شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > حول الإيمان والفكر الحُر ☮

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 04-14-2020, 09:01 AM المسعودي غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
المسعودي
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية المسعودي
 

المسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really nice
افتراضي الثلاثي المقدس: الإسلام والعروبة ودولة حكم الأقلية - كاملاً

1.
سنظلُّ نرتاد "مقاهي" الغربة حتى الرمق الأخير. والأمر، رغم مأساويته، فيه شيء من المنطق: فقد ولدنا غرباء، وهذا ما جعلنا غرباء كما هو مفترض أن نكون! فابن الفيل لن يكون نمراً أبداً، ولون البشرة لن يتغير بتغيير المناخ ولون العينين يبقى كما هو حتى الموت!
إذن ما هو مصدر مأساتنا؟
المأساة الحقيقية ليست في "الغربة" ذاتها، بل في عجزنا المتغلغل عميقاً في وعينا عن أدراك أسبابها؛ المأساة في وَهْم الانتماء الذي أسكرتنا نشوته وضيعت علينا رؤية أنفسنا. إذ غالباً ما يُفَسَّر "اغترابنا" سياسياً أو دينياً (رغم ما للسياسة والدين من أثر في تعميق اغترابنا) وكأنَّ سقوط عامل سلطة السياسة والدين سَيُعيد إلينا الألفة والإحساس بالانتماء. ألسنا الآن خارج سلطة السياسة والدين؟
فما الفرق؟!
إذنْ ثمة عامل آخر يكاد يحتلُّ مساحة الغربة بأسرها.
إنَّهُ غياب الانتماء!
2.
نحن لا انتماء لنا، لأننا لا نعرف مَنْ نحن!
نحمل افتراضاً مهلهلاً بائساً، وهي من غير شك كاذباً، بأننا "عرب"، تحكمنا قيمٌ وأنظمة سياسة تجعل الهروب من هذا الافتراض أمراً عصياً.
هو افتراض بائس لأنه لا دليل على صحته ولا أمل في العثور على هذا الدليل.
منذ عصور التدوين، التي لعبت دوراً حاسماً ضد "تدوين" التاريخ، قامت سلطة الإسلام (بدعم من شيوخ الحكم المطلق العربي: الفقهاء والمحدثين وحتى النحويين) على تدمير وتذويب كل الأدلة المتعلقة بجذورنا الوطنية صانعة "تاريخاً مزيفاً" بعد أنْ أتلفت كل الأدلة المادية التي من شأنها أن تلقي الضوء على أصولنا.
نحن الآن من غير أصول. لم يبق لدينا إلَّا الـ"دَنَا" [1] الشخصي لكل واحد منَّا على انفراد!
فنحن جميعاً "عرب" بقرار علوي "مقدس"، حتى يثبت التاريخ عكس ذلك!
ولأنَّ التاريخ كتبه الحُكَّام بمباركة "فقهاء الإسلام" منذ القرن الثامن حتى الآن، فإن نسبة احتمال العثور على دليل يثبت العكسَ معادلةٌ لنسبة فكرة الحرية في منظومة مملكة الطغيان الإسلامية.
3.
نحن فقدنا انتمائنا عندما فقدنا أصولنا وجذورنا الإنسانية. أذابوا بداياتنا في حامض الهيدروكلوريك وتحللت جميع المعلومات الأولية لأصولنا إلى عناصر فاقدة للمعنى ولا تحمل أية أدلة على عمليات النشوء والتكوين. وقد كان الإسلام، وعن جدارة، هو حامض الهيدروكلوريك! حرق أصُولنا حرقاً لم يتبق بعدها غير روائح كريهة لأقدام وسخة كتلك الروائح المنتشرة في الجوامع و"أضرحة الأئمة" وأماكن الطقوس وتقديم القرابين!
4.
لم تدمر ديانة جذور الشعوب المحتلة مثلما قام به الإسلام. لم يقم بما قام به الإسلام حتى المهاجرين إلى أمريكا الشمالية ولا حتى الإسبان في أمريكا اللاتينية. رغم عمليات الإبادة التي تعرض لها السَّكان الأصليين لأمريكا (الشمالية والجنوبية) والذين سموهم فيما بعد "الهنود الحمر"، فإنَّ هؤلاء السكان الأصليين تمكنوا من الاحتفاظ بذاكرة البدايات. إنهم ظلوا حاملين ذاكرة الجذور ولم تستطع جحافل المسيحية أن تهدم هذه الذاكرة.
فلماذا فقدنا نحن ذاكرتنا؟
هل كنَّا أقل مقاومة من سكان أمريكا الأصليين أما كان الإسلام أكثر تدميراً وقسوة من المسيحية؟
لماذا استطاع الإسلام أن يروض ثقافات شعوب ما بين النهرين العالية وأن يبيد تاريخها ويلبس سكان العراق لباساً واحداً لا يليق بغير نزلاء مستشفيات المجانين الهائجين؟
لماذا أصبحنا "عرباً" بكل هذه البساطة وقررنا التخلي عن جذورنا وعن أصولنا العقلية والثقافية وانتمينا إلى ثقافة الوهم والخرافة؟
هل قاومنا؟
هل بذلنا جهداً للحفاظ على انتمائنا الوطني وعلى تاريخنا العراقي الخاص؟
وهل كان لدى أجدادنا متسعاً من المقاومة وحيزاً في الذاكرة للحفاظ على أصالة الجذور؟
هل ...
5.
تُحرِّم حكومات الدول العربية، بمباركة شيوخ الإسلام وفرسان القومية العربية الذين فشلوا سياسياً فشلاً ذريعاً على امتداد القرن العشرين، فعلين شرعيين ويتم اعتبارهما بمثابة "جريمتين “تستحقان أقسى العقوبات وفي الكثير من الأحيان يتم حكم التنفيذ رغم خلو الدساتير والقوانين العربية الجنائية من أيَّ ذكر لهما (ولا يمكن للمشرِّع العربي التصريح علناً بوجود طابع أجراميٍّ في مثل هذه الأفعال): إنَّهما نَقْدُ العَرَبِ ونَقْدُ الإسلام، ومن ثم يمكن ترجمتهما بصياغة تجريمية مختلفة بعض الشيء: رَفْضُ الانْتِمَاء العربي والتَّخِلِّي عن العقيدة الإسلامية أو الإساء إلى الدين والأمة!
هاتان "جريمتان" لا وجود لهما في أي مجتمع متحضِّر وهما من "صناعة" عصور الخلافة الإسلامية الظلامية. بل إن تجريم فعل التخلي عن الإسلام هو استمرار مكشوف وأصيل لـ"حروب الردة" التي خاضها أبو بكر والتي أزهق بها أرواح الآلاف من "العرب" "المسلمين"!
إذا ما يوجد اتفاقاً يكاد يكون مطلقاً على مبدأ ما بين دساتير وقوانين الدول المتحضرة الديمقراطية فإنه الاتفاق على حرية الرأي والاختيار. وإنَّ هذا الحق هو بمثابة حجر أساس الثقافة العقلانية المعاصرة، والتي تشكل مصدراً روحياً وأخلاقياً عميقاً للعلم والتكنولوجيا، بدونه لا وجود للحرية ولا يمكن الحديث عن التحرر الروحي والعقائدي بدونه.
والحكومات العربية "تضرب" هذا الحق بعرض الحائط وكأنها لم تغادر القرون الهجرية الأولى أو أنَّ عصور الخلافة لم تولِّ من غير رجعة!
هنا في "مملكة الظلام العربية" عليك أن تكون عربياً "غصباً عن أنفك" طالما هكذا تقول السجلات "الرسمية"!
عليك أن تكون مسلماً "غصباً عن أنفك" طالما هكذا تقول السجلات "الرسمية"!
هذا هو قَدَرُك وعليك الخضوع له ولا مكان للأدلة التاريخية فيما إذا كنتُ قد انحدرت من أصل عربيٍّ أمْ لا وفيما إذا كنتُ أرغب في أنْ أكون عربياً أمْ لا!
لا يمكن العثور على مثل هذا المنطق العبثي إلا في “مملكة الظلام العربية"!
نحن هنا محاطون بالممنوعات، تَلُفُّنَا كالشرنقة وعلينا الخضوع والاستسلام!
إنَّها "عقيدة" مضادة للتاريخ والمنطق وحرية الوجود والاختيار.
فهل ثمة "مسوغات" قانونية ومدنية ودينية وأخلاقية لمثل هذه "العقيدة" القمعية؟
6.
الشعوبية:
لمْ تصلْ إلينا معلومات شريفة وأمينة كافية عن طبيعة "الصراع" المفترض الذي كانت تخوضه الفئات الأثنية التي تم اعتبارها "أجنبية" في إطار "الخلافة العربية" سواء في فترة تمركزها في دمشق (الدولة الأموية) أو في بغداد [2] (الدولة العباسية) وقد أطلق على هذا الصراع "الشعوبية" كدلالة سلبية معادية للعرب (وحتى تكتمل سلبية هذا الصراع وحتى تجد السلطة السياسية مسوغات قمعها أضافوا لها صفة معاداة الإسلام "الخفية" رغم إنَّ هذه الفئات قد اعتنقت الدين الإسلامي).
إننا وقد تجاوزنا القرن العشرين بحوالي عقدين مازلنا نستهلك ذات المعلومات و"المُرافعات" السياسية والأخلاقية المضادة لما يسمى بالشعوبيين" وبأقلام كُتَّاب مضادين لهم من فترتي الخلافة الأموية والعباسية. ولكن لم تصل إلينا التصورات الحقيقية لممثلي "الشعوبية" وإن وصل البعض منها (كأعمال ابن المقفع المتهم بالشعوبية مثل "كليلة ودمنة" و"الأدب الكبير" و"الأدب الصغير") فإنَّ ما يُعتقد بعداءها لا يُشَكِّل إلا تأويلاً إرادوياً كان من الممكن أن يخضع لتأويلات مختلفة في ظروف سياسية مختلفة. وحتى "مرافعات" الدفاع عن اللغة العربية والأدب العربي لممثل بارز للثقافة العربية والدفاع عنهما آنذاك كالجاحظ (وهو الذي ينتمي إلى أصول غير عربية والحامل لمنطق التفكير الاعتزالي العقلي) لا نجد فيها ما يشير إلى أدلة الشعوبية في أدب ابن المقفع.
لم يكلف أحد نفسه للإجابة على أسئلة كان لها حتى في ذلك الوقت أهمية كبيرة:
ما هو منشأ مواقف الفئات والجماعات الأجنبية المعادية للعرب؟
هل هي معادية حقاً للعرب أمْ للسلطة العربية الجائرة (الجائرة حتى على العرب)؟
هل هي معادية للسلطة السياسية أم للسلطة الدينية التي فرضت عليهم بحد السيف التخلي عن ثقافتهم وعقائدهم الروحية وعن أصولهم الثقافية؟
هل "عداء" هؤلاء الناس هو "عداء" أم مواقف سياسية وثقافية لا غير؟
من هُم السَّكان الأصليين ولنقل لأهم مدن الخلافة الأموية والعباسية: دمشق والبصرة والكوفة وبغداد ومصر؟
أليس "العرب" و"الأعراب" أنفسهم هم فئات أجنبية على هذه المدن، بل وأكثر أجنبيةً حتى من ممثلي "الشعوبية"، على الأقل من وجهة النظر التاريخية؟
مَنْ هم سكان العراق الأصليين؟
مَنْ هم سكان مصر الأصليين؟
مَنْ هم سكان سوريا ولبنان الأصليين؟
مَنْ هم سكان تونس والمغرب والجزائر الأصليين؟
مَنْ هم سكان السودان الأصليين؟
مَنْ هم ....
إنَّ الحقائق المرة لا نهاية لها!
7.
على امتداد القرن العشرين ولايزال الكتاب العرب - الإسلاميين يطبلون للثقافة العربية الإسلامية "العملاقة" وعلم اللغة العربي الذي لا يضاهيه علم ولكنهم يعبرون كالمجانين جسر الحقيقة من غير أن يلتفتوا إلى حقيقة بسيطة، إلا وهي بأنهم يدلسون!
إن ما يسمى بالثقافة العربية الإسلامية هي ثقافة الشعوب المحتلة من قبل الجيوش العربية.
ما هي نسبة المنتجين الحقيقيين من العرب للثقافة "العربية" آنذاك في مجال اللغة والفلسفة والعلوم الطبيعية والطب والترجمة مقارنة بالفئات والمجموعات الأثنية الأجنبية أو غير العربية في هذه المدن؟
هاكم بعض الأمثلة ـــ أكرر بعض الأمثلة (من هذه الأمثلة استثنيت اللغويين والفلاسفة والكتاب من مدن الأندلس. إذ أن تكونهم جاء نتيجة للتلاقح الثقافي والبشري مع سكان أوربا):
ابن الرومية (إشبيلية)
ابن العبري (سرياني)
حنين بن إسحاق (سرياني عراقي)
متى بن يونس (سرياني عراقي)
ابن باجة (سرقسطة)
يوحنا البطريق (سرياني)
فسطا بن لوقا البعلبكي (سرياني)
ابن جني (من عائلة يونانية)
ابن سقلاب (مسيحي لا توجد إشارة إلى أصوله القومية)
ابن سينا (بخارى وهو في رأي فقهاء الإسلام ملحد)
أبو الحسن العامري (نيسابور)
أبو الريحان البيروني (خوارزم)
أبو الفرج الأصفهاني (أصفهان)
أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ــ الشيخ الطوسي (طوس)
أبو نصر منصور بن علي بن عراق (خوارزم)
أثير الدين الأبهري (سمرقند)
أحمد ابن فارس (قزوين)
الجرجاني (جرجان)
الخوارزمي (خوارزم)
الزمخشري (تركمانستان)
سيبويه (قرية البيضاء ــ بلاد فارس)
الشيرازي (شيراز)
الفارابي (من فاراب ــ تركستان بخارى وهو في رأي فقهاء الإسلام ملحد)
الفيروز آبادي
. . . .
8.
فمَنْ هو "الأجنبي" ومَنْ هو من السكان الأصليين. وَمَنْ هو "العربي" ومن هو "اللاعربي" في تلك العصور؟
هذه أسئلة لا يمكن "النطُّ" عليها وكأنَّ لا وجود لها لمن يبحث عن الحقيقة الغائبة. فالإجابة عليها سوف تكشف لنا بأنَّ "الشعوبية" لا تتعدى حقيقة كونها ظاهرة ثقافية واجتماعية وسياسية وهي نتاج لسلطة الجور العربية المنظمة التي بدأت منذ الأمويين، والمفارقة التاريخية هو إنه بدأت من الأمويين وتم تعزيزها في أثناء فترة حكم الكثير من الخلفاء العباسيين!
لماذا مفارقة؟
9.
نعم مفارقة تاريخية!
وإن إدراك هذه المفارقة أمر بسيط وسهل للغاية:
- مِنْ بين الخلفاء الأمويين الثلاثين (في دمشق وقرطبة) هناك 19 خليفة من أمهات ليست عربيات!
- مِنْ بين الخلفاء العباسيين الستة والثلاثين يوجد 33 خليفة من أمهات ليست عربيات!
- بل ويمكن إضافة حقيقة مدهشة أخرى: كل أئمة الشيعة من بعد الحسين هم من أمهات ليست عربيات!
أما ما يتعلق بالأفراد الآخرين من "علية القوم" والقواد والأمراء والأغنياء فحدِّث ولا حرج!
وعلينا أن ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى:
- كم عدد سكان العراق المحليين (سريان ويهود وأكراد وغيرهم) في مرحلة الغزو العربي - الإسلامي؟
- كم عدد المصرين المحليين (أقباط ويونانيين وروم ويهود ومن أصول مصرية قديمة على سبيل المثال) قبل الغزو العربي - الإسلامي؟
- كم عدد سكان شمال إفريقيا المحليين الذي لا علاقة لهم بالأصول العربية (كالبربر والأمازيغ وغيرهم)؟
- كم عدد سكان السودان العرب؟
وهذا ما ينطبق على كامل الدول العربية الحالية باستثناء دول شبه الجزيرة العربية.
فأية "عروبة" التي يدعي بها عرب القرن العشرين والواحد والعشرين؟
فهل أنا عربي؟
وهل أنت وهو وهي عرب؟
10.
ها نحن نصل إلى ثالث الثلاثي المقدس:
بعد أن تم بحدِّ السيف والإكراه "استعراب" وأسلمة" شعوب المنطقة " فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ "، يجيء دور تأسيس الدولة العربية (قومياً) والإسلامية (دينياً). وربما سيتبادر إلى أذهان القراء بأنه ستبدأ عصور اضطهاد القوميات والأديان الأخرى، وهذا صحيح، بشرط ألا تنتهي الفكرة بكلمة: فقط!
فعندما تُؤَسَّس دولة وتقوم (ولا زالت قائمة على نفس الصيغة ولكن على شكل مجموعة من الدول المهلهلة) مستندة إلى الثلاثي: المنطق "العربي" والانتماء "القبلي" والعقيدة "الدينية الإسلامية" فإن مملكة الظلام قد حلت وإن القمع والإرهاب سيشمل جميع السكان بغض النظر عن انتمائهم القومي والديني. وقد وصل مدُّ الاضطهاد والقمع إلى جميع المعارضين والمخالفين من خارج إطار البنية القبلية للدولة: هكذا كان تاريخ الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين، وهكذا هي الدولة العربية حتى اللحظة الراهنة.
11.
فهل ثمة اختلاف ما بين الخلف والسلف؟
سوف أتجنى على الحقيقة إذا قلت لا!
لكنني سأدلس كما يدلس الكُتَّاب المرتزقة (أقصد الذين يعرفون الكتابة وليس محرري الجُمَلِ المهلهلة) إذا قلت إن الاختلافَ كبير.
فطالما يتعلق الأمر بذات "فلسفة" الحكم (وهي التفوق القبلي لهذا أو ذاك) وذات المنطق القديم البائد والتعصب الديني فإن البحث عن الفروق ما بين الدولة العربية القديمة والدولة العربية المعاصرة أمر نسبي، وهو عديم الأهمية من حيث الشدة:
- لا يزال الصراع على السلطة صراع خارج إطار الصراع الحضاري الديموقراطي.
- لا تزال الاغتيالات (بل وحتى القتال السري ما بين الأخوة والحروب) والانقلابات والدسائس السبيل الحاسم للقبض على زمام السلطة.
- لا يزال التوزيع اللاعادل للموارد الوطنية حيث تحظى العائلة أو القبلية أو الحزب على حصة الأسد.
- لا يزال الدين السند الأساسي لدولة القمع ولا تزال مراكز اللاهوت السنية والشيعية تقدم خدماتها الفقهية لإخضاع الناس للسلطة الحاكمة والحاكم.
القاعدة السنية:
“وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع"!
"عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله ومن عصى الأمير فقد عصاني ومن عصاني فقد عصا الله (متفق عليه) "
"عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية (رواه مسلم)"
القاعدة الشيعية:
يقول الشيخ المفيد:
"أن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمة عليهم السلام التقية، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب من فعل ذلك من بني عمهم ولومهم عليه، وأنه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتى: تركد الشمس عند زوال، ويسمع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويخسف بالبيداء، ويقوم آخر أئمة الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل".
[الفصول العشرة في الغيبة تأليف الإمام الشيخ المفيد محمد بن النعمان ابن المعلم أبي عبد الله العكبري البغدادي (336 - 413 ه‍) تحقيق الشيخ فارس الحسون، ص 74]
إذن: انتظار سعيد!
12
هذا هو الدعم الفقهي للحاكم: المسلم العربي المُغْتصب!
في البدء كان الخليفة، والخليفة عند الله كان خليفة محمد. هذا كان في البدء، ولما غاب محمد واختفى إلى الأبد صار الخليفةُ ظلَ الله على الأرض: خليفة عن الله وخليفة للمسلمين.
وشيئاً فشيئاً أخذوا هؤلاء "الظلال" يلوحون للأمة من بعيد بتفويض الله في الحكم.
إنه الحق الإلهي للملوك المسيحيين الذي كان أكثر إغراءً من إيمان وعقيدة المسلمين!
وإن هذه الثقافة القروسطية استحالت إلى معيار عربي معاصر للسلطة.
ولهذا فإنه من الناحية الشكلية توجد دول جمهورية ودول ملكية! إلا أن الدولة الجمهورية العربية هي جمهورية لا لسبب إلا لأن الحاكم الأعلى يُسمى رئيس جمهورية:
إن أنظمة الحكم الغالبة في الدول العربية (عدا الأنظمة الملكية العائلية وبغض النظر عن التسمية) هو النظام الرئاسي والبرلماني (شكلياً). وأن 99% من الحكام العرب يرفض "التزحزح" عن السلطة (رافضين كل القوانين التي كتبوها بأنفسهم أو مستحدثين كل ما يحلو له من القوانين) ولا يمكن التخلص منه إلا بطريقتين: إما أن يموت بسبب السن والمرض أو يتم قتله بانقلاب أو دسيسة (ومن النادر أن يتم إقالته، وعادة بالقوة، ويبقى على قيد الحياة. آخر مثالين: زين العابدين بن علي وحسني مبارك). والمفارقة أن هؤلاء الرؤساء المطرودين من قبل شعوبهم يتم استقبالهم في دول الخليج!
فأي نوع من النظام الجمهوري الرئاسي هذا؟
وأية جمهوريات هذه؟
إنه خلافة ملكية غير دستورية (فالدستور في مخازن العتاد)!
لا، بل هي خلافة عربية متخلفة لا تليق إلا بالخلف!
- لا تزال السلطة (سواء كانت ملكية أو جمهورية) تستند سياسياً إما إلى قوة العائلة المباشرة أو عن طريق التركيب القبلي الجديد (الذي يسمى حزب).
- لا تزال موارد الدولة قضية تخص السلطة الحاكمة. فرغم وجود "البرلمانات" فإنه لا أحد يعرف بالضبط ميزانية الدولة وطبيعة النفقات وكيفية عقد الصفقات المختلفة وغيرها. بل أتحدى أي عربي يعرف ميزانية رئيس الجمهورية وفيما إذا يقدم رئيس الجمهورية تقريرياً بعد انتهاء كل عام إلى لجان المراقبة المالية في الدولة!
مرحباً بكم في مملكة الطغيان!
13.
المتابع للحلقتين السابقتين من هذا المقال لابد أن يصل أوتوماتيكياً إلى سببية العلاقة ما بين الدولة والدين. فالدولة العربية، كما هي الآن: دولة الأقلية، لن تقوم لها قائمة بدون دعم السلطة الدينية وتكاتف الاثنين معاً من أجل البقاء هو أمر مصيري، والعكس صحيح أيضاً: فمراكز اللاهوت الإسلامي لن تقوم لها قائمة هي الأخرى بدون دعم الدولة الشامل (المسلح والمالي والقانوني). وهذا ما يفسر أصرار الدولة على أن تكون السلطات الدينية بما يكفي من القرب منها حتى تكون داعمة لها. ولكنها في نفس الوقت تسعى إلى إبعاد السلطات الدينية عن مراكز القوة المسلحة بقدر الإمكان. رغم وفاء مراكز السلطة الدينية للدولة (راعيتها والحافظة لوجودها) فإنها في نفس الوقت ترنو إلى السلطة بأكملها. فهذا نزوع بنيوي كامن في آليات منظومة التفكير والعقيدة الإسلامية. فبسبب سعيها إلى السلطة فإنها وعند أي ضعف من الدولة سوف تتحول ضدها. وهذا بالذات ما يدفع الدولة إلى إبعاد السلطة الدينية عن الجيش والشرطة وأجهزة الأمن الداخلي والاستخبارات.
وهكذا تتشكل هذه المعادلة الانتهازية: حكم الأقلية + العنصر العربي + الدين الإسلامي= الدولة العربية!
إن هذه التركيبة تكاد تشمل كامل الدول العربية (والاستثناء الوحيد هو لبنان والكارثة الطائفية هناك تفعل فعلها على قدم وساق).
14.
الآن يمكن أن نحزر النتائج المتعلقة بهذا الوضع على مستوى العلاقات العربية – العربية:
إنه العداء الجهنمي!
قد يبدو مفارقة للوهلة الأولى ولكن هذا هو القانون الذي قاد ويقود سلوك الدول العربية فيما بينها. فالطبيعة الواحدة لهذه الحكومات: حكم الأقلية العربية الإسلامية وانعدام الديموقراطية، يعني ببساطة تغلب علاقات التناحر القبلي والمصالح الشخصية والطموحات السياسية المتغلغلة داخل كل حكومة على حدة بخصوص الاستحواذ على "القرار العربي". وقد عبر عنه جمال عبد الناصر في أول اجتماع للجامعة العربية بعد "نكسة حزيران 1967" في جوابه لأحد الصحفيين بخصوص الاتفاقات التي تم التوقيع عليها في أثناء دورة الاجتماع قائلاً:
- اتفقنا على ألا نتفق!
إن هذه المعادلة تكاد تشمل جميع اجتماعات الجامعة العربية والاستثناء الوحيد هو: اتفاق وزارات الداخلية فقط! وليس في الأمر أي مفاجأة. قد يختلفون في الأهداف لكنهم لا يختلفون في المصير!
إن علاقات التناحر المعلنة والخفية ما بين الحكومات العربية، والتي تتحول في الكثير من الأحيان إلى مؤامرات مفضوحة، كانت ولا تزال هي العلاقات السائدة. والقاعدة التي تستند إليها علاقات التناحر هذه هي المصالح الشخصية المرتبطة بالأقليات الحاكمة في الدولة العربية.
إنه منطق حكم الأقلية.
هذا هو الثلاثي المقدس فمن يدافع عنه الآن؟
أنا بانتظار الجواب.

-------------------------------------------------------------------------------------
[1] الحامضالنووي الصبغي (Deoxyribonucleic acid) ويطلقعليهاختصاراً: دنا ا (DNA).
[2] لفترة تاريخية قصيرة (أثناء خلافة المعتصم والمتوكل العباسيين) كانت مدينة سامراء هي عاصمة الدولة العباسية.



التعديل الأخير تم بواسطة المسعودي ; 05-13-2021 الساعة 11:46 PM.
  رد مع اقتباس
قديم 11-20-2020, 10:15 AM المسعودي غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
المسعودي
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية المسعودي
 

المسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really niceالمسعودي is just really nice
افتراضي

إنه لمثير للدهشة والريبة أن تمر هذه الأسئلة المريرة مرور الكرام!



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
حكم الأقلية، حكم العرب، حكم الإسلام، غياب الشرعية، غياب القوانين


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع