شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 05-13-2020, 10:23 AM سامي عوض الذيب غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
سامي عوض الذيب
الأنْبياءّ
الصورة الرمزية سامي عوض الذيب
 

سامي عوض الذيب will become famous soon enough
افتراضي عزيزي المسلم 5: مجتمع المسلمين

هذا هو الفصل الخامس من ملحق كتاب
عزيزي الله: رحلتي من الإيمان الى الشك
لكاتب سعودي نشرت كتابًا له تحت اسم: مواطن مجهول

ويمكن الحصول على النص الكامل للكتاب ورقيا: https://bit.ly/2y5Z5Jm
كما يمكن تحميله ضمن كتبي العربية
https://www.sami-aldeeb.com/livres-books/

------------------

عزيزي المسلم،
قد تسألني عن مشاعري اليوم وكيف أعيش وأتدبر أموري في هذا البلد الذي شعاره خدمة الحرمين. يؤلمني أن أجيبك بأني أعيش حياة غيري والذي هو أيضا يعيش حياة غيره دون أن يعي، فأنا مِثلُ من وجد نفسه في مجتمع يؤمن أفراده ببابا نويل (سانتا كلوز) ويعيشون حياتهم وفق كلام مُنزل من القطب الشمالي يُنسب له، تم نقله لنا بواسطة أحد الأيائل التي تجر مزلاجه ويحيط به بعض الأقزام الظرفاء. عليك أن تعيش يومك منذ أن تصبح وحتى تمسي، وفق ما قاله بابا نويل، ترتّل حديثه وتترنم بأناشيده وتلتزم بكلامه وتفعل ما أمرك به وإذا التبسَ عليك أمر ما فيمكنك سؤال لجنة الأقزام الظرفاء، فهم وسيلة التواصل الوحيدة مع بابا نويل في عرشه بالقطب الشمالي.

تعيش حياتك بين هؤلاء الناس من دون أن تُبدي رأيك فيما يقال لك عما ينسب لذلك الكائن الغيبي، تلتزم بأقوال لجنة الأقزام وتسلّم لهم أمرك فهُم الموقّعين عن بابا نويل، المرجع الأوحد والأعلى الذي لا يمكن أن تشكّك في وجوده بل عليك أن تتظاهر بأنه مرجعٌ لك أنت أيضا وتسلّم بذلك وتخنع وترضى. تنظر الى أقربائك وأحبابك وأصدقائك بأسى وشفقة وهم منقادون الى تعاليم هذا ال "بابا نويل"، وما يحزّ في نفسك ويؤلمها أنك تساهم معهم في استمرار هذا الجنون وازدهاره وتمريره لغيرك من أبنائك وأبناء الأجيال القادمة باصطناع قبوله والتظاهر بالموافقة عليه والتسليم به مرغما، وكأنّ من حولك يحيا مسيّرا تحت تأثير التنويم المغناطيسي. هذا بالضبط هو شعوري في بلاد الحرمين.

قد تسأل ما الفارق إذن بين مجتمع هكذا أفراده وبين مجتمع من الروبوتات الآلية المتشابهة تسيّرها خوارزميات صنعها فريق من المبرمجين. تلك الخوارزميات التي تسيّرنا هي ما ألقاه في وعينا أهلونا ومجتمعنا وبيئتنا التي نشأنا فيها منذ نعومة أظفارنا، أما المبرمجون فهم أولئك الكهنة ورجال الدين ومن صفّ صفهم ومن وقف خلفهم من الساسة المنتفعين. نحن ولدنا أحرارا ونعيش أحرارا حتى تأتي تلك اللحظة التي نبدأ عندها في تقمّص أشخاصٍ آخرين دون وعي منا والتلبّس بأفكار غيرنا دون فحص وترديد ما يقال لنا دون نظر. حينها يتحول الإنسان فينا الى ما يشبه الروبوت، مفتاح التحكم فيه هو من خارج وعيه وعند غيره.

نحن أحرار ما دمنا نستخدم عقولنا المفكرة بأنفسنا، نحن أحرار ما دمنا نتساءل قبل أن نتوافق، نحن أحرار مادام لنا الحق في أن نختلف ونعلن عن ذلك بأعلى صوت دون أن نمسّ أحدا أو نصادر حقه في أن يختلف معنا هو الآخر. من المؤسف أن مفهوم الحرية هذا مُغيّب عن ثقافة الفرد العربي وخارج وجدانه الديني مع أن جذوره الأبيّة ذات الكبرياء والضاربة في عمق الصحراء تتنفس عبيرها دون حدود حتى أتى الإسلام وقيّدها بعد أن كانت عزيزة غالية عند الإنسان العربي كما يبدو ويظهر في مروياته وأشعاره القديمة ثم اختزلها فقهاء الدين وكهنوته وقت التدوين وربطوا مفهومها بالتكليف في مقابل العبودية واليوم يكمل الفكر الديني المعاصر حملته ليلطخ سمعتها ويجعلها شتيمة لمن ينادي بها ويصمه بأسوأ الألفاظ وكأنه يدعو لموقع إباحي أو دار خنا.

