المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وظيفة القرآن


ترنيمه
08-09-2014, 07:39 AM
وظيفة القرآن



محمد علي عبد الجليل (http://www.ahewar.org/search/search.asp?U=1&Q=%E3%CD%E3%CF+%DA%E1%ED+%DA%C8%CF+%C7%E1%CC%E1%ED %E1)
الحوار المتمدن-العدد: 3960 - 2013 / 1 / 2 - 20:33 (http://www.ahewar.org/search/Dsearch.asp?nr=3960)
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني (http://www.ahewar.org/debat/show.cat.asp?cid=139)





لقد أحدثَت النظريةُ التفكيكيةُ التي طوَّرَها الفيلسوفُ الفرنسيُّ جاك دريدا (Jacques Derrida) (1930 – 2004) ثورةً في مجال النقد الأدبي وتحليل النصوص. فبعدَ أنْ كانت المَدْرسةُ البُـنْـيَـوِيَّة التي أسَّسَها عالِـمُ اللغويات السويسريُّ فردينان دي سوسير (Ferdinand de Saussure) (1857 - 1913) تَـنْــظُر إلى النصِّ على أنه مستقلٌّ ومغلَــقٌ ونهائيٌّ وذو سُـلْطةٍ وذو مؤلِّفٍ محدَّدٍ ومعنىً ومركزٍ ثابتَينِ ونظامٍ منسجِم ومتناسق، أَصبحَ النصُّ بحسب النظرة التفكيكية مفتوحاً غيرَ منسجم ولا مؤلِّفَ له، ولا معنىً ثابتاً له، بل له دلالات لانهائية، ولا مركزَ ثِقَــــلٍ ولا سُلْطة له، بل أصبحَتْ السلطةُ للقارئ وحدَه، لأنَّ القارئ هو مَن يحدِّد دلالاتِ النص. وبهذا المعنى، لا يهمُّ، لتحليلِ النص، معرفةُ من هو المؤلِّف، هذا إذا كان هناك مؤلِّفٌ أصلاً. فكلُّ مؤلِّفٍ هو في الحقيقة جامِعٌ لأفكارِ محيطِه وبيئتِه إذْ يستوحي ويستقي أفكارَه مِن اللاوعي الجَمْعيِّ [أو الخافية الجمعية] لمجتمعه. أيْ أنَّ المؤلِّفَ الحقيقيَّ للنصِّ هو الجماعةُ اللغويةُ التي ينتمي إليها الكاتبُ.

يشيرُ النصُّ، بحسب التفكيكيين، إلى عدد لانهائي من المعاني؛ ويتلقَّى كلُّ قارئ معنىً على قدر استعداده ووعيه. ما يهمُّ إذاً هو كيف يقرأ قارئٌ ما أو جماعةٌ ما نصاً ما. تبيِّنُ إحدى القِصص الصوفية أهميةَ السامع (أو القارئ) في عملية التواصل وليس المتكلِّم (أو الكاتب)، فتروي أنَّ ثلاثةً سَمِعوا منادياً عَشَّاباً يبيع السعترَ البرِّيَّ فيقول: "يا سَعْتر بَرِّي"، ففهِمَ كلُّ واحد منهم مخاطبةً مختلفةً عن الآخَـر. فسَمِعَ أحدهم: "اِسْعَ تَــرَ بِــرِّي"؛ وسَمِعَ الآخر: "الساعةَ ترى بِرِّي"؛ وسمع الثالثُ: "ما أوسعَ بِرِّي". فالمسموع واحد واختلفَت الأسماع. (المِنَح القُـدُّوسِيَّة بِشَرح المُرشد المعين على طريقة الصوفية، "بيان فهم القوم من اللفظ الواحد معان مختلفة"، الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي). وفي مثل هذا المعنى أيضاً يقول الإمام الجيلي في عينيته المشهورة:
- إذا زمزمَتْ وَرْقَــاْ عَلَى غُصْنِ بانةٍ / وجاوبَ قُــمْريٌّ على الأَيكِ ساجعُ،
- فأُذْنيَ لم تسمعْ سوى نغمةِ الهوى / ومنكم فإنِّي لا من الطير سامعُ.

المتلقِّي إذاً هو الأساسُ في عملية التواصل اللغوي وليس الناقل. وهذه الفكرةُ هي إحدى الأُسُس التي يبني عليها الدعاةُ المسلمون نشاطَهم الدعوي والدعائي معتمدين على حديث محمد: "رُبَّ مبلَّغٍ [بفتح اللام] أوعى من سامِعٍ [ناقل]" وعلى حديث: "رُبَّ حَامِلِ فقهٍ إلى مَن هُوَ أفقهُ مِنْهُ."

فإذا قيل بأنَّ القرآن نصٌّ مليءٌ بالتناقضات ويدعو إلى العنصرية والعنف واحتقار المرأة والعقل فليس المؤلِّف هو من وضعَ هذه الأفكارَ بل القُرَّاء. قد يكون لدى واضع النص أفكار عنصرية مشابهة وربما يكون قد وضعَ النصَّ لأسباب عنصرية أيضاً. ولكنْ ما يهمُّـنا هو كيف يُــفَـــعَّــلُ النصُّ، كيف يُستخدَم، كيف يُقرَأ. لا يهمنا أنْ نعرِفَ ماذا كان هدفُ من اخترعَ الإنترنت ولكنْ كيفَ ولماذا يستخدمها شخصٌ ما أو جماعةٌ ما في وقتٍ ما. النصُّ كالمرآة يعكسُ صورةَ قارئه النفسيةَ والفكريةَ والروحية.

إنَّ المؤلِّفَ الحقيقي لأيِّ نصٍّ هو الجماعةُ اللغوية التي ينتمي إليها واضعُ هذا النص. لقد أكَّـدَ القرآنُ نفسُه والموروثُ الإسلاميُّ على أنَّ القرآن هو وحيٌ من الله. أيْ أنَّ مؤلِّف القرآن هو الله. ولكنْ من هو الله؟ يعرِّفونه بأنه المُطْــلَق. ولكنْ لكلِّ فردٍ تصوُّرٌ خاصٌّ عن الله-المُـطْـلَـق. هذا التصوُّرُ الفرديُّ عن الله هو جزءٌ من التصوِّر العامِّ عن الله لدى الجماعة التي ينتمي إليها ذلك الفرد. يمكنُ إذاً أنْ نُعَــرِّفَ اللهَ بأنه اللاوعيُ الجمعيُّ للجماعة اللغوية، بحسب تعبير كارل غوستاف يونغ (Carl Gustav Jung) (1875 – 1961). وهكذا يكون المؤلِّفُ الحقيقي للقرآن هو الخافية الجمعية للجماعة اللغوية الناطقة بالعربية. إيْ ليس هناك مؤلِّفٌ محدَّدٌ له، بل هو جمعٌ وغربلةٌ وتطويرٌ لمعتقدات الجماعة التي تتكلَّمُ العربية. وبذلك يعكِسُ القرآنُ تناقضاتِ هذه الجماعة وأفكارَها ووعيَها في عصر محدَّد. كما يعكسُ من جهةٍ أخرى وعيَ قارئه. فإمَّا أنْ تكونَ القراءةُ ارتقاءً وإما أنْ تكون انتكاساً ونكوصاً. وهنا نعذر من ينتقد القرآنَ ليس لأن مؤلِّـفَه فلانٌ أو فلان، بل لأنَّ كثيراً مِن قُرَّائه لم يرتقوا بعدُ في قراءاتهم ووعيهم، مع أنَّ نبيَّهم قد وردَ عنه أنه قال لكلِّ فردٍ منهم: "اقرأْ وارْقَ".

ولكنْ للتقليل من شأن النص القرآني، يحاولُ كثيرٌ من غيرِ المؤمنين به أنْ ينسبوه إلى ورقة بن نوفل أو إلى جماعة من المبشِّرين الأبيونيين أو إلى مُـسْــلِم بن حبيب الحنفي الملقَّب برحمان اليمامة والذي لقَّبَه خصمُه في الــنُّـــبُــوَّة قُـــثَـــمُ بنُ عبد اللَّات (محمَّد) بـ"مُسَيلَمة الكَذَّاب" ضمن حرب إعلامية لتشويه سمعته والقضاء عليه إيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً. فكان النصرُ فيما بعدُ للأقوى عسكرياً لا فكرياً. بالمقابل، يحاولُ المؤمنون بالقرآن، للرفع من شأنه، أنْ يُثبِتوا نسبتَه إلى الله. ولكنْ ليست المشكلةُ مشكلةَ مؤلِّفٍ، بل مشكلة قراءة. إذْ لا سلطةَ للمؤلِّف على النص، بل السلطةُ كلُّها للقارئ. ما يهمُّنا في دراسة القرآن هو كيف قرأه قُـــرَّاؤه والمؤمنون به في الماضي وكيف يقرؤونه اليوم. ينبغي إذاً دراسةُ القرآن وتقييمُه ونقدُه مِن حيثُ أثرُه وقراءاتُه لا من حيث مؤلِّفُه. فسواءٌ نُسِبَ القرآنُ إلى محمَّد أم ورقة أم رحمان اليمامة أم حاخام يهودي أم الجن أم الشيطان أم الله فإنَّ ذلك لا ينتقصُ من قيمته ولا يزيد فيها شيئاً. إنَّ قيمته في قراءاته. القرآنُ، كأيِّ نصٍّ لغويٍّ، هو مجموعةٌ من الإشارات التي لا قيمةَ لها في ذاتها، بل تستمدُّ قيمتَها من الاستعمالات التي يحدِّدُها لها المستخدمون. النصُّ الدينيُّ أداةٌ فكريةٌ وإيديولوجيةٌ حادَّة قد تحيي وقد تقتل وذلك تبعاً لِنيَّة مستخدمها ووعيه. وبما أنَّ التجربة قد أثبتَت عبر التاريخ أنَّ النصوص الدينية قد استُخدِمَت أدواتٍ للقتل أو لشرعنة القتل إلى جانب السيوف والأسلحة الأخرى فالأَولى إِبعادُها عن متناول البشر الذين مازالوا أطفالاً من حيث الوعي.

تأتي إذاً قيمةُ النصِّ الدينيِّ من استخداماته لا من نجاحه وانتشاره واستمراره. فليس الكِتابُ الذي يحقِّقُ أعلى نسبة مبيعات (best-seller) هو بالضرورة قيِّم. فنجاح القرآن لا يعود إلى قيمته العلمية أو الأدبية أو اللغوية ولا إلى بلاغته ولا إلى إعجازه المزعوم بل إلى القوة العسكرية للطبقة السياسية التي وضعَــتْه وروَّجَت له. فبعد جمع القرآن وتثبيت النص نهائياً ليخدم مصالحَ الطبقة الحاكمة آنذاك، تلاعبوا فيما بعد بتفاسير بعض الآيات التي لم تعد تصلح ووضعوا لذلك قواعدَ الناسخ والمنسوخ. وكلُّ من عاندَ ويعانِدُ إرادةَ السلطة ويشكِّك في صحة القرآن أو حتى في صحة تأويله يُهدَّد أو يُــقتَـــل. وهكذا، لفرض القرآن كدستور سياسي وديني للجماعة، قضى واضعوه على خصوم القرآن سواء أكانوا أفراداً أم أفكاراً. فحاربوا الشعرَ والموسيقى والغناءَ والرسمَ لأنها لا تُـنافِسُ دستورَهم فحسبُ بل تُهدِّد وجودَه. سرُّ نجاح القرآن يعود إذاً إلى عواملَ سياسيةٍ وتاريخيةٍ وسوسيولوجيةٍ أكثرَ منها لغوية ودلالية وأدبية وفنية.

يؤكِّد المنقولُ الإسلامي في مواضعَ كثيرةٍ على أنَّ القرآن كتاب يحتمل معانيَ شتَّى. هذا يعني أنه قابل لاستخداماتٍ شتَّى بحسب هدف المستخدِم. لقد أدرك عليٌّ بن أبي طالب هذه الفكرة مشيراً إلى أنه نصٌّ حَـــمَّــالُ أوجُهٍ (أو حمَّالٌ ذو وجوه، تقول ويقولون...) فرفض التفاوضَ على أساس القرآن مع خصومه الذين رفعوا المصاحفَ وشعارَ "لا حُـــكْـــمَ إلَّا لله"، ذلك لأنَّ القرآن، نظراً لأنه يقبل التأويلَ، يصلحُ بامتيازٍ غطاءً شرعيًا لأنجس الأفعال فهو أَشْبَهُ بخطابات الطُّغاة عن حقوق الإنسان. وأصبحَتْ مثلُ هذه النصوص أدواتٍ للصوص. وقد ذكرَ مقاتِلُ بن سليمان البلخي حديثاً عن محمد يؤكِّد فكرة قبول القرآن لأكثر من معنى إذْ يقول: "لا يكون الرجل فقيهاً كلَّ الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة."

وبما أنَّ القرآنَ يحتملُ معانيَ لا حصرَ لها فإنَّ وظيفته لا يمكن أنْ تكونَ إيصالَ رسالةٍ محدَّدةٍ أو هدايةَ قومٍ. لقد كانت إحدى وظائف القرآن الحَـمَّالِ المتعدِّدِ المعاني (polysémique) هي شرعنة أفعال الطبقة الحاكمة وتأسيس مشروع دولة قومية دينية. ويمكن للقارئ الأَرِيب أنْ يدركَ من خلال قراءته للقرآن والتاريخ الإسلامي أنَّ وظيفة القرآن لم تكن لتبليغ رسالة روحية أو "هداية" البشر أو العرب المشركين بل كانت سياسيةً بحتة بدأَتْ بتوحيد الآلهة في إله واحد مما ألغى التنوُّعَ وأسَّسَ لعصور الدكتاتوريات. وهذا يعني أنَّ المعنى لم يكنْ بالأساس مهمًّا لجامعي القرآن، أو بتعبير أدق لم يكن ذا أولوية. فعندما جمعَ عثمانُ وفريقُه القرآنَ الحاليَّ اختاروا ما يشاؤون من المصاحف الموجودة بما يتناسبُ مع مشروعهم القومي ومصالحهم السياسية. وما يؤكِّد على عملية الانتقاء هذه هو قولُ ابن عمر: "لا يقولَّنَ أحدُكم: قد أخذتُ القُرآنَ كُلَّهُ. وما يُدريه ما كُلُّه! قد ذهب منه قُرآنٌ كثير، ولكن ليقُــلْ: قد أخذتُ منه ما ظهر." كما أنَّ رَفْضَ عثمانَ وفريقِه مصحفَ علي بن أبي طالب (مع أنَّ علياً كان يُــعَــدُّ بابَ مدينة علم الرسول) وكذلك إحراقَ النسخ الأخرى الموجودة هما دليلان على وجود معايير أخرى في الانتقاء ليست لغوية ولا دينية، بل سياسية وسوسيولوجية. ولكنْ يمكن فهمُ قول ابن عمر ("قد ذهبَ منه قُرآنٌ كثير") بمعنى أنَّ معنى النص القرآني ليس ما تنقله الكلماتُ فقط بل أيضاً السياق والمَشهد العام والحركات والإيماءات. "المعنى هو سياق"، كما يقول ديــﭭــيد بيلُّوس (David Bellos) (في كتابه Le poisson et le bananier: une histoire fabuleuse de la traduction [السمكة وشجرة الموز: تاريخ رائع للترجمة]، ص 83). ومن المعروف أنَّ جمع عثمان للقرآن خلقَ سياقاً مختلفاً عن السياق الواقعي والتاريخي للأحداث التي يشير إليها النصُّ القرآني (ترتيب النزول وأسبابه). وبذلك يمكن أن نفهم أنَّ ترتيب عثمان للمصحف الحالي بحسب طول السُّوَر لا بحسب التسلسل التاريخي يشير إلى أنَّ المعنى لم يكنْ ذا أولوية بالنسبة له لأنَّ ترتيبه أضاع السياقَ الذي قيلت فيه السُّوَرُ وبالتالي أضاع كثيراً من المعنى وخلقَ معنىً جديداً. بتعبير آخر، إنَّ ترتيب عثمان للنص القرآني بحسب طول السورة ليس عبثاً، بل لإخفاء شيء وإظهار آخر. لقد رتَّبَ عثمانُ القرآنَ ليكونَ له وظيفةٌ أخرى أو ليُبرِزَ وظيفةً دونَ أخرى من بين وظائفَ عِـدَّةٍ للنص.

وظيفة القرآن الأولى والأساسية التي كان يريدها له جامعوه هي: (1)-التركيز على العربِ والعربيةِ ("خير أمة"، "قرآنًا عربيًا"، إلخ.) و(2)-معارضة اليهود والنصارى الذين كانوا يَسْخَرون من الذين لا كتابَ لهم ولا نبي (الأميين gentils) و(3)-المحافظة على مصالح الطبقة الحاكمة في قريش آنذاك. فكان القرآن مؤسِّسًا لهوية دينية وقومية معاً. وهكذا نلاحظ من الآيات التي تؤكِّد على عروبة القرآن أنَّ هذه الرسالة المسمَّاة قرآناً موجَّهةً للناطقين بالعربية حصراً وبشكل خاص لمن ليس لهم كتاب (الأميين)، أيْ ليست موجَّهةً لليهود والنصارى الذين كانوا يُــعَـدُّون مرجعاً للقرآن وللمؤمنين به آنذاك. فالقرآنُ أساساً يقول عن نفسه أنه تذكرة وذِكْر وتذكير لمن يعرِف العربية من غير اليهود والنصارى. ومن أراد التوسُّعَ أو التأكُّــدَ فليرجع إلى الكتب المقدَّسة السابقة. وما توسيعُ جمهوره المتلقِّي إلا ناتج عن التوسُّع العسكري للمؤمنين به حتى أصبح المؤمنون به يظنُّون أنَّ كتابهم موجَّه إلى البشرية جمعاء.

وظيفةُ القرآن إذاً ليست إيصالَ رسالةٍ أو نقلَ معنىً، بل تأسيس قومية. المهم ليس رسالته اللغوية بل وظيفته السياسية فهو وُضِعَ ليجعلَ من العربية لغةً رسمية، أيْ لتأسيس اللغة العربية وتقعيدها والاعتراف بها، كما فعل فيما بعد مترجمو الكتاب المقدَّس عندما ترجموه إلى لغاتهم المحلية الأوروبية، وهو ما أكَّده كلٌّ من جان ديليسل (Jean Delisle) وجوديث وُودزوُورث (Judith Woodsworth) في كتابهما Les traducteurs dans l’histoire [المترجمون في التاريخ] (1995) وأكَّدَته باسكال كازانوﭭــا (Pascale Casanova) في كتابها La république mondiale des lettres [الجمهورية العالمية للآداب] (ص 81 وما بعدها). وهكذا فإنَّ الحاجة إلى كتابة القرآن بالعربية (والذي ليس سوى ترجمةٍ لأفكار عصره وبيئته) تشبه كثيراً الحاجةَ إلى ترجمة الكتاب المقدَّس إلى اللغات المحلية في أوروبا. وبذلك تكون وظيفةُ الكتب المقدَّسة جميعاً وظيفةً سياسيةً وسوسيولوجية. فهي جمعٌ لثقافة جماعةٍ ومعتقداتها وتراثها الشفهي في ما يشبه الدستور في الشريعة (canon). وإذا قلنا أنَّ وظيفة القرآن هي سياسية وقومية فإنَّ ذلك لا ينتقصُ شيئاً من قيمته. على العكس، هذه الوظيفة تجعل منه أحدَ أهم كتب الأساطير تأثيراً في التاريخ. وأهميته تنبع من هذه الوظيفة تحديداً لا من ادِّعاء احتوائه على الحقيقة التي لا يمكن لكتاب أن يحتويها ولا لدرب أو دين أنْ يصل إليها.

إيكس-أون-بروفانس، 30/12/2012