عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-2020, 06:33 PM المسعودي غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
المسعودي
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية المسعودي
 

المسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really nice
افتراضي مطالبة الملحد بالدليل على عدم وجود الله مغالطة منطقية!


[سخافة صورة السماء في الدليل على وجود إله!]
1.
في رده على إحدى مداخلاتي طالبني أحد االمسلمين بأن اعطيه برهاناً على عدم وجود الله!
وهذا أمر في غاية الغرابة!
إنها نوع من المغالطات المنطقية أنْ يُطالب الشخص بدليل على مصداقية رفضه للأوهام!
ولهذا ومن أجل تدعيم قضيتنا الفكرية، كملحدين، وأن نصل إلى تحقيق الردود الصحيحة، أقول منذ البداية ما يلي:
إن "وجود الله أو عدم وجوده" هي قضية من "اختصاص" المؤمنين وإن مثل هذه البراهين تقع على عواتقهم. فلسنا نحن نؤمن بخرافة الله، بل أنتم.
إننا، كملحدين، فتَّحنا عيوننا ووعينا على غياب الدليل على وجود الله. ولا توجد قوة تجبرنا على التنصل من هذا الوعي أو أن تسد عيوننا.
إننا لا نطالب، لا نريد، لا نرغب، ولا نصرُّ، على رؤية الله! بل أن هذا الأمر لا يعنينا مطلقاً ــ نحن نطالب بدليل على "وجوده"!
فالدليل على من ادعى وليس على من أنكر.
2.
وبالإضافة إلى كل هذا، فأنت أيها المسلم:
أولاً، تؤمن فقط ولا شيء غير الإيمان، وأنت عاجز عن الإيتيان ببرهان على وجود "الله" فكيف تطلب مني برهاناً على عدم وجوده؟! بل وإلى اللحظة الراهنة لم يأت المؤمنون إلا بمغالطات منطقية أو التعكَّز على غياب الإجابات بصدد أمور لم ينقطع العلم في التفكير والبحث فيها. أنتم ملوك "الفراغات" في منظومات الإجابات العلمية!
أنتم لا تفكرون مطلقاً، بل وترفضون التفكير من حيث المبدأ (فالتفكير يسبب لكم حساسية جدلية) بأنه ثمة العديد من هذه "الفراغات" التي كانت موجودة مثلاً في القرن السابع عشر، تم الإجابة عليها من قبل العلم في القرن الثامن عشر. وهناك من "الفراغات" التي كانت موجودة في القرن التاسع عشر، تم الإجابة عليها في القرن العشرين. بل إن تطور العلم منذ بداية القرن العشرين كالنسبية الخاصة والعامة ونظرية الكم والعثور على الحفريات التاريخية التي جعلت براهين دارون أكثر صلابة ومنطقية وقبولاً وهكذا، هي مسيرة العلم الحثيثة على التوصل إلى إجابات مقنعة علمياً واختبارياً لأهم القضايا التي تهم البشر.
العلم عملية (process) دائمة ومستمرة لا تقف ولا تطلق الصيحات الأخيرة على الطريقة الإسلامية!
3.
أنتم لم تأتوا بأي دليل!
وما زلتم تغنون (رغم أنكم ترفضون الغناء) بصورة جماعية غناء كورالي متعدد الأصوات من غير مرافقة للأدوات الموسيقة السورة التالية:
"لكلَّ علةٍ معلولٌ ولكلِّ مخلوقٍ خالقٍ "!
صدق الله العظيم!
آميــــــــــــــــــــــن!
ورغم هذا "النشيد" المزعج فأنتم تتوقفون في منتصف الطريق: لكل مخلوق خالق وهو هو البرهان!
فطالما لكل مخلوق خالق فمن هو خالق هذا "الخالق" الذي لابد أن يكون هو بدوره مخلوقاً!
4.
ثانياً، أنا لم أتهرب من مناقشة فكرة "إيمانية الإلحاد" على حد قولك. لأن تهرب "الملحد" من الإجابات الصريحة يعني بأنه ليس ملحداً، بل هو "مؤمناً"!
نحن نقول ما نعرف، ونعترف بأدلة التجربة والتفكير العلمي. وعندما لا نعرف، نقول لا نعرف. وعندما ليس لدينا برهان نقول ليس عندنا برهان وننسحب من النقاش معترفين بعجزنا الحالي "الآن وهنا" مواصلين البحث والتفكير.
ولهذا يبدو أنك لا تعرف معنى الإلحاد، أو لا ترى غير وجه واحد: هو رفض الدين ورفض فكر وجود الإله. إن الإلحاد ليس إلحاداً (أو سيتحول إلى قضية إيمانية لا غير كما قُلتَ) إذ اقتصر على "فكرة اللادين" أو إذا تحول إلى دوغما والإصرار على الخطأ. وذلك للأسباب التالية:
أولاً. إنَّ مصدر وأساس الإلحاد ليس رفض الدين، بل الاستناد إلى المنطق والتفكير العلميين.
ثانياً. والاستناد إلى التفكير العقلي ـــ العلمي هو الذي يقود إلى الإلحاد.
ثالثاً. والتفكير العلمي يعني رفض الدوغما (من أي نوع كان) رفضاً قاطعاً وما هو "صحيح" لا يعني إلا "الآن" وعلى أساس الاختبارات العقلية والمختبرية. فأكثر الحقائق العلمية صحة عن عالمنا الراهن تبقى مفتوحة على اكتشافات ومعارف المستقبل: إما أن يتم تأكيدها من جديد أو يتم رفضها.
رابعاً. وهذا هو النقيض الذي لا يقبل النقاش للتفكير الديني و"الإيمانية".
الملحد لا "يؤمن" بالحقائق، بل يقبلها "الآن" وبعد البرهنة عليها علمياً. وبدون البرهنة تبقى مجرد "فرضيات".
5.
ومع ذلك، هناك العديد من الطرق والوسائل العقلية والتجريبية التي تثبت أن لا قوة غيبية من نوع الإله الإبراهيمي، أو أيِّ إلهٍ آخر، يسيِّر العالم أو لا وجود لنا إلا بوجوده.
وسوف أعطيك بعض الأمثلة البسيطة:
أولاً. أنتم تقولون بأن "الله في كل مكان". وهذا برهان على وجود "الله" كما ترونه وكما تعتقدون.
- ولكن وجوده في كل مكان يعني أنه في "مكان" ما، وهذا يعني أنه جزء من "المكان" و"الزمان". وهذا يعني بدوره أنَّ له بداية وله نهاية!
- ومع ذلك فإن وجود "الشيء" في "كل مكان" أمر يخالف أبسط قواعد المنطق العقلاني ويتعارض مع قانون "عدم التناقض": فإن "الشيء" إما أن يكون هنا وإما أن يكون هناك، ولا يمكن أن يكون هنا وهناك في ذات الوقت!
- إذا كان الله في كل مكان، فهل يعني هذا إنه داخل جهاز الكمبيوتر الذي أمامك، وفي كأس الشاي الذي تشربه، وفي قدر البطاطا وفي.. وفي.. الخ (موفراً على المؤمن وجود الله في أماكن لا أعتقد بأنها ستعجبه)؟!
- إذا كان الجواب بـ "نعم"، فأي إله هذا الذي "يقحم" نفسه و"يزج" أنفه في كل شيء؟
أليس من المنطقي أن يقوم هذا الإله الكليِّ القدرة والجبروت والمعرفة والذي يسير الكواكب والنجوم (كما تقولون) على التأثير على الأشياء عن بعد بدلاً من أن يقحم أنفه في كل مكان؟
- وإذا كان الجواب بــ"لا"، فألا يتناقض هذا الواقع مع فكرة أن الله في كل مكان؟
ثانياً. لقد ظهرت الأديان الإبراهيمية خلال الفترة الأخيرة من تاريخ ظهور الإنسان (في إطار الثلاثة آلاف الأخيرة من تاريخ الإنسان).
- وهذا يعني أن "الله" وعلى امتداد تاريخ وجود الإنسان، ولنقل وجود جنسنا الحالي، Homo sapiens والذي استغرق حسب أشهر التقديرات حوالي 200000 ألف سنة، كان "يجلس على عرشه" رافضاً الاتصال بالبشر على امتداد أكثر من 99% من تاريخيه، وفجأة وعلى غفلة من الزمن قرر مخاطبة "شعبه" المختار مكلماً موسى "على جبل في سيناء"!
- رغم كل هذا التاريخ المديد من حياة البشر التي عرفت مئات الآلاف من الكوارث الطبيعية والمجاعات والحروب والأمراض كان "الله" يتفرج ببرودة أعصاب متجاهلاً البشر ورافضاً أن يمنحهم "الرحمة" و"العطف" و"الأمل"!
هذا أمر مضحك غير جدير حتى بمخ قِطَّة!
رغم كل هذا التاريخ الطويل لم يفصح لعباده الصالحين عن حقيقة وجوده وعن حقيقة "جناته التي تجري من تحتها الأنهار"، خالدين فيها، ولم يحدثهم عن نفسه، ولا عن أساطير الأولين وتجارب السابقين!
ثالثاً. إذا وجد على أرضنا الصغيرة التي نعيش عليها من هو عاجز عن تحديد ماهية "الله" فهو أنتم ولا أحد غيركم، أعني: المؤمنين بالإله الإبراهيمي ـــ يهوداً ومسيحيين ومسلمين!
فأيّة عملية جرد في العهد القديم على ماهية الله (أو يهوه أو ألوهيم) فإن المرء سيصاب بالصداع على التقافز والتنافر والاختلاف والتطور في صورة الإله، داخل حتى النص الواحد، حتى انتهى الأمر إلى "يهوه" إله الحرب والجنود.
وهذا الغياب "لصورة الله" لازالت المسيحية تعاني منها. فالتناقض شديد ما بين الكاثوليك والأرثودوكس من جهة، وما بين الكاثوليك والبروتستانت من جهة أخرى، وتناقضهم جميعاً مع طوائف مسيحية أخرى (سواء تم سحقها بقوة الإمبراطوريات المسيحية أو ماتزال). ومنهم شهود يهوه الذين يرفضون فكرة الثالوث (كون الله ثلاثة في واحد!) والصليب. والكل يعرف أن فكرة الثالوث كانت "قراراً" إدارياً من مجمع نيقيا عام 325. ففيه رفض أريوس الثالوث المقدس (الأب والابن والروح القدس) ورفض أن يكون لله ابن ولا وجود إلا لله الواحد؛ وما يسوع إلا إنسان فاني ــ مخلوق من مخلوقات الله (وكلنا نعرف ماذا حدث له ولأنصاره)؛ وإن جوهر الخلاف هذا لا يزال قائماً في الكثير من الطوائف المسيحية، بغض النظر عن صغرها ومحدودية تأثيرها.
أما المسلمون، وما أدراك ما المسلمون، فإن الخلاف على ماهية الله أكثر جذرية وأكثر عمقاً، وهو في الكثير من الحالات أكثر كوميدية من منطق المسيحية!
فقضية "صفات الله" المادية التي رفضها المعتزلة، كما رفضوا فكرة التجسيد، ودافع عنها "السلفيون السلف" ويدافع عنها حتى هذه اللحظة "السلفيون الخلف" هي من القضايا التي تشكل طعناً حقيقياً بوجود الله. وقد أدى هذا الصراع بالسلفيين جميعهم، وبشكل خاص الوهابيين، إلى التطرف بالدفاع عن صفات الله حتى تحول إلى كاريكاتور مهلهل! فجعلوه يَنْظُر ويُنْظَر، ومنحوه يداً وقدماً ومؤخرة (أليس يجلس على العرش؟!). وهكذا. ولهذا أقترح على أنصار الصفات فيدو " هل هذا هو الله؟" ففيه الكثير من العِبر!
6.
ألا ترى بأنني لا أتهرب، بل نحن، الملحدين، لا نتهرب، بل نفكر ونبحث ونتأمل ونخطأ فنصحح أخطاءنا، ونعشق النساء ونسمع الموسيقى ونتنزه في الجبال ونعمل ونجد ونساعد الآخرين ونحب الأطفال ونعطف على الضعفاء ونتجنب فعل الشر والكراهية ونعتبر حياة الإنسان مقدسة (ولهذا نرفض عقوبة الإعدام) ونرفض التفرقة العنصرية، ونرفض حتى التفرقة الدينية، وندعو إلى السلام ونناضل ضد الحروب والقمع السياسي وندافع عن حقوق المرأة.
نحن لسنا مجرد "كافرين" بربكم، وبجميع الأرباب!
ملاحظة عابرة: أنتم أيضاً كافرين، لأنكم ترفضون أرباب الآخرين!
7.
لنواصل التفكير والعمل والبحث ــ فهذه سمة الإنسان!
أما رفض التفكير النقدي والإيمان التسليمي فلا يقودا إلا إلى الهاوية!



التعديل الأخير تم بواسطة المسعودي ; 09-26-2021 الساعة 06:45 PM. سبب آخر: اختفاء الصورة
  رد مع اقتباس