شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة اليهودية ۞ و المسيحية ✟ و العقائد الأخرى > الأرشيف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 09-14-2013, 05:51 PM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي الإله والألوهية في الدين الزنجي /ترجمة

كتاب :*مباحث في الفكر الزنجوإفريقي*
الكاتب: الحسن نداو /كاتب سينغالي
لغة النص : الفرنسية
الترجمة العربية : باخوس
الفصل الخامس :معرفة الإله أو مفهوم الألوهية في الفكر الزنجوإفريقي

ـ كانت الديانات الإفريقية تتجمد وتفرغ من محتواها الروحي , من الميتافيزيقا القديمة, هذه الكومة المفرغة لم تكن بالقادرة على منافسة الإسلام ـ الشيخ أنطا ديوب (أكاديمي سينغالي).
ـ الآلهة الإفريقية لم تمت بعد, هي تختفي تحت أقنعة مختلفة , وقد تساهم في بناء الشخصية الإفريقية الجديدةـ

هولاس من كتاب الفكر الإفريقي .

تتلخص الإشكالات الرئيسة المتعلقة بالديانة الإفريقية , في القضية الجوهرية لوحدتها وتنوع تمظهراتها و ميثولوجيا هذه الديانة; أيضا حول وجود نسق ميتافيزيقي كوني إفريقي , نسق ينطبق على الديانة في المساحات الثقافية الإفريقية الكبرى, هناك أيضا أسئلة أساسية تتمثل في دور هذه الديانة في تشكيل الشخصية الإفريقية التقليدية , ثم في إعادة الصياغة الروحية اللازمة في الزمن المعاصر.ما يستدعي دراسة الطابع التحولي (التطوري) للديانة الزنجوإفريقية.
للوهلة الأولى تبدو الديانة الإفريقية , غامضة ومتعددة , لكن نظرة أكثر تعمقا تستطيع كشف الوحدة المبطنة , والتناسق الميتافيزيقي والوجودي الكبير الذي يضمها, هذه النظرة يجب أن تتأسس على مقارنات متنوعة, تتكامل في ما بينها لتكشف أصالة المفهوم الألوهوـ فلسفي وتمظهراته في الحياة.
والمقاربة التاريخية مهمة لجهة تحديدها الانطباع الذي أخذه الرحالة العرب والبحارة والتجار والمبشرون , عن الحضارة الزنجوإفريقية , كونهم أول من احتك بهذا العالم الذي ظل مغلقا على نفسه , نقصد بالمغلق عدم تأثره بثقافات أخرى, أو لنقل هذه الثقافة الخام التي لم تتعامل مع غيرها.
يظل التحليل اللساني للمفردات ـ التي استعملها الإفريقي للدلالة على آلهته والإله الأسمى ـ ضروريا ولايمكن الاستغناء عنه , لدلالته على التبادل الثقافي والديني بين مجتمعات غطت مساحات جغرافية شاسعة.
المقاربة السيكولوجية توضح كثيرا, وتساعد في فهم الأساطير.
أخيرا وبالاستناد إلى معطيات علوم الإثنيات ; نستطيع استيعاب مفهوم الإله الأسمى والوجود وعبادة الكواكب والموت, ودور هذه المفاهيم السياسي أي /قداسية السلطة/.
يشكل الفكر الإفريقي نظرة متكاملة للإنسان داخل المجتمع والعالم, ويتمظهر في الحياة الاجتماعية والدينية, من خلال مجموعة من الرموز المتعددة القيمة, والتي يؤدي فهمها وتفكيكها إلى نتائج غاية في الأهمية; ليس أقلها فهم الإنسان الإفريقي أو باختصار الإنسان . معناه أن علم الإثنيات , بالرغم من عدم اعتباره علما بحثا إلا أنه يشكل جزء اً من المعارف , ونظرته أصيلة للواقعي يتم تحصيلها بطرق مختلفة.
إن الجهل بالتطور القروني للإنسان الإفريقي;والسبل التي سلكها في المعرفة, أدى إلى إلى تفسيرات خاطئة للديانة الإفريقية, أخطاء تم ارتكابها منذ قرون, هذه الديانة التي وصفت عند البعض بالشعوذة, وعند آخرين بالسحر أو بعبادة الأسلاف ,قد تم اختصارها وتسميتها *وثنية *, مصطلح لايزال القاموس الفرنسي /لارووس/ يفسره كنوع بسيط من الديانات البدائية التي تؤمن بحضور(وجود) قوى أو أرواح في الأشياء.
هذه التفسيرات الخاطئة أو الجد جزئية , لها أسبابها التاريخية, والسببان الرئيسان هنا ; الطابع التلقيني في الديانة الإفريقية, وكون التلقين الديني شفوي.
الإجراء التلقيني في الفكر الإفريقي, حسب فيفيانا باك viviana paques, لا يتعرى للباحث إلا بشكل تدريجي, بحيث على الباحث أن يكون حذرا كي لا يعتقد وصوله للمستوى الأكثر ارتقاء في المعرفة والإلمام بمادة الدراسة, فالملاحز المدقق للطقوس والمعتقدات , لا يمكنه تخيل لمس عمق الروحانية الإفريقية(1) , ففي دراستها للديانة الإفريقية تشره فيفيانا باك, كيف أن التلقين ليس تدريجيا بحسب قدرة السن وقدرة الإنسان فحسب, بل يختلف باعتبار جنس المتلقي. إنه تلقين ارتقائي فوقي يمارسه المجتمع, بشكل يمنح للجميع حسب الإمكانيات الفردية , فرصة الارتقاء من النظام الاجتماعي إلى النظام الميثولوجي ثم التفسير الأسطوري للخلق والكون, كي يصل إلى الأخلاق والاستلهام الروحي, هي دعوة لتجاوز الذات ارتقائيا للوصول إلى الكمال .كمال الفرد والفكر, وتبقى الطقوس المتعددة والمتنوعة وسيلة وليست غاية في حد ذاتها, لكن اختلافها وتكرارها يوحي للمرقب أنها نهايات بنفسها, لعدم تمكنه من تفكيكها دلاليا.
الحاجز الثاني في فهم الديانة الإفريقية , يتمثل في غياب مثيل للقرآن أو الإنجيل; أي كون التلقين شفاهيا.
" لم تستطع الشعوب الإفريقية , اختراع كتابة أصيلة, كما يقول دامان , علينا أن نكتفي بالتقاليد الشفاهية, التي وبالرغم من احتفاظها بتفاصيل مميزةٍ, لا تمكن من التعرف على الديانات التي وجدت قبلها, لتبقى كتابات الجغرافيين والمؤرخين العرب عن بلاد السودان في القرون الوسطى , اسثتناء وحيدا في المجال, فمذكرات الرحالة والمسافرين كانت تسجل بدافع الفضول, لتدون غالبا بشكل خاطئ أو تعطي تفسيرات تدخلية".
ويرى البروفسور موني أنه " لا يمكننا القيام بدراسة الأديان الوثنية في القرون الوسطى, لأن الكتاب والباحثين العرب, لم يتجاوزوا أماكن الالتقاء العامة والصحراء".
ما يجب التنبيه عليه أخيرا في ما يتعلق بالاحتياطات المنهجية, كون الدراسات الغربية المتأخرة, لم تتجاوز المعاينة الوصفية لممارسات طقوسية, إلى محاولة سبر المعنى العميق الكامن خلفها. وحين حاول البعض /دامان , بومان , بول رادان / ذلك ,جاءت المحاولات أطروحات تفسيرية غير متكاملة بسسب الوثائق التي تم اعتمادها, والتي كانت أجنبية عن المحيط الإفريقي أساسا, دون الحديث عن الصعوبات التي يطرحها تعامل العقلية وطريقة التفكير والتحليل الغربية, والذي يظل مختلفا تماما عن الفكر الإفريقي والعقلية الإفريقية.
ظلت الديانة الإفريقية إذن , غير معروفة بسبب الطريقة التي اعتمدت في التعاطي معها , فالأفارقة بالنسبة للعرب والبرتغاليين , وثنيون وعباد أصنام.وفي السنين الأخيرة فقط ظهرت دراسات أكثر جدية , ذهبت أبعد في البحث عن المعنى والتأويل, وبحسب فيفيانا باك نظل بعيدين كل البعد عن الوقوف على تطور هذه الديانة تاريخيا , تطور غير فيها أشكال التعبير وأحيانا المعنى نفسه.
اعتبارا من هذه التحفظات, يمكننا اعتماد الكتابات المتوفرة بما فيها تلك التي تركها العرب في القرون الوسطى, ليس من أجل تأويل نهائي ...لهذه الديانة, بل من أجل رسم مميزاتها الرئيسة أو ملامحها العامة . قبل شرح الفكر الميتافيزيقي الذي يضمها وينظمها بغض النظر عن تنوع الأساطير وأساليب التمظهر. هكذا يمكن إظهار الوحدة الأساسية للنسق الميتافيزيقي الإفريقي , نسق مشترك على مستوى مساحات ثقافية واسعة الانتشار. أخيرا وباعتبار الإضافات التي تلقتها والانزياحات التي عرفتها هذه الديانة , تتورها عموما أيدا توجهاتها , سنطرح سؤال دورها في تشكيل الشخصية الإفريقية القديمة والمعاصرة.
ـ الملامح العامة الكبرى للديانة الإفريقية :
ماهي تمظهرات الديانة الإفريقية ؟ إن حصر الملامح المتعددة لدى كل الشعوب أمر مستحيل في إطار هذا العمل, لهذا سنكتفي بالإشارة إلى التمظهرات الأكثر أهمية والأكثر دلالة, زيادة على كونها مشتركة بين كل الإثنيات التي تمت دراستها لحد الآن وهي :
الإعتقاد بإله أسمى والأساطير المرتبطة به.
التواصل والعلاقات مع الإله عن طريق الجن Génies وآلهة الخلق Démiurges والأسلاف Ancetres .
التواصل القائم على القرابين والأشياء التي تشكل دعامات الحضور الروحاني مثل الأقنعة والتماثيل الصغيرة(الإيقونات) والمعابد; وأشكال التعبير الأخرى الفنية الرمزية.
أ/ الإله الأسمى :
بصدد هذه النقطة الهامة; يجب رفع الغموض والأسئلة التي تطرح عادة حول وجود إله أسمى أوحد في الفكر الإفريقي ; طبيعته وصفاته .
هل يمكن ابتداءً الإقرار بتوحيدية الدين الوثني ؟ شك قاوم طويلا, بالنظر لكون تعدد الآلهة وتعدد الطقوس التي لا يمكن حصرها , قد قادا الإثنوغرافيين والإثنولوجيين والرهبان المسيحيين وغيرهم إلى التساؤل حول إمكانية التمايز الأنطولوجي للإله الأسمى عن العالم ومجموع الآلهة الأخرى في الفكر الإفريقي, وجوابنا القطعي هو الإيجاب, نعم فالديانة التقليدية الإفريقية تعترف بوجود كينونة فوقية سامية, لكن تصورها عند الإثنيات المختلفة, والتطور التاريخي الذي لحق مفهومها, والاختلافات المتعلقة بطبيعتها وصفاتها .تجعل من الإله الأسمى عند الإفريقي . متمايزا و غير متطابق مع الإله الإبراهيمي (يهوه).
يجب التحذير من الاتجاهين السائدين لدى الدارسين للديانة الإفريقية وتجنبهما, فالاتجاه الأول حاول إنقاذ الطقوس الإفريقية المتهالكة, بإصباغ الصفة التوحيدية عليها , أيا كانت هذه التوحيدية. وهو نوع من الاستعمار الثيولوجي. أما الاتجاه الثاني فقد حاول إلغاء كل طابع توحيدي عن هذه الديانة; لتصير الفكرة التوحيدية دخيلة عليها من الإسلام والمسيحية, إن إسقاط الإله الإبراهيمي على الإله الأسمى نوع من التعسف المثقل بالأفكار المسبقة; والذي يؤدي إلى إفلات التعبير الديني في الفكر الإفريقي لصالح فكر مفهومي غريب عنه, هذه المفاهيم الأجنبية , استعملت كمبضع لفتق واستئصال عناصر الحياة فيه , للحصول على جثته هامدة. فقد تم الاحتفاظ من جهة بكل ما يناسب العقل الغربي, ومن جهة أخرى استئصال ما هو غريب عن هذا العقل, أي كل ما يمثل بالنسبة للعقل الغربي "شيطانية" أو ما يعتبره كذلك من "سحر" و " شعوذة" و "وثنية" إلخ .....لا يسعنا هنا إلا أن نناهض هذا التوجه العقلي اللاعلمي, والذي يقود إلى عدم فهم جذري لجهة إنكاره أصالة الفضاء ات الثقافية الأخرى , أصالة تتأسس على الاختلاف بين هذه الفضاء ات فيما بينها . إن المنخرطين في هذا التوجه ـ وهو أمر مؤسف ـ يفضلون ثقافتهم على باقي الثقافات.
لحسن الحظ أننا نتوفر على وثائق تشهد باعتقاد الزنجوإفريقي , بإله أوحد وأسمى , اعتقاد خام وقروني بعيد عن كل تأثير خارجي , ونستعرض هنا بعض هذه النصوص القديمة:
يروي ابن حوقل (920ـ977 م بغداد /المترجم) وهو رحالة عربي من القرون الوسطى , كيف كان ساكنة مملكة دانكولا Dangolaتعيش في تحرر من سلطة الوحي ومن الدين وبعده الوحيي (من الوحي /المترجم) واعتقادها بوحدانية الإله.
"" لا يخضعون لأي سلطة; وليس لهم دين ; ولا يمارسون أي قانون ديني , يكتفون بالاعتقاد بوحدة الإله ويعترفون له بأهميته وضرورة الخضوع له , واسمه عندهم *أنانا * "" مع العلم أن هذه الساكنة لم تكن قد احتكت بعد مع الإسلام أو غيره من الأديان الإبراهيمية.
مؤلف آخر من نفس الحقبة ; القرن الحادي عشر الميلادي وهو المسعودي ; يكتب من جهته "" الزنوج يسمون الله باسم مكولونجولو وهو ما يعني السيد الكبير , وغالبا ما يقف درويش من البلد وسط جمع غفير ليدعو الناس إلى التقرب من الله والخضوع لأوامره, ويوضح أي عقاب رهيب سيلحق المخالفين ويذكرهك بعبر الأسلاف والملك القديم"".
بعد ذلك بقرون نجد ليون الإفريقي (جغرافي عربي واسمه الحقيقي حسن الوزان ولد في غرناطة1483؟ وتوفي في تونس 1552؟/المترجم) :""بعض الأفارقة السود يعبدون كويشيمو ; والذي يعني في لغتهم *سيد السماء* , وهو إحساس لم يأتهم عن طريق نبي أو رجل دين "" . أخيرا يوضح زرارة أنه في جزر الكناري الكبرى (جزر إسبانية قبالة السواحل الأطلسية المغربية جنوبا /المترجم) ""يوجد قوم يؤمنون بوجود إله يجزي بالخير الخير والشر بالشر "".
عديدة هي المعاينات التي تؤشر لوجود إله أسمى وأوحد, لدى المجتمعات الإفريقية المختلفة, معاينات تعود إلى أربع أو خمس قرون أو أكثر .بعض الكتاب ومنهم وسترمان يحدد الملامح السماوية(الفوقية) لهذه الألوهية , ليضيف ـ وهو أمر مهم في إشكالية التوحيد هذه ـ أن هذا الإله لم يكن موضع عبادة أو صلوات أو قرابين, كما هو حال الآلهة الأصنام .
هذا الحكم أساسي لجهة وضعه التوحيد الإفريقي في سياق فلسفي ديني ثيولوجي محدد, يكون فيه للكائن الأسمى مكانته الأنطولوجية المميزة . فهو يختلف عن الإنسان الذي يمكنه استيعابه فكريا. إن فعل الخلق الإلهي في اللغة العبرية , يحدد بصيغة لا يمكن إعارتها لفعل الإنسان , فالإنسان يصنع أي مجرد بناء أو تكيب لأنه يتوفر على مادة موجودة مسبقا, في حين أن إله العبريين يخلق من لاشيء.
يلزم لفهم التوحيد لدى الزنوج الأفارقة , توضيح كيفية استيعابهم لطبيعة الكائن الأسمى , صفاته وعلاقته بالإنسان .
نجد أن الخاصة السماوية (الفوقية) للإله معترف بها , وتعطى أهمية كبرى في أغلب المجتمعات الإفريقية. فهو ليس الظواهر السماوية ولا السماء, الإله هو روح السماء يعيش بها , أما المطر والرعد وقوس قزح فهي تمظهرات للإله. ثم قليلة هي صفاته عموما , هو الطيب والعادل ـ ليس الطيب والشرير كما في أديان أخرى ـ بالنسبة لشعوب الأشانتي في غانا, واللامبا في روديسيا. هذا التقابل القيمي يعزى لبعد الإله في الفضاء , إنه بعيد عن الإنسان ولا يمكن معرفة الكثير عنه, وليس هناك وحي بل فقط تمظهرات واسطتها الآلهة الدنيا أو الظواهر الطبيعية أو الخارقة; ظواهر يندمج ويتدخل من خلالها الإله في مجرى حياة الناس. إنه إله يمتاز بكونه لا مرئيا وحاضرا في كل مكان, فإذا أضفنا لهاتين الصفتين صفة الخلق , فهمنا صورة تعامل الإله مع الإنسان وتعامل الأخير مع الأول .
نأتي إلى الخلق, ماذا يعني فعل الخلق الإلهي ؟ وأي عالم خلقه الإله ؟ في الديانة الإفريقية ن نجد أن الإله خلق العالم في كينونته وتوقف; تاركا عناية استكمال الخلق الأول أو لنقل البذرة الأولى , لآلهة الخلق الأدنى ( كما هو الحال في التصور الغنوصي والأفلاطونية الجديدة /المترجم) , لقد خلق المادة الخام , صاغ من اللوجود وجودا , زرع الحياة والقوى المحرِكة , تاركا لآلهة الخلق الأدنى ثم للآلهة الكثيرة الدنيا وضع القوى في حركة , وتنظيم المجموع . الإله الأسمى غير مخلوق , إنه القوة في ذاته أي منبع الطاقة المحركة , والتي يوزعها تبعا لتراتبية خلََقَها وحركها بنفسه , ليظل متمايزا عنها ومفارقا لها * .

--------------------------------------------------------------------------------
القطيعة بين الإنسان والإله, ترجع لزمن قطع فيه الضبع الحبل الذي كان الشيوخ يتسلقونه للصعود إلى السماء, كي يستعيدوا الشباب ويعودوا إلى الأرض, نجد هذه الأسطورة في صيغ متعددة ومتشابهة لدى العديد من الإثنيات (هامش المؤلف)

يتبع ....



:: توقيعي :::


أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال. أينشتاين

  رد مع اقتباس
قديم 09-14-2013, 05:51 PM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي

مفهوم الخلق هذا , يفسر قلة الصفات التي يلحقها الأفارقة بإلههم , ألا يوجد في فعل الخلق نفسه, تباعد وفك ارتباط المخلوق الدال على القطيعة الأنطولوجية بين الله والعالم؟ وتباعا استحالة كل خطاب لكائنات هذا العالم عن خالقها ؟ إنه بعيد ومفارق وفي ذلك ضمان فوقيته.
ليس غريبا أن لا تخصص له الممارسات الدينية مباشرة , هو جبار لكنه لا يتدخل إلا نادرا في شؤون الناس , شؤون تتم تصفيتها بينهم وبين الآلهة الدنيا , إنه "نبل" كامل يتم إلحاقه بالجلال الإلهي.
لكن هذه المفارقة الأنطولوجية في التصرف الإلهي حيال العالم , والتي قد تصل حد عدم الاكتراث , لا تمنع الناس من التسليم لإله يتجاهلهم . تسليم خاص إذ الله موجود, كائن ونعرفه ونصلي له وندعوه , مع علمنا بأننا لن ننال منه شيئا إلا في الظروف الإستثنائية , مثل خصب حقول الأرز. بل إن عظمته لا تتناسب والطقوس البشرية المبتذلة .والأفضل التوجه للأسلاف والآلهة الدنيا , هؤلاء هم من يختص بالتدخل ,ومن خلالهم يتم تمثل الوجود الغامض للإله الأسمى , في كل شيء وفي كل مكان .
من هنا يؤكد غياب أو شبه غياب تجسيم الله , مقارنة بكثرة الآلهة الدنيا والمحلية, الهيبة والاحترام الذين تكنهما المجتمعات الإفريقية لمن يتوقف عليه الخلق, في هذا لا يختلف التوحيد الإفريقي عن التوحيد اليهودونصراني أو الإسلامي.
في بعض المجتمعات الإفريقية, يبدو أن المفهوم السماوي للألوهية قد تم اكتشافه عبر مسار التطور التاريخي وليس ابتداءً ; إذ يمكننا ـ من خلال فهم المنافسة بين إلهة أرضية وإله سماوي أو الإله الخنثى عند بعض المجتمعات الزنجية القديمة التي مارست الزراعة ـ افتراض ظهور الإله السماوي بشكل بدائي لدى الرحل , والإلهة الأرضية في التجمعات الزراعية .
تظل لدينا إشكالية الأصل , ألم تتم إعارة هذا التوحيد السماوي عن طريق الرُّحَّل للتراث الإسلامي أو اليهودي أو الشرقي عموما ؟ هل تم تداوله أم لا ؟ هل كان ثمرة تأليه الأسلاف أو السلف أم البطل ؟ .
ب/الأسطورة :
يتم التعبير عن الفكر الوثني المتعلق بأسل العالم , استنادا على الأسطورة , غير أن الأسطورة شكل ومحتوى في الآن نفسه , وتتموضع على مستويات عدة من التعبير, دون إمكانية دراسة الشكل بمعزل عن المحتوى أو العكس .
فتكون وظيفة الأسطورة تأسيسا على هذه العلاقة المركبة, أي الأسطورة نفسها كواقع دال.
علاقة /الشكل ـ المحتوى/ تلحقها علاقة / الدال ـ المدلول/, لنجد أنفسنا أمام شكل تعبيري متميز للفكر الإفريقي, والذي لا يمكن ولوجه اعتمادا على مقاربة مفهومية مُعقلِنة. الأسطورة كلٌ ; إنها عالم .
محتواها أساسي لجهة تنظيم المجتمع للمعيش وللزمن , لدينا مثال مسلمات مالي وشمال إفريقيا , واللواتي يمثل لهن وضع الرحى أو الملابس بشكل مقلوب , تداعيا للتحول العكسي في مسار العالم, لكن في ما وراء الأوضاع نفسها, يمكننا أن نتساءل عن دلالة التحول العكسي للعالم . هل يعني انصراف الله عن صنعه وتخليه عنه ؟ هل يعني الخطيئة أو السقوط ؟
كيف ما كان الأمر , يبدو أن الأسطورة كدرجة دلالية, تتموقع بين العوالم المفقودة والعالم الذي ينظمه المجتمع ويعيشه, وهو ما يمنحها مكانة خاصة في الفكر التقليدي.
الأسطورة تنخرط في عالمين كما المشعوذ أو الحداد , تُحرِّك وتسير قوى فاعلة وخطيرة , قوى تتضمنها في نفسها لكنها قوى قد تنفلت , إذا لم تُقَمِ الطقوس المشفرة بدورها والناتجة عن فك شيفرتها, ليس بالمعنى الحرفي وإنما بالمعنى الرمزي للكلمة , بعبارة أخرى فالأسطورة عبور , هي تموضع كلمة الله أو بالأحرى الحضور الاستلهامي للكلمة الإلهية , إذ الله متعالٍ وفوقي . إن الأسطورة تعبير عن الحقائق اللاممكن الحديث عنها .
ليس بإمكان الجميع الاقتراب من الأسطورة ومقاربتها أو فهمها , لهذا نجد مجموعة السدنة داخل المجتمعات الإفريقية , مجموعة تتمتع بمكانة مميزة ووظيفتها تداول وتلقين الأساطير شفاهة , وغالبا ما تستمر عملية التداولاعتمادا على العارفين بهذا التراث .
قلنا تداول شفاهي للتراث , وتراث لا ممكن الحديث عنه, أليس ثمة تناقض ؟
هنا أيضا نجد حضور التعدد القيمي في الفكر الإفريقي, واللصيق به . ففهم اللاممكن الحديث عنه ; يكون في فهم "النعم" و"اللا" أي ما يتحرك ـ أساسا ـ داخل وعبر الأسطورة ويؤسسها . إن اللاممكن الحديث عنه جوهر الأسطورة , ففعل القول خطاب متجسد , والقول نفسه هو غير الشيء المراد الحديث عنه. من هنا نجد بعض الأساطير متوفرة على ثلاث مستويات للحكي : المستوى الأول تبسيطي موجه للعامة; والمستوى الثاني للمريدين ; وثالث (أو رابع أو خامس) للعارفين.
الأسطورة تقول وتخفي معا , لهذا قد نقع في متاهات حقيقية , إن نحن تمسكنا بالمحتوى فقط , كما هو الحال بالنسبة لتكون العالم ونشوء الإنسان. إنه لمن الصعب التمييز بين ما نعتبره مادة إثنوغرافية قابلة لتقديم فرضية عن نزوح إثنية , وما هو رمزي (*); وفوق هذا فنحن لا نمتلك مفتاح هذه الرمزية , إذ كل فكر وكل ثقافة تتكتم على مفاتيحها , مثلما الحدبة تحيل على التقعر , يحيل القول على اللاقول.
هل يمكن العودة للرموز لفهمها باعتماد التحليل النفسي ؟ بعض المجتمعات الأمومية ـ التي تفترض أن الناس خلقوا من حفرة أو خلية حشرية أو من غابة أو من الأرض ـ تكون الرمزية لديها تلقائية كارتباط بصورة الأم , وهي الصورة اللصيقة بكل فكر إنساني.
هل نستطيع إذن , واستنادا على هذا التوجه , الالتحاق بكونية الفكر ؟ هل يكون للفكر الإفريقي بناء على اختياره للرموز ودلالاتها , أن يشكل وجها آخر للفكر الكوني ؟ أسئلة نجيب عليها لاحقا .
ج/ التواصل عن طريق العبادة :
عموما ـوكما سبقت الإشارة ـ لا يتوجه الوثنيون للإله مباشرة إلا عرضا , لتظل الصلاة والتوسل , القرابين والأضحيات , خاصة بأرواح الأسلاف والآلهة الدنيا التي تبلغها للإله . حسب هولاس :" يظل الله الوجهة القصوى لكل قربان أو صلاة موجهة عبر التراتبية , لأسلاف العائلة أو للآلهة الفاعلة ".
ويشرح هامباتي با كيف أن الإله الأسمى يعد بعيدا جدا , ليتم توجيه العبادة له مباشرة , من ثم يفضل الإفريقي مخاطبة وسطائه . بل إن "إله السماء" والذي ينعث أحيانا بعمد السماء أو عضمة السماء , إله بعيد لا يمكن أن يصله مباشرة صوت "مانان" هذا الإنسان الصغير بن "آدم". لهذا وجب الاعتماد على الوسطاء ليصله التظلم والحمد .
بين المقدس الأسمى اللاممكن التواصل معه مباشرة وبين الإنسان , تمتد منظومة قداسية وسيطة تستمد شرعيتها وقوتها من القداسة السامية , لتتنوع بدورها إلى قوى نافعة وأخرى ضارة, تتدخل عبر فاعلين متعددين . هذه القوى هي المسيرة لسعادة الإنسان أو شقائه , وليس الإله الأسمى ـ مع أنه خالقها ـ, لها توجه طقوس الكلام ـ عبارات سحرية أكثر منها أدعية ـ والقرابين لإرضاءها حين تثور .

--------------------------------------------------------------------------------
(*) بحسب الأسطورة , يرجع أصل البرابرة لخمس مائة عذراء , تم افتضاضهن عن طريق المعجزة, حين سوقهن لملك فارس .هنا يحضر العنصر التأصيلي للنزوح , وعنصر فوق طبيعي يستدعي الديني , لتعبر الأسطورة عن مستويات عدة : تسلسل تاريخي , ثقافة , دين , رمز .(هامش المؤلف)



:: توقيعي :::


أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال. أينشتاين

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الإله, الدين, الزنجي, or ترجمة, والألوهية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هل الإله ( يهوه ) هو أحد أبناء الإله إيل ( الكنعاني ) ؟! شاهين علم الأساطير و الأديان ♨ 16 04-19-2019 03:46 AM
الرب الحقيقي الوحيد ترجمة الأسطورة ساحة النقد الساخر ☺ 0 01-25-2019 06:19 PM
ما رأيكم في انشاء فريق ترجمة ؟ ᒍᗩᗰᕮᔕ ᗷ〇ᑎᗞ ساحـة الاعضاء الـعامة ☄ 1 01-18-2015 05:40 AM
الرب الحقيقي الوحيد ترجمة الخاشع للإله ساحة الفنون و الموسيقى و الأعمال التصويرية 0 09-03-2014 11:11 PM
الخجل من ترجمة القرآن حرفيا السيد مطرقة11 الأرشيف 0 11-25-2013 09:20 PM