12-22-2018, 07:58 PM | رقم الموضوع : [1] |
باحث ومشرف عام
|
تأملات في المنطق البشري
يمكن قسم كل حكم عقلي إلى قسمين :
1- المنطلقات. 2- عملية الانتقال من المنطلقات إلى الحكم. المنطلقات هي التصورات العامة التي تؤسس الحكم و تؤطره، و قد يبدو الحكم بديهيا ضمنها رغم كونه خاطئا تماما خارجها. مثال1: إن انطلقنا من تصور مستو للعالم سيكون من البديهي أن الخطين إما أن يكونا متقاطعين أو متوازيين، و لكن إن انطلقنا من تصور فراغي للعالم فسيكون الحكم السابق خاطئا. مثال2: و إن انطلقنا من تصور الكون كما يبدو للعين البشرية من على الأرض فسنظن أن الأرض مسطحة و أنها مركز الكون الذي تدور حوله الأجرام السماوية و سيبدو ذلك بديهيا جدا، لكن إذا إنطلقنا من التصور العلمي الحديث سيبدو الحكم السابق ساذجا جدا. مثال3: إذا انطلقنا من حواسنا المجردة فسنظن أن الألوان موجودة بالفعل و لكن إن انطلقنا من الفيزياء فسنعلم أن الألوان ليست موجودة إلا في عقلنا و دماغنا يترجم الموجات الضوئية إلى ألوان. و سنكتشف أيضا أن الجسم الصلب أكثره فراغ (لأن الذرة أكثرها فراغ) و لكن قوى التنافر هي ما يمنعنا من ادخال يدنا في هذا الفراغ و يعكس الموجات الضوئية إلى عيوننا. إذا البديهيات ليست مطلقة، حسنا هل يعني هذا أن كل شيء نسبي و أنه البديهيات و المنطق شيء عبثي؟ في الحقيقة لا، و ذلك للأسباب التالية: 1- عملية الإنتقال من المنطلقات إلى الحكم هي واحدة في جميع الحالات. فالإنسان القديم رأى الأجرام السماوية تحيط بالأرض فاستنتج من ذلك أنها مركز الكون، و نحن اليوم لا نرى مشكلة في طريقة الانتقال من المقدمة إلى النتيجة، بل الخلل في تصوره للمقدمة التي انطلق منها. و هذا هو المعنى الأكاديمي للمنطق في الحقيقة : الانتقال الصحيح من المقدمات إلى النتائج. إذا المنطق المجرد ليس نسبيا ولا عبثيا. 2- نسبية البديهيات لا تعني عبثيتها، و لنأخذ مثلا موضوع الألوان، فرؤيتي للورد أحمر هي مسالة نسبية فالأحمر ليس سوى نمط معين من موجات الضوء، و دماغي مبرمج لكي يترجم تلك الموجات إلى اللون الأحمر، لكن حقيقة أن مثل هذا الدماغ سوف يرى الورد أحمر هي حقيقة مطلقة لا نسبية. اذا البديهيات مع كونها نسبية فإنها لا تخلو من بعض الإطلاق. و تزداد درجة الإطلاق فيها بزيادة دقة التصور الذي تنطلق منه. و يمكن استخلاص الحقائق المطلقة منها عبر ترجمتها إلى منطلق أشد دقة، فإذا علمنا مثلا أن اللون الأحمر يدل على نمط معين للموجات الضوئية، فعندئذ كلما رأينا جسما أحمر سنحكم حكما مطلقا بأنه يصدر تلك الموجات. و مما سبق نتوصل إلى النتيجة التالية : أن البديهيات صحيحة دائما ضمن إطار التصور الذي أدى إليها، و يمكن معاملتها ضمنه على أنها حقائق مطلقة، فإذا خرجنا إلى تصور أشمل فقدت قيمتها لصالح بديهيات جديدة. هذا يعني أنه للوصول للحقيقة يجب أولا بناء تصور صحيح للوجود. فما هو الطريق الصحيح لتحقيق ذلك ؟ قبل الإجابة علينا التذكير بأمر ما : إن للفلسفة ثلاث فروع: 1- مبحث المعرفة Epistemology و يبحث في القواعد الأولية للتفكير، أي كيفية الوصول إلى المعرفة، أي بلغة موضوعنا كيفية الإنتقال من المنطلقات إلى الأحكام. هذا المبحث مجرد عن المنطلقات و لذلك يمكن التقدم فيه بالمنطق النظري. 2- مبحث القيم Axiology و يبحث في القيم التي نكسبها على الأشياء، و بما أن القيم راجعة إلينا فنحن من نحدد التصور الذي سننطلق منه. إذا مشكلة المنطلقات ليست حاضرة هنا و يمكن هنا أيضا الاكتفاء المنطق النظري. 3- مبحث الوجود Ontology و هو يبحث في الماهية الحقيقية للوجود، لا كما تفهمه عقولنا بل كما هو كائن في الخارج. و كل الكلام السابق عن مشكلة المنطلقات إنما هو في هذا المبحث، و لا يكفي فيه المنطق النظري لأنه محكوم بالتصور الذي انطلق منه. إذا فلا سبيل إلا التجربة. يتبين لنا إذا أن سبيل الوصول إلى الحقيقة هو العلم التجريبي و ليست المنطق النظري. نعم المنطق النظري مهم لمعرفة كيفية الوصول إلى الحقيقة، أما تحقيق هذا الوصول فهو متروك للتجربة. و نأمل أن يتطور العلم يوما بما يكفي لتحقيق تصور دقيق تماما للوجود و عندئذ يمكن اتخاذه منطلقا لأحكام نظرية مطلقة. نستنتج إذا أن نقاش الملحد و المؤمن حول أصل الوجود لا فائدة منه فكلاهما ينطلق من تصور قاصر للكون و لن يكون للنقاش جدوى قبل تكوين تصور مكتمل. الموقف الأصح من هذا النقاش هو اللاأدرية أو اللاإكتراث و الإنصراف إلى العلم التجريبي أو مبحث المعرفة أو مبحث القيم. و أيضا يمكن اعتبار ما سبق تفنيدا للفكر التفكيكي العبثي البحت الذي لا يرى قيمة للمنطق البشري و بديهياته، و يستخدم الإشكالات الداخلية للمنطق (كمسألة نسبية المعرفة) من أجل ضربة من جذوره و تقديمه على أنه عبث، فقد بينا في ما سبق أن هناك مساحة آمنة لا توجد فيها مشكلة النسبوية و أن الحقائق النسبية ليست عبثا لأنها تنطوي على قدر معين من الإطلاق. و هذا كله يضرب فكرة النسبوية المطلقة التي تؤدي إلى العبثية. |
12-22-2018, 11:46 PM | رقم الموضوع : [2] |
باحث ومشرف عام
|
موضوع جميل هادف..
كإضافة الرياضيات والهندسة نعرف نتائجها سلفا بناءا على شروط المقدمات (وهذه خاصية العلوم النظرية) لكن في هذه العلوم لايوجد كيانات ثابتة اي مثلا 1 +1 =3 ..وهذا كمثال على كون الاعداد ليست ثوابت ففي هذا المثال الواحد لايشير الا الى البداية فقط وفي هذه الحالة (1 ) متغير يشير الى 1 ونصف هذا يوضع في تعريفات ومسلمات ومصادرات سابقه (كتوضيح على فكرة اكسيومية الرياضيات..)..فالارقام والاعداد عبارة عن متغيرات ولايوجد كيانات ثابتة او اعداد ثابتة ..وكذلك اي مقدمات هندسية نتائجها تلزم (بفكرة عدم التناقض) عن المقدمات الاساس .. لكن في الواقع نحن لانستطيع ان نجرد افكار ونقول ان هذا يلزم عن هذا..لأن في كل لحظة (بالنسبة لنا مثلا) يتغير الشيء واسماء اللغة احمر واصفر وانسان ليست الا رموز لتغيرات حادثة فليس هناك تطابق بين الأشياء (اي هذه الاسماء العامة غير متطابقة مع الواقع) ففي كل لحظة هناك تغير والبشر لايفسرون العالم كما هو انما يضعون القوانين التي تعينهم على الفهم ليس اكثر ..فعقول البشر وحواسهم محدودة والبشر جزء صغير من الكون فهم لايفهمون الا ما يمكن ان يفهموه فقط..لذلك فأي حكم في الواقع هو حكم احتمالي من باب اولى .. تحياتي |
12-23-2018, 12:19 AM | رقم الموضوع : [3] |
باحث ومشرف عام
|
العقل البشري له قدرة الفهم ، يوظف حواسه لتحليل ما تستطيع حواسه ادراكه ، والباقي يعوضه بافكار وصور خياليه ليضع حدا للتساؤل .
|
|
|
10-30-2019, 02:23 PM | رقم الموضوع : [4] |
عضو برونزي
|
تأملات قيمة موضوع جوهري
شكرا لك على الموضوع تحياتي,, |
07-09-2020, 06:16 PM | رقم الموضوع : [5] |
باحث ومشرف عام
|
للرفع
|
|
|
09-28-2020, 12:00 AM | رقم الموضوع : [6] |
عضو برونزي
|
موضوعاتك مهمة
لعل اهم سؤال يطرحه المثالي الشاك او المشكك.. هل لدي الآخرين عقول؟؟ انت تتعامل مع الواقع عبر ذهنك؛فكيف تثق أن للاخرين عقول تدرك ما تدركه؟ هذا سؤال يطرح.. تحياتي للمفكرين |
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ منقب على المشاركة المفيدة: | القط الملحد (09-28-2020) |
12-26-2020, 03:13 AM | رقم الموضوع : [7] |
عضو برونزي
|
لا نتيجه واضحه
موضوع جميل بطرح تسائلي بالنهايه
وايا عبيد ما كانك غزيت طيب لو حطينا انفسنا بهكذا نتائج ففنهايه نخرج مثل ما دخلنا لكن استنتج بانك لا ادري فقط تحياتي |
01-07-2021, 05:10 PM | رقم الموضوع : [8] | |
باحث ومشرف عام
|
اقتباس:
هل يمكن ان تشرح لي كيف يؤدي موضوعي الى نتيجة اننا لا ندري ؟ لان هذه النتيجة هي عكس ما احاول قوله، فانا احاول تعيين الحد الفاصل بين مجال معرفتنا و مجال عدم معرفتنا، و شكرا لك. |
|
|
||
01-18-2021, 05:12 PM | رقم الموضوع : [9] | |
زائر
|
اقتباس:
_هل تتحدث عن بدهيات عقلية؟ و تفترض ان البدهية العقلية متطورة و تتغير بتغير تصوراتنا_و غير ثابتة؟ هل تغير مثلا حكم العقل باستحالة اجتماع نقيضين؟ و لم تشر الي اراء راسل كمفكر ملحد مهم حول قاعدة التناقض و اراء هيوم حول قاعدة السببية. و هما اهم من كون تصورات الالحاد في العالم الغربي بعد كانط. كما ان قاعدتي التناقض و السببية في مقدمة البدهيات العقلية التي هي موضوع كلامك _الوجود ليس هو الكون فقط . هذه مشكلة المشاكل في جدل المؤمن و الملحد الذي نشاهده. ملاحظة عامة:الاعضاء هنا غير متابعين لتطورات حركة الفكر الفلسفي في الغرب. في موضوع سابق تم تحويله لمهاترات طرحت قضية العقل بين الفكر الفلسفي الاسلامي و الغربي الحداثوي و لم يرتقي المشاركون فيه الموضوع لمستوى الطرح بل لم يحاول احد منهم قراءته!لاسف إذا تاملنا كتابات جاك دريدا سنتفهم عمق الازمة الفكرية في الحداثة فهو هدم قيمة الحقيقة و النص و الانسان! بل حتي كتاب عرب طرحوا افكار تستحق التامل كعلي حرب في كتابه نقد الحقيقة كان عليك الاشارة لها اذا كنت تريد ان تستوعب اطراف الموضوع و في مسالة تصوراتنا عن الكون التي تطرحها؛فقد طرح هيدجر قضية اقترب فيها من الفكر الوجودي الشرقي الاسلامي هي بحث الوجود من حيث هو وجود و شكرا |
|
01-19-2021, 08:00 PM | رقم الموضوع : [10] | ||||
باحث ومشرف عام
|
اهلا و سهلا بك سيد شهاب
اقتباس:
"عملية الإنتقال من المنطلقات إلى الحكم هي واحدة في جميع الحالات. فالإنسان القديم رأى الأجرام السماوية تحيط بالأرض فاستنتج من ذلك أنها مركز الكون، و نحن اليوم لا نرى مشكلة في طريقة الانتقال من المقدمة إلى النتيجة، بل الخلل في تصوره للمقدمة التي انطلق منها. و هذا هو المعنى الأكاديمي للمنطق في الحقيقة : الانتقال الصحيح من المقدمات إلى النتائج. إذا المنطق المجرد ليس نسبيا ولا عبثيا" البديهيات المنطقية التجريدية (الأوليات العقلية) هذه لا شك في ثباتها. لكن كلمة بديهيات تستخدم بمعنى اوسع من ذلك، فمثلا الزمن المطلق هو بديهية بالنسبة لعقولنا و مع ذلك نقضته النظرية النسبية، و هذا يورث الخلط و يوهم المرء أن كل شيء متغير مهما بلغت درجة بديهيته. الهدف من الموضوع هو بيان ان ما يسمى بالبديهيات هي نفسها ليست على سوية واحدة و منها ما قد يتغير (و هي تلك المتعلقة بتصور محدد للعالم من حولنا) و منها ما هو ثابت (و هي تلك المتعلقة بعملية الانتقال العقلي بين الافكار أي البديهيات المنطقية التجريدية) و في هذا سد لثغرة في وجه من يريد التملص من البديهيات بالجملة. و كما قلت : "و أيضا يمكن اعتبار ما سبق تفنيدا للفكر التفكيكي العبثي البحت الذي لا يرى قيمة للمنطق البشري و بديهياته، و يستخدم الإشكالات الداخلية للمنطق (كمسألة نسبية المعرفة) من أجل ضربة من جذوره و تقديمه على أنه عبث، فقد بينا في ما سبق أن هناك مساحة آمنة لا توجد فيها مشكلة النسبوية و أن الحقائق النسبية ليست عبثا لأنها تنطوي على قدر معين من الإطلاق. و هذا كله يضرب فكرة النسبوية المطلقة التي تؤدي إلى العبثية" اقتباس:
اقتباس:
اقتباس:
|
||||
|
|||||
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدليلية (Tags) |
المنطق, البشري, تأملات |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
اسلوب عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هل الكائن البشري له ارادة حرة ؟؟؟؟؟ | ابن اوى | علم الأساطير و الأديان ♨ | 1 | 02-20-2018 12:59 PM |
ما الذي يميز الدماغ البشري ؟ | الأسطورة0 | في التطور و الحياة ☼ | 0 | 04-13-2017 09:23 PM |
ما هو المنطق؟ وما الفرق بين المنطق والفلسفة؟ وكيف يجتمعان؟ | Phoenix | حول الحِوارات الفلسفية ✎ | 11 | 08-11-2016 07:56 PM |
10 حقائق مذهلة عن الجسم البشري | ابن دجلة الخير | استراحة الأعضاء | 0 | 12-08-2015 06:50 PM |
خدعة تطور الجنين البشري | شهاب | في التطور و الحياة ☼ | 1 | 06-20-2014 04:30 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond