شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات الفنون و الآداب > ساحة الشعر و الأدب المكتوب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 08-16-2021, 09:36 PM المسعودي غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
المسعودي
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية المسعودي
 

المسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really nice
افتراضي لقاءات مع كائنات من الفضاء الخارجي [3]: في الغابة


1.
لم أجد في صباي متعة يمكن أنْ تنافس متعة القراءة غير التجول في الغابات.
فإذا كانت المقولة الديكارتية تقول: "أنا أفكر فأنا موجود"، فإن المقولة الخاصة بي تقول: "أنا أتجول، فأنا أفكر"!
وقد تحولت عادة التجوال خارج المدن (في المناطق الجبلية والغابات) إلى جزءاً من حياتي.
الحق أن التجوال كان ولا يزال امتداداً للقراءة [أما الكتابة فهي امتداد للتجوال].
ففي أثناء تجوالي كنت "أعيد قراءة" ما قرأته، أتامله، أفكر فيه، واستخلص ما يمنحه الكتاب من دلالات وتصورات وتجربة.
2.
كانت الغابة المحيطة بالمدينة والتي تلتقي بالمحيط من طرفها الغربي تجذبني كالمغناطيس. وقد كان التجوال يقودني دائما إلى الكوخ الريفي الذي يقع في الطرف الآخر من الغابة البعيد من المدينة والقريب من الطريق الصخري المؤدي إلى المحيط.
كان الحارس رجلاً ضخماً أعرج ذا ذقن يشبه القنفذ يلفه على وجهه!
وعندما كانت السماء تمطر كان يدعوني بصمت لكي أجفف نفسي عند المدفأة وأنتظر حتى ينقطع المطر.
لم يكن يتكلم كثيراً - بل أنه لا يقول إلا ما تتطلبه الضرورة العملية.
وقد كان غالباً لا يهتم بغير نار الموقد محدقاً بحركة اللهيب ورقصه الدائم.
كان يبدو وكأنه ينتظر شيئاً ما، حدثاً ما، يغير حياته الرتيبة ويفك قيود الوحدة التي تطوقه من كل الجوانب.
3.
في أحد الأيام وفي اثناء جولتي بعد الظهر قد نسيت نفسي تماماً ولم أشعر بالوقت يمضي حتى أخذ الظلام ينتشر ويحل محل الظلال؛ والشمس شرعت بالأفول جارَّة خلفها أخر أشعة النهار الباهتة.
كنت آنذاك في الطرف البعيد عن المدينة تماماً.
أمامي كان كوخ الحارس الأعرج قد أخذ يغرق في الظلام تدريجياً وكأنَّه مشهداً من الأوبرا؛ أنقطع أخر صوت يمكن للمرء أن يتحسسه من الطبيعة.
لم أعد اسمع زقزقة العصافير وهديل الحمام، ولا صرير الحشرات وحركة أغصان الأشجار.
ثمة هاجس غريب كان يحدثني بأن شيئاً سيحدث.
لم يعد أمامي وقت لقرار العودة إلى البيت. لكنني وفي اللحظة التي هممت الانطلاق أخذ كوخ حارس البستان يشع ضوءاً أبيض شفافاً يميل إلى الزرقة شبيه بضوء النيون يأتي من المحيط الدائري لمركبة هائلة الحجم عجيبة الشكل تحلق فوق الكوخ.

لم أكن قد انتبهت إليها في البداية. لكنها - وكما يبدو - كانت هناك قبل وصولي.
كان الضوء يغسل المشهد تماماً حتى يبدو كصورة فوتوغرافية متعرضة لضوء فائض.
محيط هيكل المركبة الدائري يغطي مساحة تتعدى بكثير سقف الكوخ، لمتد بعيدا إلى ما فوق الأشجار البعيدة.
كان سطحها الفضي المائل إلى الرمادي يعكس نحو كل الجهات ما يشبه الضوء المنعكس عن المرآة، بينما كان الهدير الخافت الذي أخذ يتصاعد يشبه صوت طائرة الهليكوبتر الذي يُسمع من بعيد. أنه أقرب إلى ضربات القلب منه إلى صوت طائرة . . .
4.
لم تكن المركبة تتحرك، بل لا أثر حتى لاهتزاز.
كانت ثابتة في الهواء وكأنها مشدودة بشيء من الأعلى أو بالعكس محمولة على أعمدة غير مرئية. الطائرُ الطنانُ الصغير عندما يحلق في مكان واحد يحرك جناحيه بشدة عادة، والهليكوبتر لا تنفك مروحتها تدور بقوة هائلة، غير أن هذه الطائرة عديمة الأجنحة كانت واقفة في الهواء في نقطة لا تتحرك عنها.
لا أعرف كم استغرق مكوثي هناك وأنا لا أبصر غير الصورة الباهتة للكوخ وأشجار الغابة المحيطة به. أما باب الكوخ فقد كان محاطا بستارة كثيفة من الضوء ولا يبين شيء البتة.
5.
في لحظة ما انخفض صوت هدير المركبة حتى انقطع تماماً ونزل من أعلى كائن غريب الشكل والملامح من غير أجنحة، لكنه كان يهبط وكأنه ينزلق انزلاقاً حتى مس الأرض. حينئذ اتضحت لي معالمه جيدا. لم يكن إنسانا، ولم يكن يرتدي نوعا من الملابس التي يرتديها رواد الفضاء عادة.
كان نحيفاً بعض الشيء وقصيرا وممتقع الوجه وذا عينين واسعتين في رأس مصفح وأنف صغير وفم مدور ضيق يكاد لا تتضح معالمه من المسافة التي تفصلني عن أسفل المركبة كما أن الضوء الأبيض الساطع يعيق الرؤية أكثر مما يساعدها.

6.
إستدار الكائن الغريب باتجاه اليمين قليلا فانكشف أمامي بكامل هيئته.
تملكني فزع شديد لأنني شعرت وكأن نظرة منه تغلغلت في أعماقي واجتزأت جزءاً منها. كان ينظر بمواجهتي تماماً بعينين فارغتين لم أستطع أن أتبين فيهما ما يساعدني على حدس نواياه وأهدافه. بعد ذلك نظر إلى الأعلى سرعان ما هبط واحد أخر وكأنه نسخة منه تماماً، ثم تبعه آخرون وتوجهوا جميعاً صوب باب الكوخ.
لم يدخلوا عبر الباب، بل نفذوا بسهولة فائقة خلال الجدار مثلما يمر المرء عبر ستارة من الضوء.
7.
بعد لحظات خرج من الباب واحد منهم كان يبدو أطول قليلا يتبعه حارس الكوخ شخصياً الذي حالما وطأت قدماه عتبة الباب أخذ ينظر باتجاهي مبتسماً فالتقت عيناه بعيني.
لا أتذكر جيداً تلك اللحظات. لكن ثمة ذكرى باهتة تماماً وهو يرفع يده اليمنى ملوحاً بها وكأنه يودعني.
وحين خطا إلى الأمام بدى واضحاً بأنه لم يعد صخماً كما في السابق وقد اختفى القنفذ من خديه ولم يعد يعرج.
بعد ذلك تبعهما الآخرون الذين دخلوا منذ قليل وتوجهوا جميعا إلى مكان ما يقع تحت المركبة تماماً، ومثلما هبطوا ارتفعوا جميعاً إلى الأعلى بهدوء وببطء شديد حتى اختفوا عن الأنظار.
حينئذ اشتد صوت المحرك من جديد وأخذت ضربات القلب تتصاعد فارتفعت المركبة إلى الأعلى حتى وصلت نقطة ما فوق الأشجار ثم انطلقت بسرعة هائلة صوب السماء لتختفي بين الغيوم.
وحالما اختفت المركبة عادت ملامح المكان إلى سابق عهدها، فتعود الحياة من جديد إلى أشجار الغابة وتتضح ظلالها الخافتة الممتدة على الكوخ، كما عادت الأصوات وأخذتُ أسمع حفيف الأشجار وصرير الحشرات وزقزقة العصافير.

8.
عبثا حاولت النهوض.
لم يكن بمقدور قدمي على حَمْلِ جسدي. كانتا متخشبتين تماماً لا أشعر بهما فأخذت أزحف صوب الكوخ وأنا أجر نفسي جراً.
كان جسدي يترك فوق الأرض أثاراً من الدم النازف من كل مكان بسبب دبابيس الأشواك ونبات العاقول التي كنت أزحف فوقها. ثم شيئا فشيئا حاولت النهوض متكأ على غصن شجرة يابس وجدته في طريقي حتى وصلت الكوخ.
9.
هناك لم تكن دهشتي أقل من السابق.
كان الكوخ فارغاً ولا أثر للموقد الخشبي ولا للأثاث البسيط الذي رأيته في زياراتي السابقة.
كوخ فارغ، لم يسكنه أحد ولا شيء يبوح بوجود سابق للرجل الضخم ذي الذقن القنفذي الأعرج...
كنت اشعر بالإعياء والخوف والجوع والانفعالات الرهيبة والقلق والرعب، فأخذت أتهاوى فاقداً الوعي تدريجياً حتى مس جسدي الأرض وكف العالم عن الحضور في رأسي ...
الحلقتان السابقتان:
لقاءات مع كائنات من الفضاء الخارجي [1]:عند مرسى قوارب صيد السمك
لقاءات مع كائنات من الفضاء الخارجي [2]: في المقهى



التعديل الأخير تم بواسطة المسعودي ; 09-14-2022 الساعة 01:07 PM.
  رد مع اقتباس
2 أعضاء قالوا شكراً لـ المسعودي على المشاركة المفيدة:
daverob96 (01-10-2022), Faisal3D (08-17-2021)
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع