عرض مشاركة واحدة
قديم 03-25-2020, 12:22 AM Ruslan Amer غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
Ruslan Amer
عضو جميل
 

Ruslan Amer is on a distinguished road
افتراضي

شكرا على المشاركة والنقد الجميل والقيم، صديقي!

ولكن مسألة انتشار وسواد ثقافة اللاثقافة الاستهلاكية في العالم الرأسمالي الحديث هي ليست مسألة رأي شخصي، وهذا ما يراه الكثير من المفكرين والمثقفين الغربيين أنفسهم، وهذا ما يولد اليوم ردات فعل لا يمكن قطعا إنكارها ممتثلة بتجدد الدين وظهور أشكال جديدة منه، حتى بات العديدون يتحثون عن "فشل العلمانية" أو عن "ما بعد العلمانية"، ولست بدوري ممن يرون أن العلمانية فشلت .. وأرى أننا هنا إزاء ردة فعل طبيعية على "تضخم المادية"!.

وبالنسبة للجنس.. فهو كبقية ميادين الحياة في الغرب المعاصر، وفيه جانب إيجابي ثوري، وفيه جانب سلبي، الجانب الإيجابي هو أنه قد تم تحريره من العيب والحرام، وإن تكن بقايا من هذا ما تزال عالقة به من الإرث القروسطي، وبنفس الوقت وبالترابط مع ما تقدم أصبح الجنس حرية من حريات الإنسان ومسؤولية من مسؤلياته كائن عاقل وذي إرادة، ولا يحتاج إلى أية وصاية، وهذه قفزة عظمى إلى الأمام، وإنجاز تاريخي بلا أدنى شك، ولكن مع ذلك فليس كل شيء على ما يرام، فالاستهلاكية غلبت إلى حد كبير على هذا المجال كغيره من مجالات الحياة، ولذا تتطور اليوم في الغرب مدارس تسعى لإعطاء الجنس بعدا روحيا، منها مثلا "النيوتانترا (Neotantra)".

لا أوافقك الرأي بأن الجنس في الغرب في شكله الراهن هو تجربة إنسانية أو روحية لمجرد أن القائم بها هو الإنسان، فبهذه المقاربة يمكن أن يكون الجنس في المجتمعات الشرقية أيضا نشاطا إنسانيا وروحيا لأن الإنسان هو من يقوم به، وكذلك يمكن أن نعتبر أن الإدمان على الكحول وتعاطي المخدرات، وهما أمران ليسا بالنادرين قطعا في الغرب المعاصر أيضا نشاطين إنسانيين وروحيين لأن الإنسان يقوم بهما، ويكتشف أو يختبر نوعا معينا من المتعة.
في الغرب نفسه يتحدثون على نطاق غير ضيق عن الإدمان الجنسي، وهناك من يسعى لإيجاد البديل للشكل السائد كما سلف الذكر، وبدوري حملت يوما أفكارا رومانسية عن الحرية الجنسية، ولكنها خـُذلت على أرضية الواقع عندما كنت طالبا في الاتحاد السوفييتي السابق، ورأيت الكم الكثير من الابتذال في العلاقات الجنسية السائدة، ورغم أن الاتحاد السوفييتي لم يكن "رأسماليا"، إلا أنه في ثقافته حمل الكثير من ثقافة البرجوازية السابقة، كما أنه كان ثقافة مبنية على أساس مادي صارم.
عدا عن ذلك، فمن يتابع الأفلام الغربية، وبالأخص الأمريكية بنظرة نقدية، يمكنه أيضا أن يخلص إلى أن الوضع الجنسي في الغرب ليس قطعا "رومانسيا ولا روحيا"، وصحيح أنه قضى على مأزومية الجنس وعقده المرتبطة بظلامية القرون الوسطى، ولكنه صنع بعد ذلك أزمته الجديدة.

في المقال-يا صديقي- هناك محاولة نقدية لنقد النموذج الغربي للعلاقات الجنسية، وليس كل نقد للغرب هو إسقاطات ذات خلفية دينية شرقية، فإذا أسقطنا الجانب النقدي من علاقتنا بالحضارة الغربية، فسنكون عندها في موقع استلابي انبهاري تام بالغرب، وسنقع في مشكلة "تقديس الغرب"، ولن نختلف عمن يقوم في الطرف المعاكس بـ "شيطنة الغرب"، فكلا الموقفين مستلب وغير واقعي ويذهب إلى المطلق.
والمقال يحاول تقديم رؤية تعيد للإنسان "روحيته" و"مركزيته"، التي أفقدتهما إياهما الحضارة المادية الاستهلاكية المعاصرة، والجنس بما هو علاقة الإنسان بالإنسان له موقع جد جوهري في هذا، والكلام عن الروحية هنا ونقد المادية، لا يعني رفض المادية، وهو ليس قفزا نحو أحد الأقطاب المتطرفة، بل هو محاولة لتحقيق التوازن بين ما هو مادي وما هو روحي، والمطلوب ليس رفض المادية، وإنما منع تضخمها وطغيانها، والروحية التي تطرح هنا لا تتموضع في ثنائية تناقضية بين المادة والروح، ولكنها تقدمهما كوحدة، أو كمظهرين متكاملين لجوهر واحد، وهذا الآن موضوع آخر.

وختاما.. سرني الحوار معك، وأهلا بك دوما....



  رد مع اقتباس