شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > مقالات من مُختلف الُغات ☈

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 06-09-2014, 11:12 AM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
Question لماذا إله واحد ؟!- نحن نخلق آلهتنا.



سامى لبيب


يتشدق ويفتخر مؤمنى الأديان الإبراهيمية بإيمانهم بإله واحد , ويعتبرون تلك الوحدانية إثبات لصحة وعيهم وإيمانهم عن هؤلاء الحمقى الذين يعبدون عدة آلهة , بل نجد تنافس غريب بين المعتقدين بوحدانية الإله عندما يسخر المسلمين من عقيدة الثالوث فى المسيحية بالرغم أن تابعيها يصرون على وحدانية الله - بل نجد فكرة وحدانية الإله تحظى بالإحترام والتقدير وسط النخب العلمانية كدليل على تقدم الوعى البشرى فنجد النخب المصرية تفتخر بإخناتون كأول مخترع لعقيدة التوحيد لتسود ميديا فى الثقافة الإنسانية أن فكرة الإله الواحد هى النهج القويم للإيمان والفكر الصحيح والمتقدم , ولا نعلم إذا كان إنقاص عدد الآلهة هو شئ جيد فلماذا يتوقف عددها عند الواحد .

"لا إله إلا الله" .. "الله واحد لا شريك له" .. "بإسم الآب والإبن والروح القدس إله واحد" .. هكذا ترتفع راية الإله الواحد على كل الرايات لتحظى بأكبر ميديا عرفتها البشرية , فمقولة "لا إله إلا الله واحد لا شريك له" هى عمود الإيمان بل حجر الزاوية الرئيسى فى المنظومة الإيمانية بالنسبة للأديان التوحيدية .

لن نخوض فى هذا البحث عن وجود الله من عدمه ولكن سنتوقف عند وحدانية الله ولماذا هو إله واحد , ولماذا لا تكون عدة آلهة أخرى, فما الذى يمنع من التعدد ؟! .. فمن حيث الدلائل الثبوتية لا يوجد أى دليل مادى ملموس يُثبت وجود إله أو عدة آلهة , فالإعتقاد بوجود إله واحد مُتفرد لا يتعدى الظن والإستنتاج فى أحسن الأحوال , كما أن تعدد الآلهة كفكرة مطروحة لا يوجد لها أيضا ً أى دليل ثبوتى يثبت وجودها لتتساوى مع فرضية الإله الواحد .. إذن من أين جاء رفض فكرة تواجد آلهة أخرى وعلى أى نهج تتكئ , ولماذا تم إختزال الآلهة فى إله واحد فقط هو الله فلا توجد أى دلائل قطعية وثبوتية تحقق ذلك وتمنحه اليقين .
الحقيقة أن المصدر الذى نفى تعدد الآلهة هو نفس المصدر الذى يروج لفكرة الإله واحد الذى لا شريك له .. فالأديان الإبراهيمية التى تروج لفكرة وحدانية الإله هى التى تنفى بشدة التعدد دون أن تقدم لنا شيئا يصوغ رفضها - فإذا كانت فكرة الإله نفسها غير مُثبتة فكيف تثبت إنفراده فكان حرياً بأتباع الإله الإبراهيمى أن يثبتوا وحدانيته فى سبيل إثبات وجوده كواحد مُتفرد لتقنع أتباع الإيمان بتعدد الآلهة ولكن الأمور لا تزيد فى كل الأحوال عن بناء من الفرضيات والظنون .

لن نحظى من النص الدينى على شئ يعطى قناعة بوجود الإله الواحد الذى لا شريك له سوى التقرير فالأديان التوحيدية تقرر بأنه إله واحد لنجد هذا الإلحاح فى الكثير من ثنايا النصوص المقدسة بالأديان الإبراهيمية - ففى القرآن ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)(النِّسَاء: 36) -( إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ)( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(الشُّورَى:11)، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإِخْلَاص:4)، : (فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا) (البَقَرَة: 22)- (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحَجّ: 62)

وفى الكتاب المقدس "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (سفر التثنية 6: 4؛ إنجيل مرقس 12: 29)"فيعرف جميع الامم انك انت الاله وليس اخر سواك" (سفر يهوديت 9: 19)"ليس اله الا انت المعتني بالجميع " (سفر الحكمة 12: 13)"أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ" (سفر إشعياء 43: 11)"واحد هو حكيم عظيم المهابة جالس على عرشه" (سفر يشوع 1: 8)"عَظِيمٌ أَنْتَ وَصَانِعٌ عَجَائِبَ. أَنْتَ اللهُ وَحْدَكَ" (سفر المزامير 86: 10)"إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 4: 6).

اليهودية أول المعتقدات الإبراهيمية التى روجت للوحدانية ورغماً عن ذلك لم نحظى على طول التوارة وعرضها لماذا هو واحد أى لم تقدم لنا ما يثبت وحدانيته سوى التقرير بذلك بل نعثر على نصوص تُلمح بوجود آلهة أخرى وتحذير الإله يهوه لأتباعه العبرانيين بالسجود لها والتعاطى مع قرابينها وذبائحها , كما نحظى أيضا على رؤية غريبة عن إله واحد لا يقبل البشر خارج نسل يعقوب وإسحاق ولا سبيل للإلتحاق بهذا النسل المبارك أى إله واحد ملاكى .!! .. أماالمسيحية فهى تقر أيضا بوحدانية الله ولكنها غرقت فى أن تظهر بأن له طبيعة ثالوثية فى ذاته دون أن تقدم لنا أى دليل على وحدانيته أو ثالوثه .

القرآن إهتم إهتمام بالغ بذكر وحدانية الله وتفرده ولعل هذا يرجع لشيوع تعدد الإلهة فى الجزيرة العربية كوضعية مناهضة للمشروع الوليد لذا ستجد فى القرآن إلحاح شديد لا يعرف الملل بذكر وتأكيد وحدانية الله وتفرده ... ويمكن إعتبار القرآن الكتاب الوحيد الذى حاول أن يقدم حجة منطقية تثبت وحدانية الله بلا شريك له ولكن هذه الحجة يمكن التعاطى معها فدعونا نتناولها ...
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) {الأنبياء:22(.
يقول القرطبى فى تفسيره لهذه الآية:" لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله معبودون لفسدتا.
وقال الفراء: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها.
وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير، لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا.
وقيل معنى: لَفَسَدَتَا ـ أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء.
قال القرطبي: والمعنى: لو كانت معه آلهة لانفرد كل إله بخلقه ـ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ـ أي ولغالب وطلب القوي الضعيف كالعادة بين الملوك، وكان الضعيف المغلوب لا يستحق الإلهية.
وقال ابن كثير: أي: لو قُدِّر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فما كان ينتظم الوجود.
نلاحظ أن التفسيرات جاءت كإجتهادات من الأئمة فالآية " لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا " لم تنبئ عما فى داخلها لمعنى الفساد ولكن سنعتمد على تفسيرهم لنبنى عليه نقدنا

بداية-الفساد الناتج من تعدد الآلهة هو فرضي ظني متعسف فى طرحه فلماذا لا نفترض وجود علاقات ذات طبيعة خاصة فهذا الأمر يدور فى عالم غيرعالمنا الأرضى أى له نظامه الخاص وعلاقاته الخاصة ومنطقه الخاص ومن الخطأ تصور أن عالم الآلهة ذات الوجود اللامادى يخضع لنفس منطقنا ورؤيتنا المادية لذا يكون منطق النزاع ليس بالضرورة قائماً .
المؤمنون يعربون دوماً عن جهلهم بذات الله وكينونته , لذا تكون المنظومة الإلهية أو المنظومات الإلهية مغايرة بالضرورة فى طبيعتها وعلاقاتها عن رؤيتنا فلا نستطيع ان نقول انهم فى حالة من العراك أو السلام لأننا هنا نسقط منطقنا البشرى ليثبت أنسنة فكرة الآلهة فقد أسقطنا مفاهيمنا ووعينا الإنسانى من حيث النزاع والصراع على عالم الآلهة .

إذا تم إفتراض وجود علاقات بين الآلهة قريبة من منظومتنا فلماذا تم إفتراض حتمية الخلاف والصراع فما المانع أن يحدث وئام وتكامل وإكتمال بين الآلهة -لماذا نظن أن الآلهة فى حالة عراك وصدام , لماذا لا يكون بينهم صيغة تعاون وليس صراع فمن أعطى المفسرين أن هكذا ستكون العلاقة بين الآلهة ستكون قائمة .
لو إعتبرنا الصراع جدلاً متواجداً فلا يوجد ما يعيبه فالوجود يقوم على الصراع فلماذا إعتبار فكرة الصراع ستؤدى للفساد .!..فالحياة والوجود قائم على الصراع بل إنعدام الصراع ينفى الوجود , فالصراع سمة الوجود بالضرورة فما الذى يزعج عند صراع الآلهة لتمضى الأمور كما مضت مسيرة الإنسان , ولا ننسى أن لدينا نموذج الشيطان فى الميثولوجيا الدينية قريب التشابه من هذه القضية حيث أنه قطب من أقطاب الصراع ولم يختل الوجود .

فكرة الصراع والتصادم بين الآلهة هى فكرة إنسان قديم هكذا كانت رؤيته ودرجة وعيه فى التعاطى مع الحياة والوجود فهو يتصور أنه لا قائمة للحياة فى حضور التنوع ليسقط رؤية صراع زعماء القبائل وحتمية تفرد زعيم على العالم اللاورائى وقد عبرت التفسيرات المختلفة عن هذه الرؤية وخصوصا تفسير القرطبى الذى ذكر " وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ـ أي ولغالب وطلب القوي الضعيف كالعادة بين الملوك، وكان الضعيف المغلوب لا يستحق الإلوهية" .. هذا الفهم نجده فى مفهوم البسطاء بأن التناحر قائم بين البلطجية للهيمنة على القرية البائسة فلابد من التناحر لسيادة الفتوة الأقوى ولا يعلمون أننا نعيش الحياة وقد إتفق الزعماء واللصوص والبلطحية أن يتصارعوا و يحتدوا ويتطاحنوا ولكن لا يصلوا لحالة الإنعدام .. ففى كل الأحوال لا ينعدم الأضعف .
فكرة الصراع المحتوم هو إسقاط لمفهومنا كبشر على فكرة الإلهة والذى يثبت بشريتها تصور الإنسان بأن الآلهة مثله تمارس نهج وسلوك كنهجه فى التنازع والتصادم بينما المُفترض وفقاً لمفهوم الألوهية أن الآلهة أصحاب وجود مُفارق فلهم منطقهم ونهجهم ونظامهم المغاير تماماً لنهجنا وإلا ما كانوا آلهة .. وهذا يثبت أننا نخلق آلهتنا كما نريد ونمنحها نهجنا وسلوكنا وتصرفاتنا .

المتكلمون يحاولون أن يمنطقوا الأشياء ليجدوا سبباً يجعل الإله منفرداً واحداً , فالتفسيرات لم تسعفهم لذا عليهم إختلاق حجة تبرر وحدانية الله فيقولون : لو كان مع الله شريك فيوجد هنالك إحتمالان إما أن يكون احداهما اقوى من الثاني فيكون هو الأجدر بالألوهية , والإحتمال الثانى اما ان يكونا متماثلين في الألوهية تماما .. فهنا إما أن يتفقا على التدابير او يختلفا فيما بينهم فان اتفقا على سبيل التعاون لم يصلحا للالوهية وذلك لعجز كل منهما واحتياجه للآخر فالحاجة دليل الضعف والله مطلق الكمال - وإن اختلفا فأراد أحدهما امراً لايريده الاخر فيكون هناك اجتماع ضدين ولو نفذت رغبت احداهما دون الاخر كان الذي نفذت ارادته هو الاله دون الثاني .

هذا الكلام يرونه منطق فالإحتمال الأول والذى يرى أن هناك إله أقوى من الثانى ليكون الجدير بالألوهية لنقول هنا ما المانع أن يكون هناك إله أقوى من الثانى فهذا لن ينفى بالضرورة ألوهية الضعيف ووجوده , فأمريكا أقوى من إيران والإثنان متواجدان فليس معنى وجود القوى إنعدام الضعيف ... أما الإحتمال الثانى وهو أن تماثلهما فى الألوهية وإتفاقهما على التدابير لا يصلحا للألوهية فالحاجة دليل ضعف والله كامل - فهنا نحن أمام عملية خلط غريبة فلو كانوا متماثلين فى الألوهية فسيتفقا معا ويختلفا معا اى ستتماثل القرارات لنكون أمام حالة تشبه الإستنساخ فما المشكلة , فهل هذا التوافق شئ مذموم !! .. هم يرونه حاجة كدليل ضعف تنتقص من الكمال لنسأل ألا توجد ملائكة لخدمة الله فألا يعنى وجودهم دليل حاجة فإذا كان الله كاملاً فلن يحتاج لفعل الملائكة بل قل ان الكمال فى مفهومه المطلق لن يجعل الإله يخلق أصلاً .!
طالما الآلهة فى عالم آخر غير عالمنا لهم نظامهم الخاص فلماذا لا نعتبر الآلهة تجد كمالها فى توافقها أى حتمية وجود إله يكتمل بإندماجه فى إله آخر كالعلاقة بين الرجل والمرأة ليجد الرجل إكتماله بالمرأة ... ثم الكمال الذى يفترضونه جعل الله لديه غاية بطلب العبادة .. فإذا كنا قبلنا هذا الأمر فلما لا نقبل أن كمال الآلهة هى فى تواجدها وتوافقها هذا إذا أدخلنا فرضية الكمال فى المعادلة .

الجزئية الأخيرة هى حالة تماثل الآلهة فى الألوهية مع إختلافهما فيكون الإله هو الذى يستطيع فرض رغبته على الطرف الآخر وهنا فرضية غريبة ترى الإختلاف يعنى الصراع بإنعدام الآخر ولكنهم لا يستطيعون أن يؤكدوا أن سيادة إله وتنفيذ أوامره يعنى إنتهاء الإله الآخر من الوجود أو فقده ألهويته فهو متواجد ولكن ذو ألوهية صغيرة يستعد لجولة أخرى من الصراع على أمل أن تكون له الغلبة - لماذا لا نفترض وجود دورات للآلهة فى الزعامة فهذا لا ينفى التعدد وبالطبع لن يمنح التفرد .

مشهد آخر يفند ذلك النزاع الذي يرونه حادثاً فى حال تعدد الآلهة وكأننا امام مجموعة من الفتوات - أن الله حسب الأسطورة الميثولوجية الخاصة بالشيطان سمح بحركة وفعل ووجود الشيطان كقوى مناهضة له تعمل فى حرية وفى مجال سيادته على البشر .. بل يمكن إعتبار هذه الميثولوجيا المقتبسة من الميثولوجيات القديمة بوجود إله للخير وإله للشر دليل قوى على فكرة وجود تعدد الآلهة فالله له سلطاته الخيرة والشيطان له سلطاته الشريرة يمارسونها بحرية تامة , فما المانع من وجود آلهة أخرى تعمل تحت سيادة الله أو فى وحدة تكاملية مندمجة معه أو تنازعه فلا يلغى صراعهم أو تكاملهم وجودهم وألهويتهم .. منطقهم هذا الذى يختلقوه لم يسعف فكرة الإله الواحد لنجد أنفسنا امام فكر بشرى يفضح نفسه مسقطاً سلوكه ومنهجه الفكرى على الآلهة وكما قلنا أنه منهج خاطئ فى التفكير لأن الإلهة فرضاً وجدلاً فى حال وجودها لن تتعامل بمنطقنا فلها عالمها الخاص وإلا ما كانت آلهة .

إن مفهوم القدرة الإلهية المطلقة تمنح فكرة تعدد الآلهة القبول , فلا يوجد مستحيل فى تواجد آلهة والقدرة على التعاطى معها فالقدرة المطلقة هنا لن تستصعب أى وضعية للتعامل مع وجود آلهة أخرى كما لم تستصعب وجود الشيطان كقوى متمردة مستقلة فى الميثولوجيا المعتمدة حالياً.

آية أخرى يقال أنها تعنى بتقديم حجة عن الله ووحدانيته : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ سورة البقرة(258(
هذه حجة أخرى يعرضها القرآن لإثبات الإله الواحد ولكنها غريبة وتتسم بالمنطق المقلوب هذا إذا أمكن أن نعتبرها منطق تجاوزاً .. فنحن أمام مناظرة بين إبراهيم أبو الأنبياء مع النمرود ولكن هل يوجد فيها أى شئ يعطيها صفة الحجة فهى تتسم بالمراوغة ومن الخطأ أن نعتبرها منطق يُعتد به - فإبراهيم يحاجى النمرود فيقول له أن الله يأتى بالشمس من المشرق فآتى بها من المغرب والطريف أن نمرود الكافر الساذج بُهت .!!
يتكئ إبراهيم على ظاهرة طبيعية واضحة للعيان كشروق الشمس فينسبها إلى الله ويطالب النمرود سواء هو أو بمعونة آلهته أن يأتى بالشمس من المغرب فهذا القول يتسم بالطرافة والغرابة فماذا لو نسب النمرود لذاته أو لآلهته أنها المسئولة عن شروق الشمس من مشرقها وطالب إبراهيم أن يجعل إلهه يأتى بها من مغربها . فماذا ستكون حجة إبراهيم .؟!
المفروض من يحاجى أن يثبت قدرات إلهه الخارقة فيقول إبراهيم لنمرود مثلاً بأن الله هو الذى يشرق الشمس من مشرقها وفى الغد سيجعلها تشرق من مغربها فهل أنت أو إلهك قادر على الإتيان بمثل هذا .. لكن أن يثبت وجود الإله من خلال مشاهدات ينسبها له كأنه يحى ويميت ويشرق الشمس من مشرقها ويسقط الأمطار من السماء ويخرج الزرع من الأرض فهذا يعنى أن أى مُخرف قادر من اليوم على خلق فكرة إله لينسب له كل مافى الوجود من ظواهر معتادة ويطالب من يناهضه ويخالف إدعاءه ان يأتى بعكسها ! .

فكرة تعدد الآلهة أقل تناقضاً من فكرة الإله الواحد المتفرد فهى تحل إشكاليات وتمررها بشكل أقل تناقض بينما تقع الفكرة الوحدانية فى مشاكل كثيرة ومن ضمنها تناقض الجمع بين الخير والشر فى الذات الإلهية الواحدة وهو ما دفع أبيقور بالقول : هل يريد الله ان يمنع الشر , لكنه لا يقدر حينئذ هو ليس كلى القدرة !!
هل يقدر , لكنه لا يريد ؟حينئذ هو شرير !!
هل يقدر ويريد ؟فمن اين يأتى الشر اذن ؟
هل هو لا يقدر ولا يريد؟فلماذا نطلق عليه الله اذن؟
فكرة التعدد ستسعف هذه الإشكالية بخلق إله للشر وإله للخير فتفسر تواجد الضدين .

ماهى إشكالية التعدد فى هذا المنظور الميتافزيقى ؟!.. فالتعدد طبيعة الوجود لتعطى قبول للأشياء بل تعرفها وتحدد ماهيتها , فتعدد الوظائف والقوى ليس بالشئ البغيض ولا يعنى بالضرورة الخلاف والإحتدام وحتى الصراع فى أوج إحتدامه لا يعنى إلغاء وجود ... الإنسان لم يتقدم ويتطور بشكل هائل إلا فى وجود التنوع والقدرة على تطويعه للتطور لنجد صيغ رائعة من التعدد والتخصص بدون أن تصاب الأمور بالخلل والتطاحن بل بالثراء والتكامل والتعاون فهناك إحترام لتخصص المهندس والطبيب والحقوقى فليس مطلوب من كل إنسان أن تجتمع فيه كل المعرفة , فمهنة الطب مثلا تحتوى على العشرات من التخصصات المختلفة فإذا ذهب المرء لطبيب طالبا العلاج ليجد داءه خارج إطار تخصصه فلن يخجل الطبيب من تحويله إلى الفرع المختص بل هناك أطباء يحيلون المرضى فى نفس تخصصهم إلى أطباء أكثر خبرة ودراية وإمكانيات كما يحدث فى إيفاد المرضى لمستشفيات لندن وباريس لتتم الأمور بسلاسة و بهارمونى رائع - فما المانع أن نجد إله للبيولوجيا والكيمياء العضوية وإله للفيزياء مثلا ً .
سيعترض البعض أنهم تعودوا على الإله بتاع كله وأن التخصص والتنوع سينتقص من الإله بالضرورة .. ونقول ما المانع أيضا أن يكون الإله مكتمل فى جزئية واحدة فقط ومن أين لهم إثبات أن الكمال الكلى يعنى الشمولية .. أعتقد أن هذا لن يعترض مع رؤيتهم للكمال عندما يقبلون بفكرة إله كامل قبل الخلق أى أنه كان عادلا وغفوراً الخ قبل وجود الانسان ! أو أن خلقه للمشوه لا ينال من كماله بحكم انه احسن الخالقين !- أو أن غايته وطلبه للعبادة لا تنتقص من كماله ! - أو سماحه بوجود الشيطان جائزاً.!

فكرة الإله الواحد ليست رؤية عقلانية منطقية راودت الإنسان ولا هى بالطبع رؤية إلهية تم تصديرها إلينا بدليل أنها لم تخرج عن الإقرار والتقرير دون أن تقدم دليل ثبوتى أو حجة عقلانية يعتد بها .. فكرة التوحيد نشأت فى المجتمعات الإنسانية كرغبة فى توحيد الجماعات البشرية تحت راية إله واحد .. أى السعى نحو إنشاء البنية الأساسية للدولة الشمولية لتحقيق مشاريع سياسية وإجتماعية تأمل فى التحقق , ولن تنال مُرادها من تفتت الجماعات البشرية فى ولاءات وهويات متعددة - فالإيمان بالإله فى المجتمعات القديمة كان يمثابة تحديد هوية الجماعة البشرية وإنتمائها الإجتماعى والسياسى , فالإله والطقس هو بصمتها ليجمعها ويميزها عن الجماعات البشرية الأخرى ,لتكون فكرة الإله الواحد هو بمثابة فرض نموذج وهوية إجتماعية واحدة للجماعات البشرية نحو التوجه للمركزية وتحقيق مصالحها بشكل أقوى وأكثر تأثيراً , ونرى هذا الأمر واضحا فى اليهودية حيث الإيمان بيهوه الإله الواحد كتوحيد القبائل العبرانية لتحقيق حلم الأرض الموعودة كفكرة تأمل فى إيجاد موطأ قدم ووجود تحت الشمس ورفضها للآلهة الأخرى كحالة عداء للمشاريع الإجتماعية المجاورة .. كما يظهر هذا الأمر أكثر وضوحاً فى الإسلام حيث الجزيرة العربية ذات تعدد ولاءات لآلهة تعبر عن إنتماءات قبلية متعددة لتأتى عبقرية نبى الإسلام فى طرح مشروع التوحيد وفكرة الإله الواحد كراية تجمع كل الولاءات والإنتماءات فى إنتماء واحد نحو توحيد القبائل وخلق تواجد سياسى يعتد به وسط الكبار فلو لم يكن هذا السبيل لكان التهمييش والإنقراض هو البديل .

إرتباط الدين بالسياسة هو إرتباط حتمي وجدلى حيث أن الإله كان يتخذ شكل الملك كرمز للقوة والسلطة لنحظى فى التاريخ بعد عبادة الإسلاف بالملك الإله والإله الملك ..فالملك سليل الآلهة أو الحامل نفحتها وروحها ليحظى تحت تأثير القوة المرغوبة والمُهابة لدى الأتباع على الحضور والهيمنة .
فكرة الإله الواحد لم تولد من رحم دولة موحدة سياسياً بل هى السبيل نحو الدولة المركزية والموحدة كما صاغتها اليهودية والإسلام فمن رحم القبيلة وعلى يد زعامات إمتلكت الرؤية والكاريزما إستطاع موسى ومحمد بناء لبنة الدولة ولم يتم هذا التوحيد إلا بتهمييش وإقصاء كافة الآلهة لفتح المجال أمام ظهورالإله الواحد المتفرد كرمز وحيد للبنيان الإجتماعى ليصبح وجود آلهة أخرى هو إفتئات وتقويض للمشروع السياسى المأمول , لذا نجد أن الأديان صاحبة فكرة الإله الواحد تلح وتصر على تلك الفكرة لتمارس الحروب فى سبيل تفرد إلهها وهى لا تندفع فى هذا المنحى من وراء فكرة بل من خلال مشروع سياسى طوع الفكرة لخدمة مشروعه أو فلنقل أن المشروع أبدع الفكرة وسخرها ... لذا تُعتبر راية الإله الواحد الذى لا شريك له هى القضية المحورية فى المشروع الإسلامى الوحدوى ولا سبيل للتفاوض حولها لتتم غزوات وحروب لإجبار المشركين والوثنيين على الإنطواء تحت راية هذا المشروع , وهذا يفسر لنا لماذا كان الإيمان بالله الإسلامى الواحد حاداً لم يسمح بوجود أى آلهة أخرى على الساحة كما إعتادت جزيرة العرب فى سبيل محو كل الإنتماءات التى تحول عن مشروع الوحدة .

* فكرة تنتج بذور الإستبداد .
لا توجد فكرة فى الوجود جاءت هكذا بدون غاية تطلبها لتكون الفكرة ترجمة لغايات ومصالح يُراد تحقيقها وفكرة الإله الواحد لن تخرج عن هذا الإطار لتحقق مشروع وحدة سياسية لجماعات بشرية متعددة الولاءات فى كيان واحد كما سبق أن أشرنا لذا فهى فكرة تحمل مضمون وغاية تتلمسها مفرداتها من الإستبداد والقوة والإحتكار .
الفكرة تنتقل بكل ظلالها عبر التناقل والموروث والتراث لتسقط حمولتها على الواقع وتشكل المناخ والثقافة والوعى لتسرى فى شرايين المجتمع لنجد أن فكرة الإله الواحد تصبغ أتباعها بالرضوخ للإستبداد والهيمنة لنحظى على شعوب خاضعة خانعة متخلفة كنتاج حقيقى لهيمنة الفكرة وسريانها فى الشرايين .

فكرة وحدانية الإله تدفع للجمود و التصلب وضيق الأفق ففكرة الإله الواحد وفق الميثولوجيا الدينية تعنى التفرد والهيمنة والقوة ,فالإله مستقل فى قراراته لا يتشاور مع أحد , لا يراجعه احد في تصرفاته , متصرفا فى كل مفردة وجودية بالكون كما يحلو له بدون حسيب أو رقيب أو منازع ليمتلك أيضا كل المصائر والأقدار لتصيب هذه الوضعية المؤمن بحالة من الرضوخ أمام مفهوم القوة والتسلط ممزوجاً بالرضا والقداسة ليتم إسقاط هذا النهج على علاقات حاضرة لتتأسس مفاهيم الإستبداد كبذور يمكن أن يستعيرها أى طاغية ويسقطها على جمهور لديه ثقافة إحترام التفرد والهيمنة من خلال المقدس , فلا يوجد غضاضة فى قبول مستبدين جدد .
تتسلل هذه الفكرة الوحدانية فى العمق الإنسانى من حيث المعنى فتولد بشكل لا واعى الأمل فى أن يكون الإنسان إلها حيث القوة والعظمة والمجد ليأمل ان يكون بلا حسيب ولا رقيب فيصيبه الضجر من تدخل أحد فى قراراته ومراجعة تصرفاته لنحظى على مستبدين فى كل مناحى الحياة تمارس سطوتها لكل من يمتلك السلطة على من تطوله يده فيستبد الرجال بالأطفال والنساء ,وتتسع الدوائر إلى سلطوية الحاكم على المحكومين لتأتى بذور الإستبداد ثمارها لنحظى على قوافل من المستبدين فى كل مكان والجمهور القادر على إستيعابهم .
الإيمان بفكرة إله واحد متفرد لها تداعيات أخرى فى نفسية وذهنية المؤمن بها لنجده يميل للتزمت والتعصب تجاه أفكاره فهو يعتقد بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة بتفرد إلهه ووحدانيته ليكون كل من يخالف هذا التصور إما جاهل أو كافر لا يستحق سوى الإزدراء أو الشفقة كونه غبى أحمق .. لتمتد هذه النظرة الأحادية الحادة فى كافة مناحى الحياة لتسقط على قضايانا الحياتية لنجد معاملات تتسم بالحدة والعصبية فى تناول الأفكار كما يحدث فى حوارتنا - كما نجد حضور فكرة التفرد فى المجتمع لتمارس ملاحقة أفكار وسلوك البشر فى محاولة التطفل ودس الأنوف والهيمنة مثل نهج الإله الذى يتلصص على البشر ويراقبهم لتمتد الفكرة بظلالها على كافة مناحى الحياة لتميل الشعوب المؤمنة بفكرة الإله الواحد نحو التطفل على سلوكيات الآخرين والتلصص على إيمانهم وأخبارهم وحرياتهم بينما ينعدم هذا النهج فى الشعوب التى تخلصت من فكرة الإله المهيمن .

فكرة الإله الواحد المُتفرد تنحو أيضا نحو القطبية الواحدة لتجعل كل الأسئلة ذات إجابة واحدة متعسفة وكل المشاكل لها حل أحادة و كل شيء ذو أصل واحد فالمؤمن بفكرة الإله الواحد يرى العالم كله بصبغة واحد - لهذا السبب كانت الحضارات القديمة الوثنية ذات التعدد أكثر حضارة وإنفتاح من الديانات التوحيدية اللاحقة .
بالطبع هى ليست دعوة لتعدد الآلهة ولكن هو تلمس ظلال الفكرة وحضورها فى الواقع لتمارس إنتهاكها لإنسانيتنا

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
إله, آلهتنا, لماذا, أين, نخلق, واحد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دين واحد ،، معتقد واحد ،، هو من شوه كل شيء لـآ تسألوني عنه ! المنهج التجريبي العلمي مواضيع مُثبتةْ 2482 02-14-2020 06:59 PM
لماذا نفترض خالق واحد كولومبو حول الحِوارات الفلسفية ✎ 15 09-29-2016 02:32 PM
دين واحد ،، معتقد واحد ،، هو من شوه كل شيء لـآ تسألوني عنه ! المنهج التجريبي العلمي العقيدة الاسلامية ☪ 581 09-21-2014 09:38 PM
العشوائية والمعنى– نحن من نخلق المعنى. ترنيمه مقالات من مُختلف الُغات ☈ 2 08-28-2014 12:13 AM
آلهة فاسدة أخلاقيا– نحن نخلق آلهتنا. ترنيمه مقالات من مُختلف الُغات ☈ 0 06-10-2014 11:13 AM