شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 06-03-2020, 05:45 PM sakakini غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
sakakini
عضو جميل
 

sakakini is on a distinguished road
افتراضي الجنس و تطور المجتمعات - نظرة على كتاب جوزيف أونوين

كثيرا ما يظن المسلمون و المتدينون عموما حين يقضون الكثير من الوقت في البحث في كتب المفكرين و الفلاسفة و علماء الفيزياء الكونية و الطبيعيات و الكيمياء و علوم التطور و علماء الاجتماع و النفس عن أقوال يخرجونها غالبا عن سياقها لدعم عقائدهم الدينية من باب: و الحق ما شهدت به الأعداء، أو من باب لا تعايرني و لا أعايرك الهم طايلني و طايلك ، يغفلون كثيرا ان الحداثيين او العلمانيين او حتى الملحدين لا يقدسون مفكريهم و لا يخرجون عن أقوالهم و فهمهم و اجماعاتهم ، كما يفعل المتدينون بآلهتهم و بأنبياءهم و قديسيهم و بكتبهم المقدسة بل و بفقهائهم و أحبارهم وقساوستهم، بل هؤلاء العلمانيين الحداثيين الملحدين الزنادقة الكفرة البغيضين لا يقدسون حتى مبادئهم العلمية و الفكرية بل هم دائما في حركية جدلية تدفع لوضع كل شيء تحت مجهر النقد و البحث و أن كل يؤخذ من قوله و يرد ، بمن الا صاحب هذا المختبر.

و هكذا تجد المتدينين كثيرا ما يحتجون لك بقول أرسطو بضرورة العبودية او قول داروين بضرورة الحلقة المفقودة للتطور او قول فولتير بتسبب الالحاد في دمار المجتمعات او قول فرويد بانحطاط جنس المرأة او قول جون لوك بقتل الملحدين او قول هوبز بضرورة الاستبداد او قولة هيغل على غرار مالك بقتل ثلثي الامة لاستصلاح ثلثها الخ، و ما دروا ان العلوم انما اشترطت نقد كل المقدسات بالضبط لهذا، لانها تعلم ان حتى أذكى مفكريها ليس معصوما بل لا دليل على وجود اله او معصوم لحد الآن ليستثنى من النقد .

و في هذا السياق ياتي انتشار الاستشهاد بعالم الاجتماع التطوري و اختصاصي علم الأجناس البريطاني يوسف انوين، و كتابه الذي اشتهر مؤخرا على يد عالمة الاجتماع الألمانية جابرييل كوبي -و التي تحولت من النسوية الى الكاثوليكية بعد تجربة زواج فاشلة - و حاولت نشر مفاهميه بكل الاوساط الكاثولكية لتعزيز فكرة ان النموذج الكاثوليكي للزواج هو الوحيد الضامن لاستمرار المجتمعات الحضارية و تقدمها ، و عن الكاثوليكيين و الانجيليين نقلته بعناية الاوساط الاسلامية كذلك لكن مع اجتزاءات كثيرة حتى لا يصب ضد مصلحة النموذج الاسلامي للعائلة المخالف للنموذج الكاثوليكي .

و مع أن مواضيع و دراسات الجنس الاجتماعي و العلاقات الاجتماعية و الثقافية الناتجة عنه ما زالت تحبو لقلة الدراسات بهذا المجال و عدم استقلاليته بعد كفرع علمي متخصص ، و مع ذلك فان دراسات علم النفس الاجتماعي و علم الاجناس و المجتمعات البشرية اللاحقة قد تجاوزت بكثير النظرة التطورية الاجتماعية التي بشر بها أونوين كما تجاوزت كثيرا من نظريات الحلال و الحرام الجنسي عند فرويد ، فالتحول الكبير بنظريات التطور و الاكتشافات المتسارعة التي برهنت ان خطوط التطور البيولوجي و الوظيفي و على اساسها التطورات الاجتماعية لا تسير بمنحنى خطي مستقيم من البداوة بل و من الوحشية كما كانوا ينعتونها الى الحضارة المدنية الغربية على النهج الخلدوني كما تصوره معظم الاجتماعيين باوائل القرن العشرين ، ففي دراسات لاحقة لشبان الثورات المعرفية بحقبة الستينات و السبعينات كميشل فوكو و رولان بارت و توماس بيدلمان و روبرت براون و الذين جاؤوا بعد النقاشات الحادة بين مختلف المنظرين الاجتماعيين المشهورين بحقبة اونوين و بعدها ، كفرايزر و ريس و برود و موردوخ و مالينوسكي وويسترمارك ، و مع تراكم البيانات بأرشيف حقل العلاقات البشرية ، تبين ان التعقيدات الاجتماعية تنحو الى جعل عامل الانسجام الاجتماعي نفسه اساس التطور و التقدم بغض النظر عن قيود الحرام و الحلال بحد ذاتها ، فالقضية ليست نوع الحرام و الحلال كما يدعي اونوين و الذي قد يسلم له انه فعلا لحد الآن لا توجد مجتمعات لا تضع قيودا على العلاقات الجنسية ، بل ربط هذا الحلال و الحرام بتطور مفاهيم العقود الاجتماعية التي تشكل مفهوم الرضا و بالتالي تقلل من الكبت و القمع ، و بتطور مفاهيم المعرفة العلمية القياسية التي تعتمد اساسا لتحديد المصالح و المفاسد في المجتمع ، و هذا ما يفسر لماذا نجد مجتمعات متقدمة و متحضرة على اختلاف الزمان و المكان ، مع اختلاف القيود الجنسية عندها بل تناقضها احيانا فما تحرمه هذه تحله تلك ، الا ان يكون العامل الأساسي هو الانسجام و التناغم الاجتماعي ، و بالمجتمعات الحديثة هذا اصبح يعتمد كما قلنا كل مرة على ركيزة العلوم القياسية لتحديد الضرر و المصلحة و على ركيزة الرضا و الارادة و حق الاختيار لضمان احترام العقود الاجتماعية و بالتالي التقليل من الصراعات و الازمات.
بغض النظر ان النظرة النسبية للظواهر الجنسية و أثرها على العلاقات الاجتماعية و الثقافية ، تناقض تماما نظرة أونوين في صلبها الذي يجعل النموذج الاوروبي لبيئته حكما مطلقا و معيارا ثابتا يقيس به تطور المجتمعات ، فالأدهى في بداية انتشار كتابه بين حقول المدافعين عن قيود الشريعة الاسلامية بالسنوات الاخيرة و انتشاره كالنار في الهشيم بين المنتديات الثقافية و الاستشهاد به كرأي علمي اجتماعي حاسم على صلاحية النموذج الاسلامي للزواج و العلاقات الجنسية ، بل و تقديمه كالرأي الوحيد ، كل هذا بات مصحوبا بعملية خداع على الكتاب نفسه تم فيها اجتزاء الكثير من مفاهيم نظرية اونوين المناقضة لهذا النموذج الاسلامي.

فأونوين يجعل التحريم الجنسي الشامل كتبتل الرهبان عاملا مساعدا تماما للنموذج العائلي حيث ان كثيرا من الطاقة ستوجه للميدان العلمي و الفكري و الروحي من امثال هؤلاء المتبتلين وهو ما يناقض تحريمه في النموذج الاسلامي و التنصيص على ضرره و بطلان فائدته.
كما أن اونوين يجعل في نموذجه الزواج الفردي النموذج الاوحد الاصلح للتطور و التقدم و يجعل الزواج التعددي من طينة العلاقات الجنسية المبددة لطاقة المجتمعات و التي تؤدي لانحدارها ، وهو ما يناقض تماما مرة أخرى المفهوم الاسلامي الذي يصر على التعدد بل و يمدحه و يستحبه و يجعله من اعمدة سياسته الاجتماعية لتقوية المجتمعات الاسلامية و تحسين نسلها ، فضلا عن اباحة التسري و ملك اليمين بلا حدود .

كما أن أونوين يميل في تحليله لنماذج العلاقات قبل و ما بعد الزواج الى تأييد نجاعة القيود على الطلاق التي تصل لحد تحريمه بدعوى انها هي ما انتجت أسر مستقرة طويلة الأمد بمختلف الحضارات و هذا ما يناقض المفهوم الاسلامي و اليهودي في اباحة الطلاق بل جعله من الحلول الناجعة في حل الازمات الاسرية و الترغيب في الزواج المتكرر على مدى حياة كل فرد.

أما على المستوى العام فالقارئ لكتاب أونوين يستشف انه وضع قاعدة عامة أن المجتمعات التي لا تلتزم بالمحظورات و الحلال و الحرام الصارمة الذي فصله على ما قبل قبل الزواج و بعده يظهر أثرها سريعا و تولد الاحتقان الاجتماع و من ثم الانهيار بأجل أقصاه ثلاث اجيال ، وهو ما يناقض تماما كثيرا من التجارب التاريخية من ايام الساسانيين و الفايكينغ وصولا الى التجارب الحداثية التي كانت الممارسات الجنسية فيها اقل قيودا بكثير من الديانات الابراهيمية و مع ذلك استمرت الحضارات لقرون و ليس لاجيال فقط.

و هذا ما يؤدي بنا للنقد الاخير لكتاب أونوين بالمجمل ، اذ يلاحظ انه في اختياراته الثمانين للقبائل او الحضارات الست موضوع البحث ، ليس فقط يستبعد نماذج قبلية و حضارات كثيرة مناقضة لما سطره من النظريات بل بنفس ما اختاره يلاحظ تجنبه لكثير من عناصرها التاريخية و تعسفه في تأويل بعضها مما يناقض تماما نظريته ، ككلامه عن رفع القيود على التسري في الصين و جزمه انه لذلك عرفت الصين انهيارا تاما ، مع ان الامبراطورية الصينية لم تعرف أي انهيار من هذا القبيل كما يدعي طوال قرون الى غاية الغزو الياباني و الانقلاب الشيوعي.

و القصد أنه في مجال العلاقات الجنسية سواء ما تعلق منها بمؤسسة العائلة و الزواج و الطلاق و سن المسؤولية الجنسية و المثلية و التعدد و غيرها ، من المعيب فعلا ان يأتي أحدهم بكتاب معاصر لمفكر واحد ليجعله الأصل في هذا المجال مع كل التداخلات لمختلف تيارات العلوم في هذا الحقل المعقد ، فكيف بكتاب عامة نظرياته تم تجاوزها ، فيكون كالاستشهاد بمؤلفات علماء النفس و علم الاجناس في اوائل القرن العشرين التي نصت على صحة نظرية تفوق الأعراق او التي نصت على ان المثلية مرضا عضوي او نفسي او تشوه جيني ، و هي الاراء التي صدرت بدون أي دراسات استقرائية و تجريبية موسعة بل غالبا تحت تأثير الظروف المعرفية السياسية بوقتها ، و التغاضي ان الابحاث العلمية و السريرية و الجينية كذبت مع الوقت كل تلك الادعاءات و تطورت المناهج لتثبت العكس تماما و تبقى تلك الاراء شاذة في اوساط المجتمع العلمي و لا تروج الا بأمثال المنتديات اللاهوتية التي غالب روادها يبحثون عن أفيون اليقين لا دواء الشك.



  رد مع اقتباس
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ sakakini على المشاركة المفيدة:
القط الملحد (10-21-2020)
قديم 10-27-2020, 09:20 AM القط الملحد غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
القط الملحد
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية القط الملحد
 

القط الملحد is a jewel in the roughالقط الملحد is a jewel in the roughالقط الملحد is a jewel in the roughالقط الملحد is a jewel in the rough
افتراضي

مقال ممتاز لا ادري كيف فاتني في وقته
شكرا جزيلا لك و اتمنى عودتك الى المشاركة قريبا



:: توقيعي ::: ما أكتبه هنا يعبر عني فقط في لحظة كتابتي له،،

قناتي على تلغرام لكشف أوهام الإزعاج العلمي: https://t.me/NoI3jaz

اسألني ما تشاء من هنا: https://ask.fm/Aram903
  رد مع اقتباس
قديم 10-27-2020, 01:33 PM Jurist غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [3]
Jurist
موقوف
 

Jurist is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
حيث ان كثيرا من الطاقة ستوجه للميدان العلمي و الفكري و الروحي من امثال هؤلاء المتبتلين وهو ما يناقض تحريمه في النموذج الاسلامي و التنصيص على ضرره و بطلان فائدته.
بغض النظر عن مدى موافقة تلك النظرية الاجتماعية للاسلام. فهذه الجزئية بالذات لا تتعارض مع الفقه الإسلامي فإنه يجوز التبتل لهذا الغرض. و هذا المقصود من وصف يحيى عليه السلام بكونه حصور. ولهذا الغرض لم يتزوح ابن تيمية.



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
نظرة, أونوين, المجتمعات, الجنس, تطور, جوزيف, كتاب, على


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع