منذ أن وجد الانسان حتى يومنا وهو يسير ويتطور في الطريق الخطأ .. كان الأقوى يسيطر على الضعيف وما يزال .. أي أن النزعة الشرانية رافقت ظهور الانسان رغم أنها لم تسد بالمطلق على النوازع الخيرانية . حتى الآلهة التي اخترعها الانسان آلهة تعالج الشر أو ما هو غير خيراني بشر أقبح منه كالعذاب في جهنم بما لا يمكن تصوره على الاطلاق، حسب رؤية البشر أنفسهم .. هذه النوازع الشرانية في الانسان وصلت إلى ما وصلنا إليه أليوم في صناعة أسلحة الدمارالشامل وغير الشامل بكل أشكالها ، ونهب القوي للضعيف.. هل يعقل أن يعيش قرابة مليار انسان تحت خط الفقر أو على مقربة منه في زمننا ..وهل يعقل أن تقام حروب يقتل ويشوه فيها الملايين ؟ لم يسع الانسان إلى غاية خيرانية منذ أن بدأ وجوده وإن ادعى ذلك في زمننا ، فالمسألة مجرد ترقيع حتى لا يثور الجياع .. ولم يفكر في آلهة خيرانية بالمطلق، ولم يدرك بالتالي الغاية من وجوده حتى يومنا .. ولم يتوقف عن التفكير حتى في صنع بشرحقيقيين ، ويهدر على ذلك ملايين الأموال .. وأنا لا أتحدث عن صناعة روبوتية آلية كتلك التي تحاكي بعض أفعال الانسان وتقوم بها، ومن المتوقع أن يصل هذا العلم إلى صناعة روبوت يشبه الانسان تماما ويمكنه أن يقود مركبة فضائية إلى المريخ !وقد سبق لي في روايتي " أديب في الجنة" أن تطرقت إلى انسان آلي يقود جيشا آليا يستولي على السلطة ويتوج نفسه امبراطورا.. أنا أتحدث عن انسان حقيقي من لحم ودم، فبعد أن عرف الانسان بعض أسرار الطبيعة ، راح يفكر في تقليدها. يقول ميشيو كاكو في كتابه فيزياء المستحيل " لقد خلقت الطبيعة ناسخا مدهشا ، ف " برهان المبدأ "موجود مسبقا. يمكن للطبيعة أن تأخذ المواد الخام مثل اللحوم والخضروات وتصنع منها انسانا في تسعة أشهر . فمعجزة الحياة ليست سوى مصنع نانوي كبير يستطيع على المستوى الذري تحويل نوع من المادة ( الغذاء مثلا ) إلى نسيج حي ( طفل ) " ويتحدث ميشيو بعد ذلك عن المعدات والمواد الضرورية لإقامة هذا المصنع لصناعة انسان من لحم ودم .
لنتخيل أن الانسان لم يستطع حتى اليوم صناعة حليب صاف يشبه حليب الأم استنادا إلى مواد طبيعية من الخضار والفواكه واللحوم ، وكل ما فعله من حليب صناعي يقترب من حليب الام بنسب متفاوتة كان استنادا إلى حليب الأبقار والأغنام وحتى الأتن !
أربعة عشر مليار عام مرت على الوجود، ولم تستطع الطبيعة أن تخلق الانسان إلا في بضعة ملايين الأعوام الأخيرة منها رغم أن التحضير لخلقه قد دام لمليارات السنين ، ويصر هذا الانسان العاق على تقليد الطبيعة وإنفاق مليارات الأموال على ذلك في الوقت الذي يموت فيه ملايين من الجوع .. عمر الانسان المتطور عن القرد ( الشمبانزي والغوريلا بشكل خاص ) قرابة تسعة ملايين عام حسب بعض الأبحاث ، وما يزال هذا الانسان في تطور إلى أن يبلغ رشده ويدرك الغاية من وجوده ويعمل على تحقيقها، وهي بالتأكيد إقامة الحضارة الانسانية وتحقيق قيم الخير والعدل والمحبة والجمال ،وليس قيم القتل والخراب وسفك الدماء. فهل يكون لكورونا الفضل في أن تعيد الانسان إلى رشده ، وتجعله يفكربجدية في وجوده والغاية منه ، وبالتالي يعيد النظر في كل نظمه الوجودية : الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والتربوية .. هذا ما سنتطرق إليه في مقالة قادمة حتى لا نطيل الحديث في عصر السرعة .