شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 04-29-2020, 12:53 PM سامي عوض الذيب غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
سامي عوض الذيب
الأنْبياءّ
الصورة الرمزية سامي عوض الذيب
 

سامي عوض الذيب will become famous soon enough
افتراضي عزيزي المسلم 1: جغرافيا المسلم

كنت قد نشرت سلسلة من المقالات تتضمن ما جاء في كتاب
عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك
لكاتب سعودي نشرت كتابًا له تحت اسم: مواطن مجهول
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 2017. وقد أرسل لي المؤلف في ابريل 2020 ملحقًا عنونه عزيزي المسلم مع رسالة تقول:
كنت قد بدأت بكتابة جزء ثاني لكتابي الذي نشرته لي مشكورا "عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك" ثم توقفت بسبب ظروفي. حاولت أن أُكمل ما بدأت، لكنني كلما أضفت شيئا جديدا أجد نفسي غير راضٍ عن جودته وأخاف الآن أن يبقى حبيس أدراج مكتبي، لذا أفكر بوضع ما تجمع لدي ملحقا لكتابي الأول بسبب صغر المادة. أرجو أن تلقي عليه نظرة إذا تفضلت وتخبرني ان كان يستحق ضمه الى كتابي السابق كملحق، علما أنه لا يتعدى العشرون صفحة.
شاكرا ومقدرا.
فقررت اضافته لكتابه لأهميته ضمن هذه الطبعة الثانية، إذ ان رسالة المؤلف لله لا تغني عن توجيه الكلام لعباده. فمشاكلنا ليست مع الله بل مع يدَّعون انهم عباده، والله منهم براء.
ويمكن الحصول على النص الكامل للكتاب ورقيا: https://bit.ly/2y5Z5Jm
كما يمكن تحميله ضمن كتبي العربية
https://www.sami-aldeeb.com/livres-books/
وها انا انقل لكم فصول ما جاء في هذا الملحق
------------------
عزيزي المسلم،
اختر مكانا هادئا في منزلك تختلي فيه مع نفسك التي بين جنبيك لا يقاطعك فيه أحد. إدعكْ عينيك بلطف ثم اغمضهما لوهلة وخذ نفساً عميقا، اتبعه بزفير تنفث معه كل المشاعر المسبقة والمواقف المحدّدة والظروف المحتّمة والقوالب المعلّبة لتسبح في فضاء رحب تطلق فيه لعقلك العنان بدون قيد أو شرط. تخيل نفسك الآن وقد ولدت في الصين أو البرازيل مثلا أو ربما الدانمارك ونشأتَ في إحدى هذه الدول وترعرعت فيها لأبوين من أهل ذاك البلد حتى سن البلوغ. تُرى كيف سيكون معتقدك وإيمانك؟ ما الأمور التي ستكون من الثوابت والمسلّمات لديك، إن كان لديك شيء من ذلك؟ ما المقدّس عندك حينها وما المدنّس، ما المباح وما المحظور، ما الحرام وما الحلال في اعتقادك؟ منْ مِنَ الأسماء والشخوص التي حين يأتي ذكرها على سمعك ترنُو اليها بشغف وتُقبل عليها بلهف، تصلي وتسلم عليها؟ ما الكتاب والآيات والروايات التي حين تقرأها وتتمتم بها ستجعلك تخشع وتطأطئ عنقك رغبة ورهبة؟ بالتأكيد لن تكون اقرأ باسم ربك الذي خلق أو تبّت يدا أبي لهب أو إذا الشمس كوّرت، بل ستكون شيئا آخر. شيئا لا علاقة له بالمقدس الذي هو عندك الآن. الأحرى أنه شيء من واقع البيئة التي وُلدت فيها والمحيط الذي تنتمي له. ستكون كتبا فُصّلت آياتها وأُمليت سطورها حسب المكان الذي وُلدت فيه والبيت الذي ترعرعت تحت سقفه والمجتمع الذي نشأت به. قد تحملُ صحفاً تحوي كلمات منزهة وسطور مقدسة تُرددها طلبا للمثوبة وأملا في الخلاص وطمعا في الغفران، لكن لن يكون فيها قل أعوذ برب الناس أو قل يا أيها الكافرون. بل قلْ شيئا آخر.
حينها لن تكون شخوصك التي تهفو لها محمد وعلي وعمر وحسين وبقية الصحب بل ربما جون وكريشنا أو أناندا أو الحواريين. لن يكون القرآن كتابك ولا مرجعك الذي تستقي منه بوصلة أخلاقك وطريقة معاشك بل ربما الإنجيل أو العهد القديم أو الفيدا، ولن تكون سيرة ابن هشام ولا أحاديث البخاري أو روايات مسلم هي مصدرك لقصص شخصياتك العظيمة بل ربما أحاديث الداماباد أو إنجيل متّى. لو ولدت في الصين لربما وجدت نفسك اليوم تلثم أرجل تمثالٍ لبوذا بدلا من أن تقبّل الحجر الأسود، ولو ولدت في اليونان لربما وجدت نفسك تزحف على ركبتيك للوصول الى الأيقونة المقدسة في جزيرة تينوس بدلا من أن تلفّ حول الكعبة سبع مرات مرتديا خرقة بيضاء طلبا للمثوبة والأجر، ولو ولدت على أطراف نهر الغانج لوجدت نفسك تغسل خطاياك في مائه بدلا من أن تغرف من مياه زمزم الذي هو لما شرب له، ولو ولدت في أمريتسار لتركت شعرك مسترسلا ولما أخذت منه بدلا من قصه أو تقصيره إذا حللت من عمرة، ولو ولدت في روما لوجدت نفسك تصلي مع المؤمنين في عيد الفصح خلف قداسة البابا بدلا من فضيلة إمام الحرم الشريف. ألا يحق لك أن تتساءل بعد ذلك كله، ماذا لو لم تحمل بك أمك في هذه البقعة من الأرض؟
أتُراك تحمد ربك عزيزي المسلم أن وُلدت في بلاد المسلمين وكفى بها من نعمة عظيمة ان اختارك الرب في عليائه لتكون من نسل أبوين مسلمين في أرض يُرفع فيها الأذان، وتشكر خالقك أن جعلَ مسقط رأسك بين أهل التوحيد الخالص والدين الحق كما يقال لك وتردّد مع القوم أنِ الحمدُ لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ألا تتساءل ولو لمرة، ماذا لو لمْ يكن مسقط رأسك في هذا المكان؟ ماذا لو أنك خرجت الى الوجود في الركن الآخر من البقعة التي ولدت فيها؟ ما الذي يجعل ذلك من عقيدتك وجوهر دينك؟ ألم يخطر ببالك أنّ ما تؤمن به اليوم إنما هو نتاج جغرافيا مولدك. أتترك الصدفة الجغرافية البحتة تُحدّد دينك ومعتقدك بعد أن حدّدت هويتك وجيناتك. هل دينك مثل جيناتك أو لون عيناك، تُولد بها وترثها من والديك وأجدادك؟ حسناً. إن لم يكن دينك موروثا، هل كان هناك نقطة في خط الزمن، ولتكنْ حين بلوغك مثلا أو أي وقت آخر تختاره، توقفت فيها لمساءلة نفسك ومراجعة ما هو معروض عليك في سوق المعتقدات وما هو مطروح في بازار المذاهب والأديان ومقارنة ذلك وتحليله ومراجعته ثم أعلنتَ بعدها دخولك في دين الإسلام؟ أتذكرُ وقتا محددا أو يوماً معينا أو تاريخا بذاته التقطت فيه أنفاسك ثم قررت فيه دخول دينك بعد أن اطّلعت أنت بنفسك على قوانينه مثلما تطّلع على قوانين جمعية ما وتدرسها وتقرر الالتحاق بها من عدمه؟ هل مرّ عليك يوم راجعت فيه ما تعرفه عن دينك وأهله ورجاله وقوانينه وشرائعه ورواياته وتاريخه وعرضته على عقلك الناقد الفاحص ثم قررت بعد ذلك كله الانضمام اليه؟ أم أنه حالٌ أقلّ ما يقال عنها أنك وجدتَ نفسك فيها من غير اختيار منك، سنين وأعوام عشتها بالتدرّج بين المساجد والمدارس والبيوت وأوقات قضيتها مع رفاقك وقرنائك تُردد فيها ما يقال لك وتلقّن ذلك لغيرك ممن سيأتي بعدك، كيف لا، وكل ما حولك ينتسب لهذا المعتقد ويشرب من مائه ويتنفس هواءه وينهل من مصادره وينضح من معينه.
تخيّل الآن أحد الشيوخ الذين تعرفهم جيدا وتأخذ عنهم وقد تسمع لحديثهم وتثق بهم وربما تتعلق بهم وترنو لهم. تخيل ابن باز أو ابن عثيمين أو ابن عبد الوهاب أو شلتوت أو ابن باديس أو أي أحدٍ من رجال دينك الذين تعرفهم قد وُلد في مانشستر أو ربما طوكيو مثلا، لكان نصرانيا من طائفة البروتستانت في الأولى أو من الشنتو في الثانية. تخيل لوهلة أخاً توأما للشيخ ابن باز، تم خطفه يوم ولادته من الرياض وإرساله الى إحدى المدن بالشمال الإنجليزي ليتربى هناك ويعيش. لربما أصبحَ راهبا في كنيسة مُعلقا الصليب في عنقه وهو يقوم بتعميد المؤمنين وتغميسهم في الماء المقدس لمجرد أنه نشأ في نيوكاسل بينما أخوه الشيخ يجلس للإفتاء والدعوة والإرشاد في الرياض ويجيب على أسئلة المستفتيين في برنامج نور على الدرب. أخطرَ ببالك أنك ترث دين آبائك وتولد فيه من غير رأي منك أو اختيار وأنك قد تقضي بقية حياتك تدافع وتنافح بل وقد تقتُل وتُقتل وأنت تذبّ عن وتناضل من أجل معتقد لم تختره بنفسك. ألا يكفي أن تدعَ أول دقائق من عمرك تحدّد اسمك وهويتك ومن تكون لتقرر لك أيضا دينك ومعتقدك وما تكون؟ من تكون، إنما هو احتمال تحدده الجغرافيا لا دخل لك به ولكن ما تكون هو أمر تحدّده أنت بنفسك، إن أردت، فما المقدس سوى حالة جغرافية يشترك فيها كثير من البشر حسب موضع ولادتهم. أتدري أنه حتى الاسم والهوية، والجنس أيضا، أصبح بالإمكان اليوم تحديثهم وتغييرهم والإعلان عن ذلك بل وستجد من يقدم لك الدعم ويساندك في ذلك لو أردت، بينما لو فكرت بتغيير دينك ومعتقدك وأعلنت ذلك لتعرضت للقتل في أسوأ الأحوال أو الهجر والنفي في أفضل الحال.
أتخشى أن تطلق العنان لعقلك فتتساءل ماذا لو ولدتُ في غير مكاني ونشأت في غير بيتي وعشت في غير بلدي، كيف سيصير حالي وما هو معتقدي وديني. أتراك الآن تشك فيما أقول فتفكر أم أنك تشك فتسترجع وتستغفر؟ هل جربت مرة التفكير في أمور تفعلها دون تروّ ومشاعر تتدفق دون تمحيص واعتقادات تتلبسك دون مراجعة. لا أقصد مجرد الخواطر التي تعنّ لك ثم قد تطردها على أنها من وسوسة الشيطان بل أن تُعمل فكرك بعمق وتسترسل دون حواجز في محاولة فهم ما يدور بخلدك. قد يبدو الأمر مخيفا حين تبدأ وبالتأكيد هو ليس بالشيء الهين، إذ يتطلب منك شجاعة حقيقية لمواجهة ذاتك فضلا عن القدرة الفكرية التي لا أخالك تفتقدها والرغبة الجادة بالمعرفة والسعي المجرد من الأفكار المسبقة لاسيما حين يتعلق الأمر بمسلّمات ورثتها عزيزي المسلم ونشأت عليها ولُقنت بها. هل انعدام الحريات في مجتمعك سببٌ لقبولك باعتناق ما يعتنقه الآخرون دون فحص منك ومراجعة؟ هل تُحاصرك المرويات والنقول، تلك التي تدعوك الى السير مع القطيع خلف الراعي فما أنت الا من الرعية ويد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار. لن أطلب منك عزيزي المسلم أن تصبح كصفحة جديدة كيوم ولدتك أمك فقد فاتَ أوان ذلك، إذ أنّ صفحتك قد تلطّخت بما يصعب محوه منها، لكن حاول أن تخفّف الحكم قليلا فما أظنُّ الاعتداد بالرأي إلا من تلك النقول. تنفس من هواء حاضرك النقي الذي لم تلوّثه بعدْ نقولات وشروح الماضي واستمع لصوتك الداخلي، ذاك الذي عاش زمن الدهشة صغيرا قبل أن تعلوه رتابة التلقين لعلك تستيقظ لوهلة ثم قرر بعدها إن أردت، العودة لما كنت فيه.


مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
المسلم, جغرافيا, عزيزي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع