شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات الفنون و الآداب > ساحة الشعر و الأدب المكتوب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 07-18-2014, 12:34 AM AdminMaster غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
AdminMaster
مــدير عــام
الصورة الرمزية AdminMaster
 

AdminMaster تم تعطيل التقييم
Post رواية الجحيم "Inferno" لدان براون



المقدمة


أنا الظل
عبر المدينة الكئيبة ، أهرب .
عبر الويلات الأبدية ، أطير .
على ضفتي نهر آرنو ، أندفع لاهثاً ... أنعطف يساراً إلى فيا داي كاستيلآني ، وأشقَ طريقي شمالاً؛ محتمياً بظلال معرض أوفيزي .
لكنهم مزالوا خلفي .
صدى خطاهم يعلو وهم يطاردونني بلا هوادة .
لاحقوني لسنوات . وإصرارهم أبقاني تحت الأرض ... أجبرني على العيش في المطهر ... أكدح مختبأً مثل وحش قابع تحت الأرض .
أنا الظلَ .
هنا فوق الأرض ، أنظر إلى الشمال ، لكنني أعجز عن إيجاد طريق مباشر إلى الخلاص ... فجبال الأبينين تحجب أولى أشعة الفجر .
أمرَ خلف القصر ، ببرجه ذي الفُرجات وساعته ذات العقرب الواحد ... أسير بين الباعة في الصباح الباكر في بياتزا دي سان فيرينتسي التي تصدح بأصواتهم الخشنة وتفوح فيها رائحة اللامبريدوتو والزيتون المشوي . مررت أمام متحف بارغيلَو ، ثم اتَجهت غرباً نحو برج باديا ، لأجد نفسي أمام البوَابة الحديدية عند أسفل الدَرج .
الآن ، عليَ أن أترك كلَ التردَد خلفي .
أدرت المقبض ، وخطوت في الممرَ الذي أعرف أنَه لا عودة لي منه . حثثت ساقيَ الثقيلتين على صعود الدَرج الضيَق ... ثمَ رحت أصعد إلى الأعلى بشكل لولبي على درجات الرخام الملساء البالية .
تعالت الأصوات من الأسفل متوسَلة .
كانوا خلفي ، لايتراجعون ، بل يزدادون قرباً .
لايفهمون ما هو آت... ولا ما فعلته من أجلهم !
أرض ناكرة للجميل !
بينما أنا أصعد ، تراودني الرؤى بكثافة ... الأجساد الفاسقة تتلوَى في مطر من نار ، والأرواح الشرهة تعوم في القذارة ، والأشرار الخونة مجمَدون في قبضة الشيطان الجليدية .
أرتقي الدرجات الأخيرة ، وأصل إلى الأعلى وأنا أترنَح على شفير الموت في هواء الصباح الرطب . أندفع إلى جدار بطول قامتي ، وأسترق النظر من خلال الشقوق . أرى في الأسفل المدينة المباركة التي جعلتُها ملجأً لي ممََن أبعدوني .
تنادي الأصوات وهي تقترب خلفي . " ما قمتَ به هو الجنون عينه! "
الجنون يولَد الجنون .
يصيحون : "حباً بالله ، أخبرنا أين خبَأته!"
حبا بالله ، لن أفعل .
أقف الآن محاصراً ، وظهري مستند على الحجر البارد . يحدَقون في أعماق عينيَ الخضراوين الصافيتين ، وتتجهَم تعابيرهم التي لم تعد تتملَقني ، بل تتوعَد بالشرَ . "أنت تعرف أنَنا نملك أساليبنا الخاصَة . يمكننا إجبارك على إخبارنا بمكانه" .
لهذا السبب ، صعدت نصف الطريق إلى السماء .
من دون سابق إنذار ، استدرت ومددت يديَ إلى الأعلى ، ثمَ كوَرت أصابعي حول الحافَة العالية ، ودفعت جسدي إلى الأعلى بركبتيَ ، ووقفت ... أترنَح على حافَة الهاوية . أرشدني ، يا فيرجيل الحبيب ، عبر الفراغ .
اندفَعوا إلى الأمام بذهول ليمسكوا بقدميَ ، لكنَهم خافوا أن أفقد توازني وأسقط . أخذوا يتوسَلون إليَ الآن بيأس صامت ، لكنَني كنت قد أدرت ظهري . أعرف ما عليَ فعله .
تحتي ، على مسافة بعيدة جداً ، انتشرت أسطح القرميد الأحمر مثل بحر من نار فوق الحقول ، منيرة الأرض الجميلة التي عاش عليها العمالقة في ما مضى ... جيوتو ، دوناتيلو ، برونيليسكي ، مايكل أنجلو ، بوتيتشيلَي .
دفعت أصابع قدميَ فوق الحافَة .
صرخوا : "انزل ! لم يفت الأوان بعد!"
أيَها الجهلة العنيدون ! ألا ترون المستقبل ؟ ألا تدركون جمال ما فعلته وضرورتة ؟
سأقوم بكلَ سرور بهذه التضحية الأخيرة ... ومعها سأقضي على آخر آمالكم بإيجاد ما تبحثون عنه .
لن تعثروا عليه أبداً في الوقت المناسب .
على بعد مئات الأقدام في الأسفل ، أخذت الساحة المرصوفة بالحصى تتلألأ مثل واحدة هادئة . كم أتوق إلى مزيد من الوقت ... لكنَ الوقت هو السلعة الوحيدة التي لا يمكنني شراؤها ؛ حتَى بثروتي الفاحشة .
في هذه الثواني الأخيرة ، حدَقت إلى الساحة ، ولمحت صورة أجفلتني .
رأيت وجهك .
كنت تحدَقين إليَ عبر الظلال ، بعينين حزينتين ، لكنني رأيت فيهما احترماً لما حقَقته . أنت تفهمين أنَه ليس لديَ الخيار . حباً بالجنس البشري ، عليَ حماية تحفتي .
أخذ وجهك يكبر الآن ... منتظراً ... يلع تحت مياه البحيرة الحمراء بلون الدم ، التي لا تعكس النجوم .
هكذا ، أشحت بنظري عن عينيك وحدَقت إلى الأفق . فوق العالم المثقل بالهموم ، تضرَعت للمرَة الأخيرة .
إلهي الحبيب ، أرجو أن يتذكَر العالم اسمي ليس كخاطئ ، بل على أنَني المنقذ الذي تعرف حقيقته . وأرجوا أن يفهم البشر الهدية التي تركتها لهم .
هديتي هي المستقبل .
هديتي هي الخلاص .
هديتي هي الجحيم .
ثمَ همست : آمين ... وخطوت خطوتي الأخيرة ، إلى الهاوية .

>> يتبع إلى الفصل الأول

الكتابة بقلمي : AdminMaster
على منتدى الإلحاد العربيُ



  رد مع اقتباس
قديم 07-19-2014, 01:24 AM AdminMaster غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
AdminMaster
مــدير عــام
الصورة الرمزية AdminMaster
 

AdminMaster تم تعطيل التقييم
افتراضي الفصل الأول


الفصل الأول
تجسَدت الذكريات ببطء ، مثل فقاعات تطفو على سطح بئر مظلمة بلا قرار .
امرأة ذات وشاح .
حدَق روبرت لانغدون إليها من الضفَة الأخرى لنهر تتدفَق مياهه المتموَجة ممزوجة بالدم .
على الضفَة المقابلة ، وقفت المرأة بمواجهته ، بلا حراك ، ووجهها الوقور مخبَأَ بوشاح . أمسكت بيدها قطعة قماش تينيا زرقاء ، ثمَ تكريماً لبحر الجثث والأجساد الملقاة عند قدميها . كانت رائحة الموت تفوح من كلَ مكان .
همست المرأة : من يبحث يجد .
سمع لانغدون كلماتها وكأنَها نطقت بها داخل رأسه . ناداها : "من أنت؟ ". لكن ، لم يصدر عنه أيَ صوت .
همست : الوقت يمضي . من يبحث يجد .
تقدَم لانغدون خطوة باتَجاه النهر ، لكنَه رأى مياهه بلون الدم ، وكانت عميقة جداً؛ حيث إنه يتعذَر عليه اجتيازها . عندما نظر مجدَداً إلى المرأة ذات الوشاح ، كانت الجثث والأجساد عند قدميها قد تضاعفت . أصبحت الآن بالمئات ، لا بل بالآلاف . بعضها ما زال حياً؛ يتلوَى وهو يُحتضر ، ويموت لايمكن تصوَرها ... يحترق بالنار ، أو يُدفن في البراز ، أو يلتهم بعضه بعضاً . كان بمقدوره سماع أصداء الصرخات الحزينة للبشر المعذَبين وهي تتردَد عبر المياه .
اقتربت منه المرأة ، مادَة يديها النحيلتين ، وكأنَها تطلب المساعدة . صرح لانغدون مجدَداً : "من أنت ؟!".
لم تجبه المرأة ، بل مدَت يدها ونزعت الوشاح ببطء عن وجهها . كانت رائعة الجمال ، لكنَها أكبر سناً ممَا تخيَل ؛ ربَما في العقد السادس من عمرها ، جليلة وقويَة ، مثل تمثال . كان لديها فك صارم وقويَ ، وعينان عميقتان وحنونان ، وشعر أجعد طويل فضَي اللون ؛ يتموَج على كتفيها . تدلَت من عنقها تميمة من اللازورد على شكل ثعبان متلفٌ حول صولجان . شعر لانغدون أنَه يعرفها ... ويثق بها . لكن كيف ؟ ولماذا ؟
أشارت إلى ساقين بارزتين من الأرض تتلوَيان في الهواء . كانتا تنتميان على ما يبدو إلى روح مسكينة دُفنت رأساً على عقب حتَى وسطها . رأى على فخذ الرجل حرفاً واحداً مكتوباً بالوحل : R.
فكَر لانغدون : R ؟ أي ... روبرت ؟ "أهذا ... أنا ؟ ".
لم يكتشف له وجه المرأة شيئاً . كرَرت هامسة : من يبحث يجد .
فجأة ، بدأ يشعَ منها ضوء أبيض ... ويزداد إشراقاً . ثمَ أخذ جسدها بأكمله يهتزَ بشدَة ، قبل أن يصدر صوت صاخب كالرعد ، وتنفجر متحوَلة إلى آلاف الشظايا المنيرة .
استيقظ لانغدون وهو يصرخ .
وجد نفسه بمفرده في غرفة مغمورة بالضوء . كان الهواء عابقاً برائحة الكحول الطبَيَة الحادَة ، فما تناهى إليه صوت آلة يرافق إيقاع قلبه . حاول تحريك ذراعه اليمنى ، لكنَ ألماً حاداً منعه من ذلك . نظر إليها ورأى إبرة مصل معلَقة بساعده .
تسارع نبضه ، فزادت الآلات من سرعتها ، وراح طنينها يتسارع هو أيضاً .
أين أنا ؟ ماذا حدث ؟
شعر لانغدون بألم حادَ في رأسه ، فمدَ يده الأخرى بحذر ، ولمس فروة رأسه ، محاولاً تحديد موقع الألم . تحت شعره الأجعد ، عثر على الخيوط الصلبة لعشر قطب تقريباً مكسوَة بالد الجافَ .
أغمض عينيه محاولاً تذكَر حادثة تعرَض لها .
لاشيء . مجرَد فراغ تامَ .
فكَر .
ظلام وحسب .
اندفع رجل بملابس طبية إلى الغرفة . وقد أثار قلقه على ما يبدو الصوت المتسارع الصادر عن آلة مراقبة القلب . كان يمتاز بلحية مشعَثة ، وشارب كثَ ، وعينين لطيفتين يطغى عليهما الهدوء ، تحت حاجبيه العريضين .
قال لانغدون : "ماذا ... جرى ؟ هل تعرَضت لحادث؟".
وضع الرجل الملتحي إصبعه على شفتيه ، ثمَ اندفع إلى الخارج ، ونادى أحدهم .
التفت لانغدون ، لكنَ تلك الحركة سبَبت له ألماً حاداً في جمجمته . أخذ أنفاساً عميقة ، وترك الألم يمضي . بعد ذلك ، راح يعاين محيطه بتأنً ومنهجية .
كانت غرفة المستشفى تحتوي على سرير واحد . لا أزهار ، ولا بطاقات . رأى لانغدون ملابسه على طاولة قريبة ، مطويَة وموضوعة داخل كيس شفَاف . وكانت مغطَاة بالدماء .
يا إلهي . لابَد أنَه كان حادثاً مروَعاً .
التفت ببطء شديد إلى النافذة القريبة من سريره . كان الظلام مخيَماً في الخارج ، مايعني أنَه الليل . لم يستطع لانغدون أن يرى سوى انعكاس صورته على الزجاج ؛ كان يبدو غريباً وشاحباً ومنهكاً ، وموصولاً بالأنابيب والأسلاك ، ومحاطاً بالمعدَات الطبَية .
سمع أصوتاً في الممرَ ، فحوَل نظره إلى داخل الغرفة مجدَداً . عاد الطبيب برفقة امرأة هذه الممرَة .
بدت المرأة في أوائل العقد الثالث من عمرها . كانت ترتدي ملابس طبَية زرقاء ، وقد عقدت شعرها الأشقر الكثيف على شكل ذيل حصان ، فراح يتأرجح خلفها وهي تمشي .
ابتسمت في وجه لانغدون وهي تدخل ، وقالت : "أنا د.سيننَا بروكس . سأعمل مع د. ماركوني الليلة".
هز لانغدون رأسه بضعف .
تنقَلت د. بروكس بقامتها الطويلة والرشيقة بمشية رياضي واثق . بدت امرأة أنيقة؛ حتَى بملابسها الطبَية . وعلى الرغم غياب أيَ أثر لمساحيق التجميل عن وجهها ، لاحظ لانغدون أنَ بشرتها تبدو ناعمة على نحو غير عادي ، ولا تشوبها شائبة؛ سوى شامة صغيرة فوق شفتيها . نظر عينيها البنَيتين بدا خارقاً على نحو غير اعتيادي ، وكأنَه ينمَ عن عمق تجربة نادراً ما يكتسبها شخص في مثل سنَها .
قالت وهي تجلس بجانبه : "لايتقن د.ماركوني الإنكليزية ، لذلك طلب منَي أن أملأ استمارة دخولك". ابتسمت له مجدَداً .
أجاب لانغدون بصوت خشن : "شكراً" .
"حسناً" . بدأت تطرح عليه أسئلتها بنبرة عمليَة : "ما اسمك؟".
فكَر للحظة ، ثمَ أجاب : "روبرت ... لانغدون".
وجَهت مصباحاً صغيراً إلى عينيه وتابعت تسأل . "ما مهنتك ؟ ".
عادت إليه هذه المعلومة ببطء أكبر . " بروفيسور . تاريخ الفنَ ... والرموز . جامعة هارفرد".
خفضت د. بروكس الضوء ، وبدت عليها الدهشة ، كما فوجئ الطبيب ذو الحاجبين الكثَين .
"هل أنت ... أمريكي ؟".
نظر إليها لانغدون بارتباك .
تردَدت ثمَ قالت : "في الواقع ... لم تكن تملك بطاقة هوية عندما وصلتَ الليلة . كنت ترتدي سترة من ماركة هاريس تويد ، وتنتعل حذاء سوميرست ، لذلك اعتقدنا أن بريطاني " .
أكَد لها لانغدون قائلاً : "أنا أمريكي" . لكنَه كان مرهقاً جداً ليشرح لها أنه يفضل الملابس التي تمتاز بجودة الخياطة .
"هل تشعر بأي ألم ؟ " .
أجاب لانغدون : "رأسي"، وكان ألم رأسه قد تفاقم بسبب ضوء المصباح . لحسن الحظَ ، وضعته الطبيبة في جيبها قبل أن تمسك بيد لانغدون وتحقَق من نبضه .
قالت : "أستيقظت وأنت تصرخ ، هل تذكر لماذا ؟ ".
تذكَر لانغدون مجدَداً الحلم الغريب وتلك المرأة المحاطة بالجثث . من يبحث يجد . " رأيت كابوساً".
"ماذا كان؟".
روى لها لانغدون الحلم .
لم يظهر أيَ تعبير على وجه د. بروكس ، بل اكتفت بتدوين ملاحظات على ورقة . " هل لديك أيَ فكرة عن سبب هذا الكابوس المخيف؟" .
فكَر لانغدون ، ثمَ هزَ رأسه نافياً فعاوده الشعور بالألم مجدداً .
قالت وهي تكتب : "حسنا ، سيَد لانغدون . أودَ أن أطرح عليك عدداً من الأسئلة الروتينية . أيَ يوم من الأيَام الأسبوع هو اليوم ؟" .
فكَر لانغدون للحظة ثَم أجاب : "أنه يوم السبت . أذكر أنَني كنت أسير اليوم في حرم الجامعة ... متوجَهاً لإلقاء سلسلة من المحاضرات بعض الظهيرة ثمَ ... هذا آخر ما أذكره. هل سقطت؟".
"سنتحدث عن ذلك لاحقاً. هل تعرف أين أنت؟".
حاول لانغدون أن يخمن . " هل أنا في مستشفى ماساتشوستس العامَ؟".
دوَنت د.بروكس ملاحظة أخرى . "هل ثمَة من علينا الاتَصال به؟ زوجة؟ أولاد؟".
أجاب لانغدون تلقائياً : "لا أحد" . لطالما استمتع بالوحدة والاستقلالية اللتين توفَرهما له حياة العزوبية التي اختارها ، مع أنَه يقرَ الآن أنَه يفضًل وجود وجخ مألوف إلى جانبه في هذا الظرف . "لدي بعض الزملاء الذين يمكنني الاتَصال بهم ، لكنَني بخير " .
أنهت د. بروكس الكتابة ، ثمَ اقترب الطبيب الأكبر سناً . سوَى حاجبيه المشعَثَين ، وأخرج من جيبه آله تسجيل صوتي صغيرة ، ثمَ عرضها على د.بروكس. فأومأت له والتفتت مجدَداً إلى مريضها .
"سيد لانغدون ، عندما وصلت الليلة ، كنت تتمتم بكلام ما مراراً وتكراراً". قم التفتت إلى د . مالكوني ، الذي حمل آلة التسجيل وضغط على أحد الأزرار .
بدأ الشريط يتحرَك ، وسمع لانغدون صوته المرتجف ، وهو يتمتم تكراراً بالجملة نفسها :
"Ve ... sorry. Ve ... sorry" .
قالت المرأة : "يبدو لي وكأنَك تقول : آسف جداً . آسف جداً"
وافقها لانغدون ، إلاَ أنَه لم يتذكَر .
رمقته د. بروكس بنظرة حادة . " هل لديك أيَ فكرة عن سبب قولك ذلك ؟ هل كنت تتأسَف على شيء معيَن؟"
بحث لانغدون في ظلام ذاكرته ، ولم يرَ سوى المرأة ذات الوشاح . كانت تقف على ضفَة نهر أحمر بلون الدم محاطة بالجثث والأجساد التي تلفظ أنفاسها الأخيرة . عادت إليه رائحة الموت ، وداهمه إحساس مفاجئ بالخطر ... ليس عليه فحسب ... بل على جميع الناس . تسارع طنين الآلات ، فتصلَبت عضلاته ، وحاول الجلوس .
وضعت د. بروكس يداً حازمة على صدره ، وأجبرته على الاستلقاء مجدَداً . ثمَ ألقت نظرة على الطبيب الملتحي الذي توجَه إلى طاولة مجاورة ، وبدأ يحضَر شيئاً .
انحنت د. بروكس فوق لانغدون وهمست قائلة : "سيد لانغدون ، القلق حالة شائعة مع إصابات الدماغ ، لكن عليك أن تبقي نبض قلبك بطيئاً . لا تتحرَك ، ولا تعرَض نفسك لأيَ إثارة ، بل تمدَد واسترح . ستون بخير ، وستسترجع ذاكرتك ببطء".
عاد الطبيب الآن حاملاً حقنة ، أعطاها لبروكس التي ضخَت محتوياتها في أنبوب المصل الموصول بذراع لانغدون .
شرحت له قائلة : "هذا مجرَد مهدَئ خفيف لتهدئة أعصابك ومساعدتك على تحمَل الألم ".
ثم وقفت لتخرج مضيفة : "ستكون بخير ، سيَد لانغدون . خذ قسطاً من النوم . وإن احتجت إلى أيَ شيء ، فاضغط على الزر المجاور لسريرك".
أطفأت المصباح ، ثمَ خرجت مع الطبيب الملتحي .
في الظلام ، شعر لانغدون بالدواء المخدَر يسري في جسده على الفور تقريباً ، ويعيده إلى تلك البئر العميقة التي خرج منها . قاوم هذا الإحساس ، وحاول أن يجير عينيه على البقاء مفتوحتين في ظلام غرفته . حاول الجلوس ، لكنَه شعر أنَ جسده ثقيل كالإسمنت .
بينما كان لانغدون يتقلَب ، وجد نفسه مجدَداً في مواجهة النافذة . بعدما انطفأ مصباح الغرفة ، اختفى انعكاس صورته عن الزجاج الداكن ، لتحلَ مكانه سماء مرصَعة بالنجوم في البعيد .
وسط محيط من الأبراج والقبب ، هيمنت واجهة ملكية واحدة على حقل لانغدون البصري . كان المبنى عبارة عن قلعة حجرية مهيبة ، مع سور مثلَمم وبرج يعلو ثلاثمائة قدم ، ثمَ ينتفخ عند قمته ، ويبرز إلى الخارج على شكل شرفة ضخمة ذات فرجات .
هبَ لانغدون جالساً على سريره ، فيما غزت الأوجاع رأسه . قاوم الألم المبرح وثبَت نظره على البرج .
كان لانغدون يعرف جيداً هذا البناء العائد إلى القرون الوسطى .
إنه فريد من نوعه في العالم .
مع الأسف ، كان يقع أيضاً على بعد أربعة آلاف ميل من ماساتشوستس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خارج النافذة ، وخلف ظلال فيا تورَيغالَي ، ترجَلت ارأة قوية البنية عن درَاجتها النارية من طراز بي إم دبليو من دون أيَ مجهود ، وتقدَمت بخطى سريعة مثل نمر يطارد فريسته .كانت نظراتها حادَة. برز شعرها القصير بتسريحة السبايكي من ياقة سترتها الجلدية السوداء المقلوبة إلى الأعلى . تحققت من سلاحها المزوَد بكاتم للصوت ، وحدَقت إلى نافذة غرفة لانغدون التي انطفأت أنوارها للتوَ.
في وقت سابق من هذه الليلة ، مُنيت مهمَتها الأصلية بفشل ذريع .
هديل حمامة واحدة غيَر كلَ شيء .
والآن عليها التصحيح الخطأ .

> إلى الفصل الثاني



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
إيان, الجحيم, براون, inferno, رواية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية " عديقي اليهودي" نص يعري الفكر الصهيوني من جذوره التوراتية ! شاهين ساحة الكتب 2 04-22-2019 02:41 AM
أفكار صادمة جداً في رواية " أديب في الجنة"! " شاهين حول الإيمان والفكر الحُر ☮ 10 05-27-2018 11:15 PM
عديقي اليهودي ! " رواية فكرية سياسية " محمود شاهين (1) شاهين ساحة الشعر و الأدب المكتوب 34 04-12-2018 03:59 PM
أسئلة الوجود في رواية " أديب في الجنة " رائد الحواري شاهين ساحة الشعر و الأدب المكتوب 0 01-22-2018 03:52 PM
"لعبة الهاتف".. رواية مثيرة كتبتها مراهقة وقرأها البالغون ابن دجلة الخير ساحة الشعر و الأدب المكتوب 3 03-29-2016 05:54 PM