عرض مشاركة واحدة
قديم 06-09-2014, 10:59 AM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
Unhappy الإله المتهم البرئ- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.

سامى لبيب


الإنسان لا يعنيه سببية الوجود كقضية تستحوذ على تفكيره فلم تكن فكرة البحث عن سبب الوجود قديماً أو حديثاً واردة إلا عندما تماست مع دوائر الألم فنحن لا يعنينا الحدث الوجودى إلا من حيث مدى تأثيره علينا فى إصابتنا بالإلم أو منحنا اللذة والإشباع ,ومن هنا جاءت فكرة الإله التى تَعبر بنا وتُفسر لنا الألم وتحقق الرغبة فى تجاوزه ليكون إيماننا بفكرة الإله فى هذا الإطار فحسب ولتأتى فكرة سببية الوجود فى تزويق الفكرة وإعطاءها الوجاهة والحضور .
الشر هو الألم الكامن فى الحياة والطبيعة الذى نجهل سببه لنعلن عن إستياءنا منه بإنطباع وشعور نسقطه على الاشياء التى تنال من أماننا وسلامنا وإشبعاتنا لتتكون فكرة الشر فى وعينا مصحوبة بمغالطات وجهل وأوهام تصل لإعتبار الشر وجود مستقل حاضر وقادر على إنتاج الشر ,لذا لم نتوانى فى خلق كائنات ميتافزيقية خيالية من آلهة وشياطين مُنتجة للألم مما حرف بوصلة الوعى الإنسانى عن إدراك السبب الموضوعى لما يتوهمه أنه شر .

نحن خلقنا فكرة الإله لنلقى عليها إتهاماتنا ومواقفنا الغاضبة من الوجود والحياة .. خلقنا الفكرة التى تستوعب حجم إتهاماتنا الكبيرة للحياة بالقسوة ولتبرئ أنفسنا من الألم والشر بإلقاءها على متهم كبير هو الإله الذى يستوعب غضبنا وجهلنا من إستيعاب الظرف الموضوعي المُنتج للألم ورغباتنا الحثيثة فى لفظه وإزاحتة بإلقاءه على هذا المتهم الكبير مُتحملاً كل الإتهامات واللوم , فنحن لا نستطيع العيش فى الحياة بتلقى صفعاتها بدون أن نتهم وندين .
ليس فكرة الله المتهم غريبة عن الإنسان من حيث منطقيتها فهى فى صلب منهجه الفكرى الذى يتعامل بمنطقية السببية فلكل سبب مُسبب وماالشر والكوارث والبلايا إلا ولها مُسبب هو الإله الذى نتهمه بخجل بأنه المُتهم بفعل هذه الشرور تحت دعاوى القضاء والقدر والمشيئة والحكمة والإختبار , فالله هو المُتهم الحاضر دوماً فى قفص إتهامنا بغض النظر عن كوننا لا نصب عليه اللعنات .
الإنسان لا يكف عن الإتهام إما بتوجيه التهم بشكل مباشر إلى وجود حاضر أو حتى لفكرة من خلال ممارسة النقد ومحاكمة الأفكار والخيالات ليضعها فى قفص الإتهام فنحن لا نستطيع العيش بدون إدانة ألمنا .

فى داخل كل إنسان ممثل إدعاء وقاضى وجلاد لتتفاوت بالطبع من إنسان لآخر ولكن لن تجد إنسان لا يَتهم ولا يُدين وإلا كيف جاء ممثلى الإدعاء والقضاة والجلادون أى أننا نتحرك دوماً فى دوائر الإدانة والإتهام وإن تفاوتت قدرة الإتهام والحكم من إنسان لآخر وفقا لمقومات القوة التى تعتريه فمن يمتلك القدرة على الإتهام بوضعية تفوق قوة المتهم فسيدين بصوت عال , أما فى حال الضعف والعجز عن مواجهة المتهم نتيجة سطوته وجبروته وإستمرارية حضوره فسيكون إتهامنا خجولاً مرتجفاً مثلما نتهم القادة والأنظمة السياسية الفاشية الشديدة البطش والشراسة حيث يكون إتهامنا لها خافتاً متوارياً..هكذا الحال فى إتهامنا للإله فهو شديد القوة والبطش مثل الحاكم المستبد القادر على ممارسة المزيد من بطشه وإيذاءه حال استنكرنا ظلمه وأفعاله الشريرة واتهمناه بالقسوة وسبب الألم والشر والبلايا لذا يكون إتهامنا لله خجولاً خافتاً صامتاً يختبأ تحت الضلوع متوارياً وراء خوفنا من ظلمه , ولكننا لم نتخلص يوما من إتهامه لتتحول إتهاماتنا إلى أساسيات العبادات فهو الجبار المتكبر المضل القهار المبتلى المذل الضار الخافض سبحانك !.
نحن نتماهى فى فكرة الإله المتهم الشديد الجبروت فلا يكتفى سلوكنا على اللوم الداخلى الخافت بل نمارس نفاقنا ورياءنا فالإنسان كائن برجماتى يعرف من أين تُؤكل الكتف لذا فلنتذلل لذلك المتهم بالشر ونَستسمحه ونُسبحه حتى لا ينتج المزيد من الشر مثل حال جماعة بشرية يهيمن عليها بلطجى أو فتوة لتجدها تحترمه وتقدره بل تعشقه كسلوك بشرى متدنى حقير يتماهى فى الإنسحاق والإذلال أمام مفردات القوة والغطرسة .

الإنسان خلق فكرة الخطية كشعور بالذنب تجاه الطبيعة والوجود .. فهاهى الطبيعة قاسية فلابد من سبب أدى لغضبها ليتصور الإنسان أن هناك شئ ما أغضب الطبيعة أو الآلهة لتبتليه بقسوتها فى ظل حالة من الجهل المعرفى المُتدنى , لذا فعليه تقديم القرابين والطاعة والإذلال لها أو قد يُعزى غضب الآلهه لهذا الذى فى الجوار المُرتكب لأفعال مشينة حددها فكر النخب لتقديم سلوكيات يروجون أنها تغضب الآلهة وتأتى فى إطار خدمة مصالحهم وتأمينها , فهذا السارق الملعون أغضب الآلهة بسرقته وهؤلاء القوم مثليون وعليه فالآلهة إبتلتنا بالأعاصير.. لا تندهش من هكذا فكر فمازال حاضراً بقوة فى الشعوب التى تستقى وعيها من الميثولوجيات الدينية , فالمصائب التى حلت بىّ لتعصف بأولادى لكونى أطعمتهم مالاً حراماً فنزل على بطونهم نارا وأصابهم بالمرض وقصف أعمارهم .
مازلنا حتى الآن نستدعى مفهوم الخطية الذى تجلب الشر فإعصار تسونامى لأنهم يشربون الخمر ويمارسون علاقات جنسية حرة إستدعت غضب الله فأجر الخطية موت وهلاك وغضب إلهى كما فى المفهوم المسيحى الذى ترك آثاره على باقى المعتقدات الأخرى بشكل أو بآخر وإن تم إختزال الخطية فى الشريعة .
الإنسان لا يعترف بسهولة بأخطاءه ليتبع أسلوب دفع الإتهام عن نفسه ليسقطه على الآخرين فهاهم الحاسدون وما نالنى من شر عيونهم الحاسدة الشريرة أو يسقط البلايا والشرور على الله كأكبر متهم فى الوجود لا يمكن ملاحقته فهو أصاب إبنى بالمرض وقطف عمره لأن هكذا هى إرادته وإنتقامه وشره .

مارس الإنسان من خلال ميثولوجياته الدينية إدانته للإله وإتهمه بالشر فهو متهم فى الشعور الخجول واللاشعور بكل ما يحصل فى الحياة من شر ومصائب وبلايا لذا يضعه الإنسان فى قفص الإتهام داخل أغوار نفسه فكل مشاهد الحياة المؤلمة يقف ورائها الله يُقدرها ويُرسمها ويُنتجها ويترك لوكيله الشيطانى أو قل قفازه حرية الحركة والتأثير.

الشر الذى يواجه الإنسان إما من الطبيعة أو من نظير إنسانى فمصائب وبلايا الطبيعة المؤلمة القاسية لا يوجد لها مُنتج ومُسبب لها إلا الله كما روجت الميثولوجيات الدينية فهو المُسبب والمُتفرد الوحيد بإنتاج كل الكوارث التى تحل بالبشر لتعزى هذا إما لغضبه أو إنتقامه أو إختباره ليكون الله المتهم الوحيد بفعل الشر والإيذاء والإبتلاء لذا تكون أى محاولة لنفى التهمة عن الله أو تخفيفها ستفقده بالضرورة ألوهيته حيث توصمه بالعجز فهكذا الكوارث خارج أقداره ومشيئته وسطوته .

سيكون الله متهماً بكل البلايا التى تصيب البشر من أمراض وتشوهات خلقية وعقلية فهو المُنتج الوحيد لها وفقاً للإيمان الدينى ليصير الإله المتهم الحقيقى الذى نلقى عليه سبب شقائنا وألمنا , ولكن من ضعفنا وهواننا وخوفنا أن ينالنا المزيد من بطشه وشره لا نُدين المتهم بقوة وغضب بل بإستحياء وخنوع , فنحن نتهم الله بالتشوهات الخلقية وندينه إدانة خجولة مستسلمة كمسئول عن هذا الفعل , وبالرغم من تطور فكر الانسان وأدراكه لسبب التشوهات الخلقية والإعاقات الذهنية والجسدية مازال المؤمنون بالله مُصرون على إتهامه فلو حاول أحد تعزية هذه المشاهد خارج فعل الإله فهذا يعنى أنه خرج من الإيمان وأدان الله بالعجز وعدم المعرفة والتقدير والترتيب أمام فعل الطبيعة التى تعبث بمخلوقاته .
" ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم"
"مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا "

يكون الله متهماً بتضليلنا عندما يغض الطرف عن تحريف كتبه فلا يحفظها ويصونها من العبث كما حفظ القرآن فى الرواية الإسلامية ليضل مليارات البشر بلا ذنب إقترفوه , بل لم يعتنى أن يظهر النسخ الأصلية بجوار المزيفة حتى تكون حجة على البشر وتنفى عنه أيضا التضليل والإهمال .
حتى المسيحيين واليهود الذين يصنفون الأديان الأخرى كمعتقدات أرضية ليست من السماء فى تعبير مهذب عن ذاك القول الفج بأنها أديان شيطانية فهنا هم يتهمون الله بالشر والتضليل أيضا ليترك الشيطان يلعب فى ملعبه الرئيسى ويضلل مليارات البشر عن الإيمان الحقيقى فليس هؤلاء البؤساء سوى ضحايا إرثهم من خرافات لا تزيد شيئا عن خرافات الآخرين ليكون الإيمان فى النهاية حظوظ من الجغرافيا والتاريخ .

عندما نقول أن الله يُضل من يشاء وأنه أغلظ قلب فرعون كى يضرب شعب مصر بالمصائب فهى إشارة خبيثة من الإنسان بإلقاء الشر على الإله بشكل فج وصريح ولا نجد تبرير يفسر كيف لإله يُضلل البشر سوى أنه خبث إنساني فضح نفسه بالرغبة فى إدانة الإله والنيل منه أو قد تكون حُجة ذاتية تُبرر لماذا الآخرون لا يُؤمنون بما أؤمن به فليس هذا نتيجة هوان ما أعتقده أو قوة ما يؤمنون به بل لأن الإله الضال الشرير تدخل فى ضلالهم .. سواء أكان هذا أو ذاك فنحن إتهمنا الإله ووضعناه فى قفص الإتهام كمتهم شرير سواء بخبث أو غباء .

تتفرد المسيحية بجرأة فى محاكمة الإله وإدانته وصلبه ولكنها لا تُقدم بالطبع هذه الرغبة الخجولة إلا كرؤية من داخل العمق الإنسانى تُعرب عن ذاتها لتتوارى سريعاً وراء لاهوتها الذى يفسر صلب الإله لمحو خطايا البشر وخلاصهم من الخطية ولكنك لو فكرت فى هذا الرؤية عن معنى أن يتحمل الإله خطية الإنسان بأن يُهين ذاته مقابل ذلك , وماعلاقة الصلب والدم كشئ مادى بفعل خطية معنوى , وماذا لو ألغى الإله فكرة اللعنه والخطية الموروثة ليجعل كل إنسان مربوط من عنقه فلا تزر وازرة مثل أخرى , كما أن الإله تراجع كثيرا عن قرارات أصدرها فى الماضى و ندم عليها فهل لنا أن نتقبل هذه الإلتفافة الطويلة العجيبة أم نقول أن الإنسان إمتلك بعض الشجاعة أن يدين ويتهم إلهه ويضعه فى قفص الإتهام أو على خشبة الصليب كما فى ميثولوجيتهم .

الأديان التوحيدية تحت وطأة فكرة التوحيد تفضح بسذاجة الله الشرير نتيجة أنها حصرت نفسها فى وهم فكرة الإله الواحد مخالفة للمعتقدات القديمة التى جعلت للخير إلهاً والشر إلها ً فحلت إشكالياتها بوضوح وشفافية وسلاسة بينما من جعل الإله واحداً وقع فى إشكالية من خلق الشر لذا كانت أقوال أبيقور مُحرجة ومُحاصرة لفكرة الإله فقد قال : هل الإله يريد منع الشر لكنه لا يقدر ؟ إذن فهو غير مهيمن ولا كلى القدرة - هل هو قادر لكن لا يريد ؟ إذن فهو حاقد شرير - هل هو قادر على منعه و يستطيع منعه ؟ إذاً فمن أين يأتي الشر - هل هو لا يستطيع و لا يقدر ، إذاً لماذا نسميه إلها .!

الله فى التراث الميثولوجى الدينى شرير ولكن يرتدى قفاز الشيطان كتمويه فهو يعلم و يسمح بالشر ليعطى الشيطان رخصة كاملة فى تنفيذه ليكون الشيطان والرخصة من الإله كأداة وقفاز فحسب فماذا يعنى هذا سوى أنه إله متواطئ متهم بالشر , فلو تأملنا بقليل من التفكير قصة الله مع الشيطان سنجد صور كثيرة تجتمع فيها السذاجة والعجز الإلهى لتدمر فكرة الألوهية هذا إذا أعتبرنا أن الفكرة الميثولوجية ذات وجود , فالشيطان ملاك تحدى الله أى أنه مخلوق من مخلوقاته تجرأ أن يعصيه ويتمرد عليه ويتكبر وكل هذه الأمور فى حضرته و داخل ملكوته وعرينه ليكون رد الفعل من الإله المطلق القوة والعظمة والجلال والعدل والإنتقام منافى لأى مفردة ألوهية فبدلا من أن يَسحق هذا الملاك المتمرد ويُمحيه من الوجود جزاء تمرده وتحديه وعصيانه علاوة عن غلق الباب أمام أى حالة تمرد واردة فى ملكوته نجد الله يدخل فى رهان ولعبة مع الشيطان تكون أوراق اللعبة هى ذاك الإنسان البائس الذى لا ناقة له ولا جمل فى تلك الخصومة أو المبارزة أو هذا الرهان الغريب !.( قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم .قال ربي أغويتني لأزينن لهم في الأرض و لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منه المخلصين ) , و كذلك (قال أنظرني إلى يوم يبعثون . قال إنك من المنظرين . قال فيما أغويتني لأقعدن لهم سراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم و من خلفهم و عن أيمانهم و من شمائلهم و لا تجد أكثرهم شاكرين)
ماذا نسمى تلك الصفقة او قل هذا الرهان , فمن الذى سمح للشيطان ان يمارس شروره وتضليلاته ووساوسه أليس الله , فألم يكن حريا بالإله العظيم القدرة والعدل ان يسحق هذا الشيطان ليقول له ألا يكفيك ايها الملعون أن تتمرد وتعصى أوامرى لتزيد الأمور سوءاً وفُجرا بطلب سماحى لك بتضليل البشر فلتذهب للجحيم .. ماذا يعنى ذلك سوى أننا نتهم الإله بالشر والتواطؤ .

السبب الرئيسى لإعتبار الله مُتهما ومُدانا هو فهمنا المغلوط للشر .. فنحن نتصور الشر كحدث ووجود ومنتوج بواسطة قوة شاخصة سواء عن طريق الله أو وكيله الرسمى المعتمد المتمثل فى الشيطان , ولا يوجد شئ إسمه شر أو خير كوجود بل هو تصنيف الإنسان لمجموعة من السلوكيات والتمظهرات المادية يسقط عليها إنطباعاته ليتحسس آذاها وإنتهاكها لأمانه وسلامه فيطلق عليها كلمة "شر" فتصنيفه للكوارث الطبيعية التى تُسقط عليه هو شر ولكنى متى تجاوزها وروضها وتفادى أضرارها فلن تعد شراً .. فالفيضانات كانت مُدمرة ومُخربة تجرف الزرع والضرع والنسل لذا كانت شر , بينما عندما روض الانهار باقامة السدود أصبح الفيضان خيراً لما يمنحه من الماء الوفير للزراعة والاستصلاح والكهرباء .
الشر الذى يتراءى لنا فى السلوكيات هو نتاج صراعات لم نحسن تهذيبها أو إدراك معادلتها وأطرافها ومن ورائها فهى تعبير عن كراهية نخب إجتماعية لحزمة من السلوكيات تنال من مصالحها وأمانها ورؤيتها للنظام الذى يريدونه لذا يطلقون على هذه السلوكيات "شر" ليقام لها تابو تحريم وتقبيح يترسخ فى الضمير الإنسانى أن هكذا فعل وسلوك هو شر .

لا يوجد إله يُنتج الشر ويُصدر بلاءه للبشر ولا وجود لوكيله الرسمى الشيطانى ,فالإله والشيطان يتواجدا فى خيالنا وعجزنا وجهلنا أمام ماينال أماننا وسلامنا ,فتهمة الشر لابد أن نلقيها على أحد سواء إله أو شيطان فنحن لا نستطيع أن نعيش الحياة نتلقى صفعاتها ولا ندرك من يصفعنا فلابد من مُسبب يُجلب الألم لذا فإلقاء التهمة على الله المُفترض تأتى فى ظل جهل معرفى بسببية الألم والبلاء وفى نفس الوقت تبديد الحيرة القاتلة عن مشهد نبحث له عن سبب فيكون الإله المتهم مستوعباً للتهم التى نلقيها عليه

لا يكون الشر إلا جهلنا الموضوعى بمصدر الألم الحقيقى وعدم قدرتنا على تجاوزه وتفاديه فهذا هو السبب الرئيسى لإنتاج فكرة الآلهة لنضعها فى قفص الإتهام ولنمارس بفكر تقية التذلل للمتهم وتمجيده كسلوك مراوغ ومنافق فى تعاملنا مع القوة المفرطةلذا قد يعطينا هذا المشهد تفسير عن سبب إستيطان الإستبداد فى الشعوب التى آمنت بفكرة الإله فقد تم تدريب النفس فى مركز تدريب القهر والألم منذ القدم لنلعق نعال طغاتنا كصدام ونتغنى لهم ,فنحن نتهم بخجل سريعاً ما يتحول لتمرغ أمام القوة المفرطة .( نفسية عبيد)

فكرة الله بريئة من التهم التى تلقى عليه فإدانة الفكرة بالشر والألم تهمة فى غير محلها فهى فكرة فى النهاية نتاج وهم بشرى رسمها إنسان قديم وحدد ملامحها من خلال خيالاته المحددة بجهله وعجزه المعرفى عن إدراك مسببات ألمه وعدم قدرته على تجاوزها ولتساق من خلالها رؤى نخب صاغت علاقاتها التنظيمية التى تُحقق وتُسيج مصالحها داخل الجماعة البشرية .

إنهم يؤمنون ليلقوا بتهم الشر والألم على كيان من صنع خيالهم يتحمل إتهاماتهم ليظلوا على جهلهم وإخفاقهم وعجزهم عن مواجهة الألم وفهم أسبابه ومحاولة الخروج منه .. الله المتهم هو رغبة انسانية فى تنفيس الغضب من الحياة والوجود والإستسلام العاجز امام قوى الطبيعة ومصالح نخب شديدة البأس .
فكرة الإله المتهم فكرة قاسية ومُضللة تلف إدانتها بورق من السوليفان ليتمنهج الإنسان على تقديم العتاب الخجول الهامس لكل القوة الباطشة وليتماهى البسطاء فى تقديم الود للمتهم والتذلل له .
الإله لو كان موجوداً ويُصدر كل هذا الألم والشر فيجب إتهامه وإدانته بديلاً عن عبادته ولكنها فكرة ألقينا عليها كل إتهاماتنا وعجزنا وجهلنا .. فكرة الإله بريئة مما ننسبه لها .

دمتم بخير .
لو بطلنا نحلم نموت .. طب ليه ما نحلمش .



:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس