاء أم أبى.

ليس هناك حرية وجودية.. هناك فقط حرية أخلاقية.. موضوعها تقبلي لواجبي الذي سأؤديه حتماً شئت أم أبيت، وإقامة انسجام عميق بين شعوري وبين إدراكي لواجبي الحتمي تجاه الكل الكوني بحب ورضا.

إن كنت تشعر برغبة في نطح المرايا، فتوقف وفكر قليلاً في كلامي هذا (وقد اكتشفت حديثاً أن العديد من الملحدين يتعثرون بظلالهم، ويرغبون في ذلك، وهذا يحزنني)!