شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > ساحة النقد الساخر ☺

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 02-11-2020, 06:51 PM المسعودي غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
المسعودي
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية المسعودي
 

المسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really nice
افتراضي حكاية الحمار الذي تجرأ على الذات الإلهية [الحلقة الثانية]


أحدثت قصة الحمار ضجة كبرى ما بعدها ضجة وفرقت الصفوف وكادت تقطع الحبل الذي كانت الأمة تعتصم به!
فقد دبَّت الخلافات الفقهية (واختلاف الأمة رحمة) ما بين المبشرين بالجنة على اليوتيوب حتى وصلت، كالعادة، إلى حد تكفير بعضهم البعض الآخر وكل طرف كان يعتبر الآخر مارقاً لا دين له. فمنهم من كان يرى أن هذا الأمر من "أشراط الساعة" وأن اليوم لقريب! ومع اتفاقهم على الأصول افترقوا على الفروع: تفسير قضية "ظهور الدابة التي تكلم الناس"، أهي الحمار الذي صار مؤذناً أم دابة أخرى؟!
ومنهم من لم ير في الأمر إلا انتصاراً للإسلام على الملحدين (ما فهم أحد من متابعي اليوتيوب ما علاقة الملحدين بهذا الأمر!). فهي معجزة كانوا ينتظروها بفارغ الصبر. فهم متدينون واقعيون: فهذه هي المعجزة الوحيدة في التاريخ المكتوب التي شهدها الناس بعيونهم وسمعوها بآذانهم.
أما البعض الثالث فقد كانوا حائرين في أمرهم أكبر حيرة. إذ كانوا يتساءلون فيما إذا ما قام به الحمار يخالف أحكام الدين أم لا؛ وإذا ما كان يخالف أحكام الدين فما هي عقوبته؛ وهل تنطبق "الحدود" على الحمير؟؛ وإذا كانت تنطبق فما هو الحد الملائم: الرجم أم الجلد؟ وغيرها من الأسئلة ذات الطابع الفقهي "الدقيق" التي تنتظر التوضيح والتشريح حتى يتم درء البلية وكل ما هو قبيح!
وفي إحدى الليالي ظهر كبير المبشرين على اليوتيوب بالجنة الشيخ هلال الشمسي غاضباً مزبداً لاعناً الروس واليابانيين وأمريكا وإسرائيل والإمبريالية وإسرائيل والإتحاد السوفياتي وجميع الملحدين على ما يقومون به من محاولات شق الصفوف وتلطيخ الكفوف (الكلمة الأخيرة لأغراض السجع!) ولم ينس أن يعرج في طريق الشتائم والسباب على محطة CNN وإذاعة صوت أوربا الحرة! وعندما علق أحد المتابعين بأن الاتحاد السوفياتي قد انحل منذ سنوات طويلة جداً، واصل الشيخ هلال قائلاً:
" ألا ترى، هذا هو جزاء الملحدين. فالله يمهل ولا يهمل، هذا ما حذرنا منه دائماً!". ثم واصل بثقة عالية:
"إيها الأخوة في هذا الظروف الحرجة التي تمر بها الأمة علينا أن نكون يداً واحدة وصوتاً واحداً، فقد قال العلي القدير في كتابه العزيز: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". إن ما يحدث لهو هجمة شرسة على الدين والعقيدة وينبغي أن نسد أبواب الفتنة بالصمت. الصمت، الصمت، عليكم بالصمت. فالصمت امتحان كامتحان الإيمان". (فيما بعد انتشرت عبارة "الصمت من الإيمان" في أنحاء شبكة الانترنت واليوتيوب وتحولت إلى معيار للولاء والتقوى للرب الذي لا رب غيره).
ثم عقب كبير المبشرين بالجنة على اليوتيوب على قضية "أشراط الساعة" محذراً مما سماه " اللعب بالكلمات واختلاق التفسيرات" وفصَّل في الموضوع تفصيلاً لا يليق إلا به ولا يتصف به غيره قائلاً:
"أشراط الساعة يا أخوة قضية علمية ويجب الانتباه لما نقول. إن النصارى واليهود يتربصون بنا ويبذلون كل غال ونفيس لتشويه رسالتنا السمحاء. أما أشراط الساعة فيهي من غير زيادة أو نقصان ومن الله الحكمة والغفران وكما هي في أمهات الكتب المعتبرة وأقوال الأئمة الخيرة: ظهور دابة تكلم الناس والدخان وظهور الدجال وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم وظهور يأجوج وخسف بالـ . . " وقبل أن يكمل الشيخ هلال كلامه انقطع الانترنت واختفى المبشر بالجنة على اليوتيوب فانتاب متابعيه الخوف والفزع من اقتراب الساعة وكادوا يودعون عوائلهم لولا انتباههم إلى أن المشكلة هي في انقطاع التيار الكهربائي، فاطمأنت قلوبهم وزاد إيمانهم بأن لهم رب يرعاهم ويحفظهم!
أما الملحدون (وما أدراك ما الملحدون) فقد كانوا يراقبون "المشهد" عن كثب وابتسامة "خبيثة" ترتسم على شفاههم وكأنهم كانوا يشاهدون مسرحية ساخرة! التعليق الوحيد كان من أحد الملحدين رداً على تساؤل أحد القراء المتدينين لشبكة الملحدين العرب والذي ذكَّره بأنه سبق وأن كتب عن انتحار يعفور حمار الرسول، فيما إذا كان صاحبنا الحمار سينتحر هو الآخر أم لا. فأجابه الملحد وكأنه يسير على خطى الشيخ هلال مستشهداً بأمهات الكتب مستعيراً الجمل الافتتاحية من كتاب ماركس "الثامن عشر من برومير" ما نصها:
" يقول هيغل في مكان ما أن جميع الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر، إذا جاز القول، مرتين. وقد نسى أن يضيف، المرة الأولى كمأساة والمرة الثانية كمسخرة."
لم يفهم قارئنا المؤمن أي شيء من هذا الكلام وقرر في نفسه أن هذا من كلام الملحدين المعادي للدين والأمة لا غير!
* * * * *
كما "تنبأت" زوجة صاحبنا، في فجر ذلك اليوم الذي زلزل الحمار بآذانه الأرض والسماء حتى سبب ارتطام المركبة الهندية تشاندريان-1 بسطح القمر، بأن لا خير ينتظرهم. فأي خير يمكن أن ينتظر حماراً قرر أن يصبح مؤذناً ضارباً بعرض الحائط وطوله كل المحظورات؟ هو "لم يفعل شيئاً غير أن أخرج الزنابير من أكوارها" كما تقول.
- "لقد خضَّ الكلبُ ابن الكلبِ (تقصد زوجها) الدنيا، فقامت ولم تقعد".
هكذا كانت تردد مع نفسها. كانت تتحدث مع نفسها حائرة بإعالة الصغار وحماية الكبار من أطفالها.
أما صاحبنا (الحمار) فقد اعتكف في معلفه لا يكلم أحداً ولا أحد يكلمه. وظل "معتصماً "بمعلفه البسيط المتواضع وهو يتأمل حزمة الضياء المتسلل من فتحة في سقف المعلف المتهاوي.
كان يبدو هادئاً وخاشعاً يردد عبارات ما بصوت غير مسموع وكأنُّه يجري حواراً صامتاً مع كائنات غير مرئية. وبين فترة وأخرى كان يهزُّ رأسه علامة الموافقة والرضى. يبدو غريباً بعض الشيء. إذا لم يكن معنياً بأية حال من الأحوال بالضجة التي أحدثها والتي لا تزال أصدائها تهز أركان الأمة!
هو خارج المكان والزمان يحلق في الأعالي تحمله أجنحة من غيوم السماء.
كان هو هو، لكنه وفي نفس الوقت كان كائناً آخر تماماً. لم يكن قد ذاق طعم المشاعر التي يمر بها الآن من قبل.
قبل أن يغمر الإيمان قلبه وينتشله من "قانون الحمرنة" كان يبدو وكأن التيار يحمله. أما الآن فهو يحمل التيار على ظهره ويعكر مياه الجميع من غير أن ترمش له عين! فــ" قانون الحمرنة" ينص على أن "يمشي الحيط الحيط ويقول يا ربي الستر". أما الآن فهو يقض مضاجع الشياطين وأساطين اليوتيوب على حد سواء ويوقظها من نومها!
حَرَّضَ الجميع ضده: الدولة والشيوخ واليوتيوب وزوجته وكلاب الشوارع وقطط الجيران وبائع اللبن وحارس البستان ورئيس الجمهورية وكاتب العرائض و"صحيح البخاري" والذُبَّان. حرض الجميع تماماً ولم يقف في صفه إلا هذا وذاك من المدافعين عن حقوق الحيوان! إلا أن هذا لم يحزنه. فهو يعرف جيداً قانون نيوتن "لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه". فهو والحق حمار، وإذا تجاهل هذه الحقيقة فهو حمار ابن حمار!
ولكن أكثر ما كان يحزنه، إذا صح التعبير بأنه حزين، هو موقف زوجته السليطة اللسان. فهي ما انفكت تؤنبه على جرائم لم يرتكبها وذنوب لم يقترفها. فأين الوعد الذي قطعاه على نفسيهما بأن يكونا معاً حتى يفرقهما الموت؟ فهل حلَّ موعده يا ترى؟ هل آن أوان الرحيل عن هذه الأرض وحيداً كما جاء، وفقيراً كما عاش، وحكيماً كما لم يكن في يوم ما!
- ربي هل أنت هناك، حيث تستوي على العرش وحيداً مثلي؟ أتسمع صوتي الذي صنعته بيديك الكريمتين ثم تنكرت له وتندرت عليه؟ هل أنت موجود كما يدعي الجميع ويلهثون باسمك كأنك الهواء؟ لماذا ورطتني بما لم أقوى عليه ولماذا دفعتني إلى ما أنا عاجز عليه؟ هل هذا امتحان أم بيان على قدرتك وجبروتك؟ ها أنا بأمس الحاجة إلى آية من آياتك حتى أقوى على مواجهة الموت آمناً مطمئناً. اجعلني أبصر ما لا يبصره الآخرون واكشف أمامي ما لا يدركه الناس أجمعين ...
ظل هكذا يساءل ربه والدموع تنهمر من عينيه حتى حل ظلام دامس ولم يعد يبصر إلا شيئاً واحداً لا غير:
إنه في قعر هاوية سحيقة صنعها بنفسه وباركه ربه على حفرها!
* * * * *
في اليوم التالي استيقظ متأخراً جداً وقد فاته آذان الفجر. فنهض من فراش التبن فزعاً وأندفع كالمجنون نحو باحة البيت. لم يكن أحد هناك. كان البيت خالياً تماماً: لا حميره الصغار ولا أتانه. فتوجه إلى مدخل البيت وفتح الباب بحذر ووجل ثم مد رأسه قليلا إلى الخارج فلم يبصر أحداً في الطريق. لا أنس ولا جن، بل لم يبصر حتى الكلاب التي اعتادت الجلوس عند عتبات البيوت ولا القطط التي كانت تجلس على مسافة "عقلانية" من الكلاب مستعدة للنجاة بنفسها إذا ما خطرت على كلب من الكلاب أفكار لا تحمد عقباها!
لم يكن يعرف ما الذي حدث، فبيته كان خالياً من كل وسائل الاتصال: لا إنترنت ولا تلفون ولا تلفزيون. بل حتى الراديو كان معدوماً في بيته. الحق أنه كان يستمع إلى الراديو بين حين وآخر والفضل يعود لجاره الكهل الذي ضعف بصره وقلَّ سمعه. فكان يرفع صوت الراديو إلى آخره حتى كان الصوت يصل إلى آخر بيت من بيوت القرية. لكن ما كان يزعج الحمار هو ولع الكهل بموسيقى "الراب". ولهذا فقد كانت يستمع ليل نهار إلى إحدى محطات "الراب" التي كان لا يطيقها. ومع ذلك فقد كان يرى بأن هذا شيء أفضل من لا شيء.
وهكذا كان صاحبنا يستمع إلى موسيقى الراب رغماً عن أنفه حتى نفق جاره الكهل ولم يعد يستمع إلا لشخير زوجته المتعالي من غرفة النوم في الطرف الآخر من البيت!
قرر الانسحاب إلى معلفه مسترشداً بحكمة قديمة: إذا ما كنت لا تعرف ما هي الخطوة التالية فمن الأفضل أن تبقى في مكانك. ولهذا عاد إلى مكانه، معلفه، مستمتعاً بنعمة التأمل في تاريخ الزمان وأحوال الحمير والإنسان!

البقية في الأسبوع القادم!


- هل قرأت الحلقة الأولى؟
- لا.
- إذن، أنصحكم بعدم قراءتها! إما إذا غيرتم رأيكم وقررتم قراءتها فهذا هو الرابط:
حكاية الحمار الذي تجرأ على الذات الإلهية [الحلقة الأولى]



التعديل الأخير تم بواسطة القط الملحد ; 02-19-2020 الساعة 01:48 PM.
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
مؤذناً, الإلهية, الثانية, الحمار, الحلقة, الذات, الذي, تجرؤ, حكاية, حكاية الحمار الذي صار مؤذناً, يكون, على, قرر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع