شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في الإلحاد > ساحة الترجمة ✍

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 12-27-2015, 09:55 AM فينيق غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
فينيق
عضو ذهبي
الصورة الرمزية فينيق
 

فينيق is on a distinguished road
افتراضي مدخل { غير شامل } نحو دراسة علمية للدين / الجزء الرابع




تكون دراسة السلوك البشريّ، علمياً، صعبة على الدوام، وبهذا السياق يأتي تحليل الظاهرة الدينية، تلك الظاهرة التي ساهمت، في الغالب، بين عوامل أخرى، بالتأثير وصياغة النفسيّة الفرديّة كما السلوك الإجتماعيّ لنوعنا الحيّ. كذلك وبخلاف جوانب أخرى أو سلوكيّات بشرية، جرى اعتبار العقائد، تاريخياً، بوصفها عنصر لا يمكن الوصول لكنهه كليّاً من قبل المعرفة العلميّة، وحتى في الوقت الراهن، تصطدم كل محاولة دراسة لها بالإيديولوجية والكهنوت الديني، والذي يُبخس المناهج العلمية حقها ويخشى نتائجها غير المريحة والمتأتِّية من دراسة عقلية لسلوك غير عقليّ، حيث يمكن أن تبيّن بوضوح الأسباب الحقيقية للإيمان بعيداً عن تبريرات الرضى الذاتيّ للمؤمنين!


سأقدّم بهذا الجزء وجهة نظر تطال إمكانيّة لعب الدين لدور تكيفي محتمل، على الرغم من أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن كل تلك التفسيرات التطوريّة، التي قد تبدو مستبعدة لبعضها البعض بالتبادل، فهي برزت في بعض أو في العديد من لحظات العلاقة الطويلة للبشر مع العقائد فوق الطبيعيّة، والتي تطورت ككل سلوك، وتغيرت بطول آلاف الأعوام بذات السرعة تقريباً مع الواقع المتنوع والمعقّد، كلّ مرة أكثر، في المحيط البيئي والاجتماعي لنوعنا الحيّ.


يُشكّل الدماغ البشريّ آلة تفكير معقدة، متكيّف تطورياً لأجل البحث عن نماذج والعثور على تفسيرات على وجه الخصوص، بطريقة تجعل دماغنا عند نقص الاستجابة المُرضية، وبخلاف الحاسب الأعظم Multivac بقصّة " السؤال الأخير " الرائعة للعبقري إسحق عظيموف، لا يتوقّف عن انتظار الحصول على معلومات أكثر دوماً. وهذا ما لم يحدث مع أسلافنا أشباه البشر، الذين امتلكوا حظوظ أقلّ بالبقاء على قيد الحياة بمواجهة الظروف الطبيعية. بالتالي، في بيئات مجهولة أو يمكن التنبُّؤ بظروفها بصورة ضعيفة، يتوخى الدماغ ابتكار " تفسيرات " تسمح له بالمضي للأمام، وبمراجعة تاريخنا التطوريّ وكيف توزعنا بكل أرجاء كوكب الأرض { وهذا ما لم يحدث مع الأسلاف } سنفهم دور الدماغ جيداً. وهنا تتجلى السلوكيات حيال ما هو مجهول، حيث لعبت العقائد الإيمانيّة دوراً هاماً على ما يبدو.


خلال عمله الميداني خلال الحرب العالميّة الأولى في أرخبيل تروبرياند، لاحظ عالم الإنسان برونسيلاف مالينوفسكي وجود ارتباط بين العقائد الدينية والبيئة، بصورة بدت فيها القبائل التي عاشت في ظروف أقسى قد مالت لابتكار عدد هائل من الممارسات السحرية، مقارنة بقبائل أخرى قد عاشت بمناطق أهدأ وأريح. بل أكثر من هذا، لاحظ بأنّ قبيلة محددة قد عاشت بمنطقتي صيد مختلفتين:


كانت منطقة عبارة عن بحيرة داخية، حيث يُستخدَمْ السمّ لصيد سهل للأسماك الميّتة، بينما كانت المنطقة الأخرى على البحر، حيث تخرج قوارب الصيد الهشّة وتقع تحت رحمة العواصف والامواج. بالتالي كان الصيد في البحيرة أسهل منه في البحر، حيث يمكن التنبُّؤ بالنتائج بالبحيرة وهذا ما لا يحدث مع البحر. ففي حين يذهب بعضهم للصيد بهدوء في البحيرة، استلزم الصيد البحريّ من البعض الآخر تحضير طقوس سحرية معقدة تضمن لهم النجاة من مخاطر البحر المحتملة. تقترح هذه الدراسة بأنّ العقائد تسمح لأولئك الأشخاص بضبط، أو على الأقلّ، مكافحة القلق الذي يتسبب به عمل غير مرغوب يحمل مخاطر ما، ربما تصل للموت.




منذ أن نشر مالينوفسكي نتائجه، أي منذ ما يقرب من قرن، تولّد جدلٌ قويٌّ ضمن العالم الآكاديميّ بين المؤيدين والمعارضين لفرضيته، ورويداً رويداً، دخلت فرضيته عالم النسيان. وفي القرن العشرين، ظهرت دراسات عديدة أعادت صياغة أفكار مالينوفسكي تحت اسم " فرضيّة عدم اليقين " والتي تعتبر بأنّ الطقوس السحرية تزيد من الشعور بالتحكُّم، وهو ما يساهم بتخفيف مشاعر القلق وما سيسمح للأفراد بمجابهة ظروف لا يمكن التنبُّؤ بها، وبالتالي التمكُّن من تحقيق مهام خطرة بنجاح.
كذلك جرى تحقيق العديد من الدراسات الخاصة بظهور المعتقدات والطقوس السحرية عند مجموعات من الأفراد الذين ينتمون لجماعات مختلفة من السكّأن: لاعبي أنواع من الرياضة، مستهلكين، طلاب بفترة الإمتحانات، أفراد يعملون على حلّ كلمات متقاطعة، ...الخ. في جميع الحالات، ازداد السلوك الطقسيّ السحريّ باضطراد مع مستوى صعوبة وعدم قابليّة التنبُّؤ بالمهمة التي قاموا بها. ولهذا في لعبة مثل الشطرنج، حيث لا يوجد شيء صدفويّ، وكل شيء يتوقف على معرفة وشطارة اللاعب الشخصية، لا يتوجّه اللاعبون نحو الطقوس السحرية.



من جانب آخر، وفي دراسة شبيهة بالدراسات السابقة، جرى تحقيقها على أطفال بعمر بين 3 و 6 سنوات، حيث نثر مهرّج آلي كرات زجاجية صغيرة بصورة غير قابلة للتنبُّؤ، وقد لُوحِظَ بأنّ غالبيّة الأطفال قد طوّرت سلوكاً سحرياً يتوخّى الحصول على كرات زجاجية صغيرة أكثر، وهو ما يقوّي الفكرة التي تعتبر بأنّ دماغنا يتحرَّقُ شوقاً للعثور على ارتباطات سببيّة، حتى عندما لا تكون تلك الارتباطات متوفرة أو موجودة! سيكون ممتع جداً الآن أنّ أولئك الأفراد يكونوا بالغين ويلاحظوا فيما لو يكن الأطفال الذين خدعوا أنفسهم أكثر إيمان أو تديُّن من أولئك الذين لم يطوروا سلوكيات سحرية خلال الدراسة الطفوليّة أو الإختبار المذكور أعلاه.


تكون إحدى الدراسات الخاصة بفرضية عدم اليقين مثيرة لدرجة كبيرة، حيث تبيّن أنّه حتى في أسوأ الظروف المرتبطة بأحد أكثر السلوكيات البشرية فظاعة، كحالة الحرب، يمكن أن تفيد بتحقيق دراسات ميدانية بهذا الصدد. هكذا حلَّلَ بعض الباحثين الاسرائيليين، خلال حرب عام 2006 على لبنان، العلاقة أو الإرتباط القائم بين الستريس والتديُّن في مدينة الجليل الأعلى التي كانت تتعرض لقصف صاروخي يومي بصواريخ الكاتيوشا. جرى إجلاء بعض النساء إلى الجنوب بعيداً عن أماكن سقوط الكاتيوشا، بينما بقي بعضهن في البلدة. لاحظ الباحثون لجوئهن إلى ترتيل مزامير داوود بصورة متفاوتة تتناسب مع معدذل الستريس والقلق بينهن، وهذا ما لم يحصل مع النساء الذين انتقلن بعيداً عن الجليل. استخلص الباحثون بأنّ ترتيل المزامير قد ساهم بتخفيض مشاعر القلق الناتجة عن ظروف لا يمكن التحكُّم بها { سقوط الكاتيوشا }، ولكن ترتيل المزامير لن يمتلك فعالية مع الستريس أو القلق الناتج عن مشاغل الحياة اليومية الأكثر قابلية للتحكُّم بها.


دراسة أخرى محققة في نيوزيلنده في ذات الإتجاه، بيّنت بأنّه إثر حدوث زلزال بجزر في المنطقة في العام 2011، انتعش الإيمان الديني وممارسة الطقوس الدينية في المناطق التي تأذَّتْ أكثر من الزلزال، مقارنة بأفراد عاشوا في مناطق مجاورة لم تتأذّى جرّاء الزلزال.





أخيراً، وفي العام المُنصرِمْ، نُشِرَتْ دراسة نموذجية في مجلة مرموقة هي PNAS قام بها باحثون من دول كثيرة، وقد تناولوا تلك الفرضية ودرسوا 583 ثقافة على امتداد العالم. وقد وجد الباحثون ارتباط قويّ بين نمط الدين وبين البيئة التي تعيش بها جماعة المؤمنين. الجماعات التي تعيش في أماكن وعرة فقيرة بالموارد، تتوخى امتلاك أديان وآلهة صارمة ووعظيّة بصورة أكبر من جماعات تعيش في بيئات غنيّة بالموارد وذا ظروف حياة مُيسّرة. وتكون هذه النتائج راهنيّة في القرن الواحد والعشرين، حيث حُقِّقَتْ دراسة حول درجة التديُّن على 114 جماعة راهنة، ووجدوا بأنّ درجة التديُّن تخفّ عندما يزداد التطوُّر الاقتصادي والاجتماعي للجماعة { مع نسبة مزارعين أقلّ ونسبة طلاب وأساتذة جامعبين أكثر } سواء بناحية التأمين أو الدخل كما في القضايا الصحيّة. ويستخلص الباحثون بتلك الدراسة الآتي:


تُبيّن النتائج بأنّ التديُّن يقلّ بما يتناسب طرداً مع ارتفاع معدّل الأمن الماديّ، بما يتفق مع فرضيّة عدم اليقين { أو فرضيّة الشكّ }.

كذلك يمكن لهذه الدراسات تقديم تفسير ممتاز للتناقض الظاهر في وضع الولايات المتحدة الأميركية، كأكبر قوّة عالمية وأكثر البلدان تطوراً، ويقدم نسب مرتفعة من التديُّن والتعصُّب المسيحي على وجه الخصوص، كذلك تكون الأمة الغربية ذات النسبة الأكبر باللامساواة ومستوى رفاه غير متكافيء، ويمكن تلخيص كل هذا في حديّ الكتاب المقدس وأسلحة الحزب الجمهوريّ الأميركي!


وكنتيجة لكل هذا سيكون من المنتظر أن تُحلّ الأزمة الإقتصادية عبر تطبيق أنظمة الضمان الاجتماعي كما يحدث بكثير من البلدان، لكن ما حدث هو ارتفاع نسبة التديُّن؟، وهذا بفضل بعض النخب، التي تضرب عصفورين بحجر واحد: اكتساب مزيد من الثروة، التي من المفروض أن تذهب للضمان الاجتماعي وما شابه، وزيادة التحكُّم بالمواطنين كل مرّة أكثر عبر ارتفاع نسبة المؤمنين! وهنا نتذكر مفعول الأفيون!



بالنهاية، يرتبط الدين بالتحديات التي تواجه الأفراد أو الجماعات، ومدى القدرة على الاستجابة والفعل، ما يبدو طاغياً في الوقت الراهن هو انعدام العدل واللامساواة، وهذا لأننا نمتلك، في الواقع، كل الموارد الاقتصادية، التقنية والعلمية الكافية لتوفير حياة كريمة { لكن عندما لا نرغب بتغيير السمارت فون كل عام طبعاً! } لكل شخص يحيا على أرض هذا الكوكب!





:: توقيعي ::: الحلّ الوحيد الممكن في سورية: القضاء على مافيا الأسد الداعشيّة الحالشيّة الإيرانية الروسيّة الإرهابيّة فئط!
http://www.ateismoespanarab.blogspot.com.es
يلعن روحك يا حافظ!
https://www.youtube.com/watch?v=Q5EhIY1ST8M
تحيّة لصبايا وشباب القُدْسْ المُحتلّه
https://www.youtube.com/watch?v=U5CLftIc2CY
البديهيّات لا تُناقشْ!
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
إنجيل, أدين, نحو, الجزء, الرابع, دراسة, شامل, علمية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مدخل { غير شامل } نحو دراسة علمية للدين / الجزء الخامس: نبيّ، بالمولد أم بالصيرورة؟! فينيق ساحة الترجمة ✍ 8 07-15-2016 04:22 PM
مدخل نحو دراسة علميّة للدين / الجزء الأوّل فينيق ساحة الترجمة ✍ 2 08-12-2014 12:33 PM
مدخل نحو دراسة علمية للدين / الجزء الثالث فينيق ساحة الترجمة ✍ 0 06-26-2014 03:59 PM
مدخل نحو دراسة علميّة للدين / الجزء الثاني فينيق ساحة الترجمة ✍ 0 06-25-2014 01:36 AM
المؤمنون بدينٍ أقل ذكائا من غير المؤمنين حسب مراجعة لثلاث وستين دراسة علمية السيد مطرقة11 الأرشيف 1 10-17-2013 03:05 PM