شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 07-11-2020, 08:36 AM سامي عوض الذيب غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
سامي عوض الذيب
الأنْبياءّ
الصورة الرمزية سامي عوض الذيب
 

سامي عوض الذيب will become famous soon enough
افتراضي أخطاء القرآن اللغوية: 9) نواقص القرآن ونظرية الحذف والتقدير

ذكرنا في مقال سابق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=676207
بأن الأخطاء اللغوية في القرآن تنقسم إلى 11 نوع
وسنعرض هنا النوع الثامن منها: التكرار والتشتت والحشو أو اللغو

---------------
لن ندخل هنا في موضوع ما حذف من القرآن وما أضيف اليه. فقد كرسنا مقال له تحت عنوان "تحريف القرآن" معتمدين على ما جاء عند أهل السنة والشيعة. انظر هذا المقال
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=675954

ما يهمنا هنا هو ما حذف من القرآن ضمن الآية الواحدة. وهذا الحذف قد يكون بسبب تجميع معيب للنص القرآن، أو أن الرطوبة والدود أكلا مخطوطات القرآن، أو أن عنزة عائشة اكلته من تحت سريها، أو تخبط مؤلف القرآن وإصابته بمرض يسمى إضطراب اللغة. وقد اصطدم المفسرون بهذه الظاهرة وكرسوا له بابًا اسموه الحذف والتقدير، دون ان يعتبروه خطأ، بل إعجازًا، خوفا على أن يتم حذف رؤوسهم لو انهم تجرؤوا على تشخيص هذا الأمر بدقة وأمانة. وكان أجدر بهم ان يسموه تعجيزًا. وعملنا هو ليس اختراع شيء جديد، بل تسمية الأمور بسمياتها اعتمادا على المصادر الإسلامية المعتبرة سوف نذكرها في هذا المقال.

الأصل في الكلام ذكر ما يدُلُّ على العنصر المراد بيانُه من عناصر الجملة. إلاَّ أنّ أهل اللّسان اعتادوا أن يحذفوا من الجملة عناصر يفهمون معانِيَها دون ذكر ألفاظها، لكثرة الاستعمال، أو لورود الجملة على طريقة الأمثال، أو لوجود قرينة تدُلُّ عليها من قرائن الحال أو قرائن المقال. فما اعتاد أهل اللّسان أو اعتاد البلغاء منهم على حذفه، أو هو ممّا يمكن إدراكُه بسهولة إذا حُذِف، فإنّ ذكره يُعْتَبر إسرافًا في التعبير يتحاشاه البلغاء. ويرى علماء البلاغة العرب أن الحذف خمسة أنواع: الاقتطاع والاكتفاء والتضمين والاحتباك والاختزال. ولن ندخل هنا في التفاصيل.

ولا شك في أن الإيجاز قد يخفي في بعض الأحيان بلاغة في التعبير، بخلاف الإطناب والتكرار الممل، ولِذا يقال: «خير الكلام ما قل ودل». ونذكر هنا مثالًا ما جاء في الآية 39-7: 160: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا». والجملة كاملة هي: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ [فَضَرَب مُوسَى بِعَصَاه الْحَجَر] فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا». وعامة ينظر المؤلفون العرب للمحذوفات في القرآن من منظور إعجازي، دون أي نقد، وإلا عرضوا أنفسهم للقتل أو الإقصاء. ولكن لا شك في أن الإيجاز قد يقود إلى إخلال في الفهم، فيصبح تعجيزًا.

وقد ظهر لنا من خلال ترجمتنا للقرآن، كما ظهر لعدد من المترجمين الآخرين، حتى المسلمين منهم، أن بعض الآيات مقتضبة أو ناقصة، مما يجعل فهمها صعبًا دون إضافة كلمات للنص وفقًا لتقدير المفسرين، اعتمادًا على قرائن، مع احتمال الخطأ والصواب. ولذلك يتم في الترجمات إضافة كلمات بين قوسين بهذا الشكل [ ] لتوضيح معنى الآية أو يتم الإشارة إلى ذلك بقوسين مع ثلاث نقاط بهذا الشكل [...] دون أي إضافة. وهذا يبين المشاكل التي تعترض مترجمي النص القرآني. فالقارئ المسلم الذي يقرأ القرآن بالعربية يمر على الآيات مرور الكرام دون مناقشة أو حتى دون شعور بنقص، فهو إن لم يفهم آية يعتبر ذلك عيبًا في مقدرته العقلية وليس في نص القرآن. أما المترجم فإنه في حاجة لفهم النص القرآني حتى يقدم للقارئ الذي لا يفهم العربية نصًا مفهومًا في لغته، وإن وجد اقتضابًا أو نقصًا في النص أشار إليه من خلال استعمال القوسين كما ذكرنا. وبما أن القرآن ذاته يطالب بإعمال العقل والتدبر في معانيه: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ» (92-4: 82)، رأينا للأمانة العلمية أن نضع مثل تلك الأقواس في نص القرآن حيث نظنها ضرورية وفقًا لفهمنا أو لفهم مترجمين آخرين، ولكن دون أية إضافة حتى لا نقحم على النص القرآني كلامًا ليس فيه. وقد كملنا النص في الهوامش اعتمادًا على التفاسير المختلفة.
وبطبيعة الحال تكملة الآيات الناقصة تختلف عند أهل السنة عن تكملتها عند الشيعة. فعلى سبيل المثال: تقول الآية المبهمة 12-94: 7: «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ». واعتبرها الجلالين ناقصة وكملها كما يلي: فَإِذَا فَرَغْتَ [من الصلاة] فَانْصَبْ [في الدعاء]. وقد فسرها المنتخب كما يلي: فإذا فرغت من أمر الدعوة ومقتضيات الجهاد، فاجتهد في العبادة وأتعب نفسك فيها. أمّا الشيعة فقد كملوها اعتمادًا على قراءة مختلفة كما يلي: فَإِذَا فَرَغْتَ [من نبوتك] فَانْصَبْ [خليفتك] (انظر هامش هذه الآية).

وهناك ظاهرة غريبة في القرآن. فكثير من آياته تبدأ بكلمة «إذ» أو «وإذ»، على سبيل المثال:
- إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (38-38: 71)
- وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (39-7: 141)
- وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (39-7: 161)
- وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (39-7: 164)
- إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (41-36: 14)
- إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (48-27: 7)

وهناك آيات سبق كلمة «إذ» فعل أذكر ومشتقاته أو غيره من الأفعال، على سبيل المثال:
- وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِين (39-7: 74)
- وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (44-19: 16)
- وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا - إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (44-19: 41-42)
- وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى - إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (45-20: 9-10)
- وَاضْرِبْ لَهُمْ مثلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ - إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (41-36: 13-14)

وظاهرة أخرى هو فقدان جواب الشرط في كثير من الآيات، على سبيل المثال:
- أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [...] وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (59-39: 24). نص ناقص وتكميله: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [كمن أمن منه بدخول الجنة]
- أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [...] قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (59-39: 9). نص ناقص وتكميله: أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [أفضل أم من هو كافر]
- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [...] وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (103-22: 25). نص ناقص وتكميله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [نذقهم من عذاب أليم]، إلا إذا اعتبرت الواو في كلمة ويصدون زائدة، فتكون الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَصُدُّونَ.
- أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (96-13: 33). نص ناقص وتكميله: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [كمن ليس كذلك] أو: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [ومن] جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ [سواء في استحقاق العبادة].

ونشير هنا إلى أننا لم نأخذ بكل الإضافات التي تتضمنها الترجمات عامةً بهدف التوضيح. فعلى سبيل المثال تضيف تلك الترجمات القائل (إبراهيم) في الآية «قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا» (44-19: 47) وفي آيات مماثلة كثيرة. ولكننا رأينا عدم فعل ذلك حتى لا نثقل على القارئ الذي يفهم من هو القائل بعد التمعن في مضمون الآيات السابقة لها. ونشير هنا إلى ان فهم عدد من الآيات الناقصة مستحيل دون اللجوء إلى كتب التفسير التي هي ذاتها متضاربة ومختلفة لم تُجمع على راي واحد، أو إلى الأساطير اليهودية التي تعج بها تلك الكتب (أنظر مثلًا الآيات 38-38: 34 و38-38: 44 و87-2: 124). وهنا تأتي أهمية معرفة مصادر القرآن.

وننقل هنا ما يقوله معروف الرصافي في هذا الخصوص:
مما يختص به القرآن في تراكيبه ومبانيه دون غيره من الكتب المنزلة وغير المنزلة كثرة الحذوف والمقدرات في التراكيب. اقرأ كتب التفسير المطولة لا سيما التي عني مؤلفوها ببلاغة القرآن وفصاحته كالكشاف للزمخشري مثلًا، فإنك لا تكاد تجد آية خالية من حذف وتقدير. وإنما يقدر المفسرون هذه المحاذيف لتوجيه الكلام وتخريجه على وجه يكون به معقولًا ومفهومًا أكثر ... فبالنظر إلى هذا يجوز أن نسمي القرآن «كتاب المحاذيف والمقدرات». ونحن نعلم أن الحذف جائز في الكلام، بل قد يكون واجبًا مما تقتضيه البلاغة وتستلزمه الفصاحة، ولكن الأصل في الكلام هو عدم الحذف. فإذا كان في الكلام حذف فلا بد من أمرين أحدهما المجوز أو المرجح للحذف، والآخر وجود قرينة في الكلام تدل على المحذوف، وإلا كان الكلام من المعميات والأحاجي، وكان المتكلم به كمن يقول: أيها الناس افهموا ما في ضميري. نحن لا نقول إن محاذيف القرآن كلها من قبيل المعميات، بل فيه من المحذوف ما تقتضيه البلاغة وتدل عليه القرائن، وفيه ما ليس كذلك.

وقد اعتمدنا في كتابنا هذا على مصادر مختلفة لتحديد المحاذيف والمقدرات في القرآن، أهمها كتاب السيوطي: «الإتقان في علوم القرآن» وتفسير ابن عاشور: «التحرير والتنوير» ومقال محمد لعجال: «ظاهرة الحذف البلاغي في القرآن الكريم» وكتاب علي عبد الفتاح محيي الشمري: «دلالة الاكتفاء في الجملة القرآنية». وهذا المصدر الأخير يرفض استعمال مصطلح «حذف» الذي لا يليق بالقرآن، ويفضل عليه مصطلح «اكتفاء»، وهو في الواقع استبدال كلمة سلبية بكلمة إيجابية توصل إلى نفس النتيجة، إلا أن هذا المؤلف يشكك في كل ما اعتبر محذوفًا في القرآن ويبرره. فهو يقول:
أنَّ مصطلحَ الحذفِ كما عُرِف عند النحويين، لا يتناسبُ مطلقًا مع القرآنِ الكريم، فالقرآنُ كلامُ الله تعالى الذي «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (61-41: 42)، وسيغيرُ «أحسن الحديث» (59-39: 23)، فهذا المصطلحُ يُشعِرُ بالطَّرْح . لا يُمكن – تحت أيِّ عنوان كان – أنْ يكونَ لنا شأنٌ – ونحن مخلوقون – أو تدخلٌ في الحكم على كلامه تعالى من جهةِ القولِ بحذفِ شيءٍ منه، أو أنَّ فيه زيادةً يمكن طرحُها مع بقاءِ المعنى سليمًا . إنَّ المعاني القرآنيةَ ساميةٌ متكاملةٌ لأنها «مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ» (48-27: 6) لا يعتَوِرُها نقصٌ. فالنصُّ القرآنيُّ بألفاظِه المذكورةِ دالٌّ على المُرادِ بِما يُغني عن تقديرِ مَحذوفٍ مزعومٍ.

وتجدر الإشارة هنا إلى ان تحديد ما هو محذوف يتطلب تبحرًا في مضمون النص القرآني ومقارنة الآيات بعضها ببعض. ونفس الأمر فيما يخص التقدير، أي تحديد العنصر الناقص في النص، وهو أمر ظني في أكثر الأحيان قد لا يتفق عليه اثنان. ويطرح هذا الأمر مشكلة الحكم على النص «الإلهي» وإدخال تحسين عليه، مما يعتبر نسفًا لقدسية القرآن وتجنيًا عليه. ونجد بعض الباحثين المسلمين في هذا المجال يضيفون عبارة «والله أعلم» عند اقتراحهم تقديرًا لمحذوف.

ولنأخذ مثال من مقال سابق فيما يخص محرمات الطعام:
ولنأخذ موضوع اكل الميتة في أربع آيات متفرقة:
55-6: 145: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ [...] فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
70-16: 115: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ [...] فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
112-5: 3: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [...] فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
87-2: 173: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
فواضح من الآية الرابعة أن عبارة "فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ" قد سقطت من الآيات الثلاث الأخرى.

وهناك آيات سقطت بعض عناصرها مما ادى إلى ابهام حير المفسرين. وقد كرسنا مقالا لهذا الموضوع عنونته: الإبهام، أو عندما يتكلم الله صيني، وهو الخطأ الأول والأهم في القرآن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=677957
وننقل منه ما جاء في الدر المصون للحلبي من اقوال فيما يخص الآية 32: 23:
23- وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ
إلى ماذا تشير الهاء في (لقائه)؟ ننقل ما جاء في الدر المصون للحلبي من اقوال:
1) أنها عائدةٌ على موسى. فيكون المعنى: مِنْ لقائِك موسى ليلةَ الإِسراء.
2) أنها عائدةٌ على الكتاب. فيكون المعنى: من لقاءِ الكتاب لموسى، أو : مِنْ لقاءِ موسى الكتاب.
3) أنها عائدةٌ على الكتاب، على حَذْفِ مضاف أي: من لقاءِ مثل كتابِ موسى.
4) أنها عائدةٌ على مَلَكَ الموتِ لتقدُّم ذِكْره.
5) أنها عائدةٌ على الرجوعِ المفهومِ مِن الرجوع في قوله: {إِلَىٰ-;- رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: لا تَكُ في مِرْيةٍ مِنْ لقاء الرجوع.
6) أنها عائدةٌ على ما يُفهَمُ مِنْ سياقِ الكلام ممَّا ابْتُلِي به موسى مِن البلاء والامتحان. قاله الحسن أي: لا بُدَّ أنَ تَلْقَى ما لَقِيَ موسى من قومه

ونشير هنا إلى أن عبارة "وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى" في عشر آيات

--------
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: hhttps://www.sami-aldeeb.com/livres-books/



  رد مع اقتباس
قديم 07-11-2020, 08:31 PM سامي عوض الذيب غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
سامي عوض الذيب
الأنْبياءّ
الصورة الرمزية سامي عوض الذيب
 

سامي عوض الذيب will become famous soon enough
افتراضي شريط المقال https://youtu.be/58NOkRB5PQA

شريط المقال https://youtu.be/58NOkRB5PQA



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
أخطاء, لواقٍ, اللغوية, الحذف, القرآن, ونظرية, والتقدير


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع