المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سام هاريس: تعريفُنا الضيق لـ «العلم»


أنا لُغَـتِي
07-20-2014, 08:51 PM
[/URL][URL="http://img.tedcdn.com/r/images.ted.com/images/ted/396db639c121c632c561884c318513b063723e2d_1600x1200 .jpg?ll=1&quality=89&w=800"]http://img.tedcdn.com/r/images.ted.com/images/ted/396db639c121c632c561884c318513b063723e2d_1600x1200 .jpg?ll=1&quality=89&w=800 (http://img.tedcdn.com/r/images.ted.com/images/ted/396db639c121c632c561884c318513b063723e2d_1600x1200 .jpg?ll=1&quality=89&w=800)

«يتقدم العلم من خلال اكتشاف أشياء جديدة وتطوير أفكار جديدة. ويتم تطوير عدد من الأفكار الجديدة كليَا دون التخلي أولاً عن الأفكار القديمة. وكما أوضح عالم الفيزياء ماكس بلانك (1858-1947)، «إن الحقيقة العلمية الجديدة لا تنتصر من خلال إقناع خصومها وجعلهم يرون النور، ولكن بدلاً عن ذلك فإنها تنتصر لأن خصومها يموتون في النهاية، ومن ثم ينمو جيل جديد يكون متأقلمًا معها.» وبمعنى آخر، فإن العلم يتقدم من خلال سلسلة من الجنائز. فلماذا الانتظار طويلاً؟»

ما هي الفكرة العلمية المؤهلة للتقاعد؟
«تتغير الأفكار، كما تتغير الأوقات التي نعيش فيها. ويعتبر أهم تغيير نشهده اليوم هو معدل إيقاع التغيير. ومن ثم فما هي الفكرة العلمية الراسخة المؤهلة لكي يتم طرحها جانبًا حتى يتسنى للعلم أن يتقدم؟»

تعريفُنا الضيق لـ «العلم»

إبحث في عقلك، أو إنتبه إلى المحادثات التي تقومُ بِها مع الأشخاص الأخرين، وسوف تَكتَشِف أنه لا توجد حواجزٌ حقيقية بينَ العلمِ والفلسفة — أو بين هذه التخصصات وغيرها التي تحاول تقديم مزاعم وجيهة حول العالم على أساس الدليل والمنطق. فعندما نتقبل هذه المزاعم وطرقها الخاصة بالإثبات بالتجربة و/أو الوصف الرياضي، فإننا نميل إلى أن نقول أن إهتمامنا «علمي» ولكن عندما تتعلق بأمورٍ أكثرُ تجردًا، أو إتساق تفكيرنا في حد ذاته، فإننا نقول غالبًا أن اهتمامنا «فلسفي» وعندما نريد فقط أن نعرف كيف كان الناس يتصرفون في الماضي، فإننا نصف اهتماماتنا بأنها «تاريخية» أو «صحفية» وعندما يصبح إهتمامُ شخصٍ ما بالدليلِ والمنطق قليلاً بشكلٍ خطيرٍ إلى حدٍ ما, أو مجرد أن يقبع تحت وطأة الخوف، أو الإعتقاد بصحة أمر لمجرد الرغبة، أو العصبية، أو الانجذاب، فإننا ندرك أنه «متدين».
إن الحواجز بين النظم الفكرية الحقيقية يتم وضعها حاليًا من خلال ميزانيات وهياكل جامعية وأكثر من هذه بقليل. فهل أن كفن تورينو هو أحد عمليات التزييف من العصور الوسطى؟ من الطبيعي أن يكون هذا سؤالاً تاريخيًا، أو سؤالاً يدخل علم الأثار، ولكِّنَ تِقنيات التأريخ بالكربون الإشعاعي تجعل منه سؤالاً موجهًا إلى الكيمياء والفيزياء أيضًا. إلا أن التمييزَ الحقيقي الذي ينبغي أن نهتم به – في ملاحظة ما هو الشرط اللازم لسلوك العلم – يكون بين طلب أسباب وجيهة لما يؤمن به الشخص من جهة, وأن يكون مقتنعًا لأسباب غير وجيهةٍ من جهةٍ أخرى.
يستطيع سلوكُ العلم التعاملَ معَ أيِّ مَا يحدث بحسبِ الحالة. وفي الواقع، فإذا كانَ الدليل على عِصمةِ الإنجيلِ وإحياء المسيح وجيهان، فيمكن للمرء أن يعتنق مذهب المسيحية الأصولية بشكل علمي. ولكن المشكلة، بالطبع، تتمثلُ في أنَّ الدليل إما أنه غير واقعيٍ, أو يكون غيرُ موجودٍ — وكذا هو حال الحاجزِ الذي أقمناه (من حيث التطبيق، وليس المبدأ) بين العلمِ والدين.
وقد أدى الارتباك حول هذه النقطة إلى بزوغ العديد من الأفكار الغريبة حول طبيعة المعرفة البشرية وحدود «العلم ». فالأشخاص الذين يخشون تطبيق موقف العلم — ولاسيما هؤلاء الذي يصرّون على ضرورة الإعتقاد بإله أو غيرهِ من العصر الحديدي — سوف يقومون بإستخدامٍ مغايرٍ لكلماتٍ مثل المادية، والداروينية الحديثة، والإختزالية، كما لو أن هذه المبادئ لديها بعضٌ من الصلة الأساسية مع العلمِ ذاته.
يوجد، بالطبع، أسباب وجيهه للعلماء في أن يكونوا ماديين، والإعتقاد بالداروينية الحديثة، والإختزال. ومع ذلك، فإن العلم لا يتطلب أيًا من هذه الإلتزامات، كما أنها لا تتطلب بعضها البعض. وإذا كان هنالك ثمةَ دليل على المثنوية (الأرواح غير المادية، والتناسخ)، فإن الواحدَ منّا يمكنه أن يكون عالمًا بدون أن يكون ماديًا. وفي حين ولكن ما يحدث فعلاً هو أن يكون الدليل هنا أمرٌ استثنائيٌ إلى حدٍ ما، وبالتالي فإنَ كافةَ العلماءِ ماديين بِشكلٍ إفتراضي. أما إذا وجدَ دليلٌ ضد النشوء والإرتقاء بالإنتخابِ الطبيعي، فإن الواحد منا يمكنه أن يكون ماديًا بشكلٍ يعتمدُ على العلمِ بدون أن يكونَ مؤمنًا بالدارونية الحديثة. ولكن ما يحدث فعلاً هو أن يكونَ الإطارُ العام للعملِ الذي طرح داروين – أي نظرية النشوء والإرتقاء بالإنتخاب الطبيعي – يحظى بتأسيسٍ جيدٍ من الأدلة مثل غيره في العلم. وإذا وجد دليل على أن الأنظمة المعقدة أنتجت ظواهرٌ لا يمكن فهمها فيما يتعلق بأجزائها التكوينية، لكان من الممكن أن يكون الشخص منا مؤمنًا بالداروينية الحديثة دون أن يكون اختزاليًا. وبالنسبة لكافة الأغراض العملية، فإن هذا هو ما يجد فيه معظم العلماء أنفسهم، وذلك نظرًا لأن كل فرع من العلم بخلاف الفيزياء يجب أن يلجأ إلى مفاهيم لا يمكن فهمها في مجرد ما يتعلق بالجسيمات والمجالات. لقد دخل الكثير مِنّا في مناقشاتٍ «فلسفية» حول كيفية الخروج من هذا المأزق التعليلي. فهل أنَّ حقيقة عدم تمكننا من تنبؤ سلوك الدجاج أو الديموقراطيات الناشئة على أساس ميكانيكا الكم يعني أن الظواهرَ ذات المستوى الأعلى هي شيءٌ مغايرٌ للفيزياء الضِمنية؟ إنني قد أصوت بـ «لا» على هذا السؤال، ولكن هذا لا يعني أنني أتخيل عصرٌ ما, لا نستخدم فيه إلا أسماء وأفعال الفيزياء فقط, لوصف العالم.
ولكن حتى إذا سلم الواحد منا بأن العقل البشري هو منتجٌ كاملٌ للفيزياء، فإن حقيقة الوعي لا تصبح أقل إدهاشًا، كما أنَّ الفارقَ بينَ السعادةِ والمعاناة لا يصبح أقل أهمية. إنَّ وجهةَ النظر هذه لا تقترح أننا سوف نجد نشوء العقل من المادة كعمليةٍ جليةٍ تمامًا؛ إن الوعي قد يبدو دائمًا أشبه بالمعجزة. وفي الدوائر الفلسفية، فإن هذا يُعرف بـ «المشكلة العسيرة للوعي»— فالبعض منا يوافق بأن هذه المشكلة موجودة، وإن كان البعض الأخر لا يوافق على هذا. وإذا ثبت أن الوعيَ غيرُ قابلٌ للإختزال من حيثِ المفهوم، فإن هذا يُرسِخ لأساسٍ غامضٍ لكل ما يمكن أن نتعرض له أو نجد فيهِ قيمة، في حين تظل باقي الآراء العلمية كما هي بشكل مثالي.
إن العلاج لكل هذا الارتباك بسيط للغاية: حيث يجب أن نتخلى عن فكرة أن العلم متمايز عن باقي العقلانية البشرية. فعندما تتمسك بأعلى معايير المنطق والدليل، فإنك تفكر بطريقة علمية. وعندما لا تفعل ذلك، فإنك لا تفكر بطريقة علمية.

مجلة الملحدين العرب:8: