عضو ذهبي
|
كَرَمْ الفئرانْ
ربما الكثيرين منّا يتذكرون قصة السامريّ الصالح , الموجودة بإنجيل لوقا { يوجد قصص شبيهة باديان اخرى سيما بالاسلام .. فينيق }. حيث أراد المسيح تنويرنا حول اعمال الرحمة والكرم وضرورة تعميمها مع الجميع وليس فقط مع اهلنا أو أصدقائنا. ولأجل تثقيفنا بهذا الأمر, يقصّ المسيح علينا حكاية رجل تمّ الهجوم عليه والقيام بضربه وسرقته بالطريق وتركه لمصيره, وحين مرور كاهن وواحد من اللاويين في ذات الطريق: فلم يقدما أيّ عون لذاك الشخص, بينما حين مرّ رجل سامريّ صالح قد أخذه إلى نزل وطلب الاهتمام به حتى يشفى وأنه يتكفّل بكل النفقات.
" أحبّ قريبك كمحبتك لنفسك " { وستنال الحياة الابدية }: هذا أقصى ما رغب المسيح بتعليمنا إياه, وهو تعليم يتوخى القضاء على كثير من المشاكل التي تواجه البشرية, لكن مما نجهله: هو إمكانية البشر لتحقيق هذا الأمر أو عدم تحقيقه.
يتوجب عليّ الايضاح أنني لا اتكلّم دينياً, أو أخلاقياً, بل بيولوجياً. سأشرح الأمر, فيما لو أن المسيح أو أيّ قائد اجتماعي آخر قد قال لنا " تعلموا الطيران كالنسور " { وستنالون الحياة الأبدية }, فقط بعض المجانين سيعتقدون بإمكان تحقيق هذا الأمر. أما الاغلبية فستقول: لو أراد الله من الانسان أن يطير, لكان قد خلق له اجنحة. ما يعني, لا يوجد في بيولوجيتنا وطبيعتنا طيران كالنسور. فمن المستحيل القدرة على تحقيق هذا الأمر.
ما يكون بديهيا بناء على قدراتنا الجسدية, ولا يكونه بناء على قدراتنا الفكرية, العاطفية أو الاخلاقية التي نمتلكها. ما يعني أننا نعرف حدودنا الجسدية أكثر من حدودنا الفكرية. قليلين من يعتبرون انفسهم كلاعبي قوى كبار, لكن الكثيرين يعتبرون انفسهم اذكياء جداً. وايضاً يمكننا التفكير باستطاعتنا لنكون كرماء وصالحين مع القريب أكثر مما نستطيعه بالواقع. هنا يحضر السؤال: هل القدرة على محبة القريب كمحبتنا لذاتنا: جزء من طبيعتنا, جزء من بيولوجيتنا؟
من المؤكد بأن كل شخص سيمتلك فكرته الخاصة كجواب على هذا السؤال. مع هذا, ليس سيئاً تحقيق بعض الدراسات لاجل اختبار ما يمكن للعلم قوله بهذا الإطار. هل يمكن للكائن البشري أن يكون كريماً مع أيّ كان حتى لو لا يعرفه؟ مع اعدائه؟ إلى أيّ مدى تنطوي الطبيعة البشرية على هذا الشأن؟
لقد تمّ تنفيذ دراسات لاجل الاجابة على هذه الاستفهامات. تكون النتائج ايجابية, ولو انها لم تقم باثبات امكانية ان نحب الآخرين كمحبتنا لذاتنا. في الواقع, كان يُعتقد حتى وقت قريب, بأنّ الكان البشري قد كان الوحيد القادر على ممارسة مبدأ المعاملة بالمثل. إنها صفة نوعيّة تسمح بمساعدة الآخرين, دونما تمييز, وذلك وفق البيئة والوسط المحيط والتي تساعدنا بالعموم على تحقيق ذلك. كمثال, فيما لو نعثر بالصدفة على ورقة 50 يورو في الشارع, يجب ان نشعر بكرم زائد بذاك اليوم بالذات مع الآخرين, أو على الأقلّ باللحظات التالية لوقت العثور الصدفوي ذاك.
اضافة لهذا النوع من التبادل, يكون الكائن البشري ايضاً قادراً على التعامل بالمثل { أن تساعد من يساعدك } والتعامل غير المباشر { مساعدة من يساعد الآخرين }. ما يعني, نحن قادرين على تقييم كرم الآخرين وتعزيز كرمنا أو لا وفق نتيجة التقييم. لكن سيكون من الصعب ان نكون كرماء مع الآخرين, فيما لو لا تشجّع البيئة على هذا, وأنّ الاكثر قرباً لنا لا يساعدوننا.
بصيغة تأكيد أخرى جيدة حول أنّ بيولوجيتنا تدفعنا لنكون كرماء وأن نساعد الآخرين: تتم عبر التحقّق فيما لو أنّ حيوانات أكثر بدائيّة منّا, تكون ايضاً قادرة على ممارسة الكرم مع الآخرين من نوعها الحيّ ذاته. ففيما لو تمتلك تلك الحيوانات بطبيعتها تلك القدرة: سيكون الأكثر ترجيحاً بأنّ حيوانات أكثر تطوراً { من بينها نحن البشر } تمتلكها كذلك.
لهذا السبب بالذات, باحثان من جامعة برن السويسرية, قرّرا دراسة الكرم عند الفئران في المُختبر. فبكل تأكيد اذا كان حيوان وضيع كالفأر كريماً, فإنّ حيواناً كالكائن البشريّ سيتوجّب كونه كذلك بنسبة كبيرة.
لاجل تقييم الكرم عند الفئران, قام الباحثان بتدريب مجموعة من تلك الحيوانات لاجل الضغط على ذراع لترك الغذاء لنظرائهم بالنوع وليس لاجلهم ذاتهم. وجدا الباحثان بأنّ الفئران التي استقبلت الاغذية الخيرية تلك نسبتها 20% نتيجة المساعدة من فئران مجهولة. وهذا ما يمكننا تسميته التعامل بالمثل والذي أشرنا له اعلاه, أمام هذه المفاجأة العامة, يمكن لتلك القوارض أن تقوي اتجاه الكرم هذا. من جديد نرى أن الانسان لم يعد الكائن الخصوصيّ والوحيد بكرمه ايضاً, ويتقاسم هذه الميزة مع حيوانات مهضومة كالفئران!
لكن لا ينتهي كرم الفئران عند هذا الحدّ. فقد تمّ التحقّق كذلك من أنّ الفئران التي تمت مساعدتها من نظرائها المعروفين بلغت 50% والتي كانت أكثر ميلاً لتقديم العون حتى لو لم يتم تقديم العون لها بالمقام الاول. هذا مثال على التعامل المباشر وبهذا يظهر ان الفئران قادرة مثلنا على تنفيذه. تمّ نشر هذه النتائج في مجلة Plos Biology. { هذا المقال منشور في العام 2007 .. فينيق }
تقترح هذه الدراسات بأنّ مساعدة الاشباه ربما كانت ميزة مُنتقاة بطول تاريخ تطور الأنواع الحيّة, لقدرتها على الإسهام بالبقاء على قيد الحياة لهذه الانواع الحيّة { هنا تحضر مسألة الأخلاق والقيم بالطبع .. فينيق }. ما يعني, تلك الانواع الحية, على الاقل الثدييات العليا, والتي تنطوي على اعضاء تتعاون ولا تتنافس فقط فيما بينها, هي التي بقيت على قيد الحياة حتى يومنا هذا. بديهياً, القدرة على ان تكون كريماً مع الجميع, أو فقط مع البعض, يتوقف على القدرات الثقافية أو المعرفية بما يخصّ التمييز متى يتوجب علينا ان نكون كرماء ومع مَنْ, وهي قدرات ايضاً قد توجّب أن تخضع للنمو بطول تاريخ التطور.
حسناً, بالتالي " محبة القريب كمحبة نفسك " هي موجودة بجيناتنا بصيغة ما, موجودة بطبيعتنا. تشير تلك الدراسات على الفئران ودراسات أخرى على البشر: على أنّه فيما لو نضع الكرم موضع التطبيق والتنفيذ, فهذا سيشجّع الآخرين على القيام به وتنفيذه. فالامر لا يقتصر على إطناب بالكلام. يوجد قاعدة علميّة, بيولوجيّة ومنطقيّة لأجل هذا الامر: يمكنها أن تعمل اذاً. بالنتيجة ممارسة الكرم من قبل الكائن الحيّ وتقديم العون للآخرين المحيطين به, كائناً من كانوا, سيجعلنا نعيش كلنا بعالم أفضل.
|