لا تملك الشعوب العربية مصيرها بنفسها بعد، بل تملكه بدلا عنها مجموعات متنفذه انتهازية وظّفت ما تم بثه في العقل الجمعي لتلك الشعوب من غيبيات وأساطير وخرافة لمصلحتها الآنية ولا يمكن أن نتوقع تغير تلك المجموعة وفقدها لمصالحها الشخصية ما لم تتغير الشعوب أنفسها، فكما تكونوا يُولى عليكم والناس ليسوا على دين ملوكهم كما يُقال إلا بقدر ما سمحوا لملوكهم باستغلالهم. وما حال الثورات العربية عنا ببعيد فهي وإن ظنت أنها غيّرت أولئك الذين في رأس الهرم إلا أنها استبدلتهم بآخرين مثلهم ولكن الشعوب بقيت كماهي. لم تتغير.

الثورة الحقيقية هي ثورة الشعوب على نفسها قبل أن تكون على من يقودها. ثورة على ما تم زرعه في عقلها الجمعي من خرافات وأساطير عبر قرون من الزمن. ثورة على كل ما يخالف العقل والمنطق والحس الإنساني. الشعوب العربية تبدو اليوم وكأنها لم تبلغ الحلم بعد ومن يقودهم إنما هم أناس مثلهم ومنهم ونتاج لمجتمعاتهم المغيّبة، هم يعيشون في الألفية الثالثة وعقولهم معلقة بالألفية الأولى يستقون منها معارفهم وقيمهم ومبادئهم بينما الشعوب الغربية ومن سار مثلهم، قد نضجوا وشبّوا عن الطوق واستطاعوا أن يمتلكوا مصيرهم بأنفسهم وتعيين نواب عنهم لإدارة شؤون معاشهم ومحاسبتهم عليها.

الناس هناك ليسوا على دين ملوكهم بل ملوكهم هم الذين على دين شعوبهم. حتى يحصل ذلك عندنا، علينا أولا أن نُشيع مفهوم الحرية الحقيقي بين الناس. واعين بجوهرها جديرين بتحمل مسؤولية معانيها، تلك المعاني التي كانت مصدر فخر واعتزاز عند العربي القديم قبل أن يتلوث مفهومها. أصبح أول ما يخطر ببال المتلقي حين سماع تلك الكلمة هو تتبع الشهوات وارتكاب الموبقات بينما الحرية هي أن تمتلك مصيرك بنفسك وتفكر بعقلك وتقرر بذاتك وتختار ما يناسبك وتحاسب من تنيبه عنك تحت مظلة القوانين العامة التي تحكم علاقاتك بالآخرين. نحن في بلادنا العربية لسنا أحرارا بقدر ما نسمح لأحد أن يفكر عنا ويمتلك مصيرنا ويقرر لنا ثم ينجوا بأفعاله دون محاسبة.

عشت شطرا من حياتي في ستينيات القرن الماضي وسبعيناته ثم شاهدت طوفان المد الديني أو ما يعرف بالصحوة ينتشر بعد ذلك بهدوء في نسيج المجتمع ويتغلغل فيه برعاية الدولة وتحت ناظريها وهي التي وظفته أصلا لمصالحها وصراعاتها سواء بالوكالة عن الحليف الأكبر الولايات المتحدة أيام الحرب الباردة في نزاعها مع الإتحاد السوفييتي أو حين تم وصمها بالرجعية من قبل جيرانها.

زادت حركات الإسلام السياسي قوة واكتسبت زخما وأصبحت تشكل عبئا على الدولة التي تورطت مع ذلك التيار وهي التي أسقتْ نبتته في البدء ووزّعت شتلاته في مختلف أنحاء المعمورة ثم حين اشتدّ عوده ووقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر تبرّأت منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب وتخلّت عنه بعد أن كانت له راعية ولبراعمه منتجة. بعدها بعقد تقريبا ظهرت حركات الربيع العربي والتي لم يكتب لها النجاح لأن الشعوب لم تكن جاهزة بعد لتقطف ثمرة الحرية. وكيف تفعل ذلك وهي لا تعرف قيمتها بعد؟ الشعوب العربية مازالت مهووسة بالدين والخرافات والغيبيات وما وراء الطبيعة، منفصلين في ذلك عن الواقع والمنطق. حتى المثقفين والمتعلمين منهم لا يبدو أنهم مختلفين عن رجل الشارع الأقل حظا. تجد أحدهم قد تلقى تعليما عاليا بأفضل الجامعات حول العالم، يلتزم بالمنهج العلمي في مختبره ويطلب الدليل ويستدعي البرهان ثم حين يعود لمجتمعه يتنازل عن ذلك كله في أول حضور لمرويات شيخه وأسانيده.

لا يوجد في الإسلام نظاما للحكم سوى إمامة المتغلب عند السنة أو إمامة الغائب عند الشيعة وكل محاولات الإصلاح التي تمّ رسمها للمجتمعات العربية خلال القرون الماضية باءت بالفشل ولم يُكتب لها النجاح وأُلقي اللوم فيها على الآخرين. أحد أهم أسباب التخبّط الذي يعيشه المسلمون اليوم في نظري هو إيمانهم بأن أي حل لما يعانون منه من تردّي وتأخر يمكن أن يأتي من أي مكان إلا من المكان الذي تعشش فيه معتقداتهم الدينية وأي محاولة لاقتحام ذلك العش الذي غُزلت فيه تلك الأفكار لمحاولة فهمها وتأثيرها عليهم هي مرفوضة تماما. الإصلاح الديني مُقدّم على كل إصلاح لإن معظم الشرور منشأها القداسة وأول المنتفعين بذلك هي السلطة.

أي إصلاح لا يطلق العنان لتفكير الإنسان ويحرّره من مخاوفه محكوم عليه بالفشل لذا لا يمكن أن أتوقع من أي تيار ديني أن ينهض بتلك المهمة لأنه هو من يحتاج للإصلاح. لا يقوم بذلك سوى الإنسان المتجرد من الأيديولوجيا الدينية، فقضيتنا ليست مع الله بل مع الإنسان. قضايانا اليوم هي نفسها منذ أربعة عشر قرنا لم تتغير. عن حجاب المرأة وحد الردة وتلبس الجن بالإنس وبقية المواضيع التي أُفردت لها المجلدات وحبّرت من أجلها الكتب. قضيتنا يجب ان لا تكون كيف نعبد الله بل كيف يعيش البشر، ليس كيف تعبد الله كأنك تراه بل كيف يعيش الإنسان كأفضل ما تراه. أول خطوات الطريق في ذلك هي إشاعة مفهوم الحريات العامة ورفع قيمة الإنسان وأنه فوق كل مقدس وكل دين. ببساطة، الإنسان أهم من الله. نعم، إن لم نصل لهذه المرحلة التي نعي فيها أن قيمة الإنسان أهم من قيمة الله فلن يتغير شيء.

لا يمكن توقّع نضجاً في وعي الأفراد بأنفسهم واحترامهم لفردانيتهم التي هي وقود الإبداع والابتكار إذا لم يخفّ الحس الجمعي وتزداد الحريات العامة التي سلبها القرآن من الإنسان “وما كان لمؤمن ولا لمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم “. بدونها لا معنى لأي ثورة أو إصلاح، ولا يمكن اشاعة مفهوم الحرية عندنا بدون تصحيح للفكر الديني قبل أية أفكار أخرى واعادة إصداره على ضوء العلم والمعرفة الحديثة. لا أدعوا هنا الى طمس الفكر الديني تماما بل الى تقنينه وتحييده واحتوائه. ليس لأن هذا صعب أو مستحيل، بل لحاجة البشر اليه فهو مثل المهدئ وتأثيره مثل البلاسيبو.

سيظل الناس في حاجة للدين كلما مرض عزيز أو مات قريب أو زمجرت الطبيعة بخسف أو أعاصير أو وباء … حينها سيتخذ كل انسان ملاذا له وملجأ يهرع اليه مثلما يهرع الطفل حين يسمع صوت الرعد الى حضن ابويه لكن علينا أن نحذر من أن يخرج علينا أحدهم ويتخذ من ملاذه الغيبي وسيلة لدفع الناس له والاحتماء به واملاء صلواته الخاصة به على الآخرين. الملاذ الوحيد الذي ندلّ الناس عليه وقت الكوارث هي الملاجئ المبنية على الأرض وليست تلك الغيبية في السماء … متى ما دخلوها فليصلّوا بعدها لمن يريدون.



مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
مجتمع, المسلم, المسلمين, عزيزي


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع