شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في الإلحاد > حول المادّة و الطبيعة ✾ > الأرشيف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 08-30-2013, 11:24 PM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي مادة أم خلق .

تحية وسلام ...

أقدم لكم موضوعا سبق أن قدمته سابقا فى ساحة اللادينية ...وقد رأيت أنه من الأهمية بمكان أن يفرد له موضوع مستقل فى ساحتنا هذه .
الموضوع عن رؤيتنا لعالمنا المادى ...هل من الممكن أن يكتفى بنفسه أم أنه يحتاج لقوى ميتافزيفية لترغمه أن يعمل وفقا لقوانينه .
نحن أمام فلسفة ترتدى ثياب العلم ...أو يمكن أن تقول علما ومادة يصاغ فى أثواب فلسفية حتى تجعلنا نتلمس ونتحسس واقعنا المادى
بدون أى إضافات تقحم عليه ..
سأضطر إلى تجزئة المقال إلى عدة أجزاء ..لمزيد من الإثارة والمتعة .
الموضوع للكاتب الرائع جواد البشيتى

في "النسخة الفلسفية" مِنْ "قصَّة الخَلْق"، لن يكون "مِنْ أين جاء الكون؟" هو السؤال الصحيح، فهذا السؤال إنَّما هو "مِنْ أين جاءت المادة؟"، فـ "الكون"، بكل ما يشتمل عليه مِنْ مجرَّات ونجوم وكواكب وأجسام وجسيمات وقوى، وغير ذلك، لا يَعْدِل "المادة"، وإنَّما يَعْدِل، جزءاً، فحسب، مِنْ وجودها.

أعْلمُ أنَّ هذا "السؤال الصحيح" يقوم على "فرضية خاطئة"، علمياً وفلسفياً، هي فرضية "أنَّ المادة جاءت.."؛ وكل ما يجيء يذهب؛ وكل ما يجيء ويذهب ليس بالسرمدي. ولكن دعونا نبدأ بها، فكَمْ مِنْ فرضية خاطئة أفضت، في البحث العلمي المنطلق منها، إلى ما يدحضها، ويقيم الدليل، بالتالي، على صواب نقيضها!

"الخَلْق" إنَّما هو خَلْق "المادة" مِنَ "العدم"، أو تحويل "العدم" إلى "وجود"، على يديِّ "قوَّة غير مادية"، فـ "الخَلْق" ليس له مِنْ معنى إلا إذا سلَّمْنا، أوَّلاً، بالفكرة الآتية: كان "الخالِق" ولم يكن شيء، فـ "الخالِق" كان قَبْلَ "الخَلْق"، وقَبْلَ "المخلوق". وإذا كان مِنْ معنى لعبارة "كان العدم ولم يكن مِنْ وجود للمادة" فيمكننا أنْ نقول: "كان الخالِق، وكان العدم". ثمَّ أراد "الخالِق" خَلْق "المادة" مِنَ "العدم"، فخُلِقتْ.

في "المنطق" ليس إلا، لا يمكننا أنْ نقول إنَّ "س" جاءت، أو انبثقت، مِنْ "ص" إلا إذا أقمنا الدليل، أوَّلاً، على وجود "ص"، فقَبْلَ وجود "س" لا بدَّ مِن وجود "ص"، ولا بدَّ، بالتالي، مِن أنْ نتمكَّن مِن إثبات وجود "ص".

قياساً على ذلك، ينبغي لنا، قَبْلَ القول بخَلْق "المادة" مِنَ "العدم"، أنْ نقيم الدليل على أنَّ "العدم" كان قَبْل "المادة" و"الوجود"، فأين هو الدليل "المنطقي" على أنَّ "العدم" كان قَبْل "المادة" حتى نقول بمجيء "المادة" مِنَ "العدم"؟!

لا تَقُلْ لي إنَّ دليلي هو أنَّ كل شيء "ينشأ"، ثمَّ "يزول"، وأنَّ هذا "الشيء" الذي تدعونه "المادة" قد "نشأ" هو أيضاً، ولا بدَّ له، بالتالي، مِن أنْ "يزول". لا تَقُلْ ذلك؛ لأنَّ ما نراه مِنْ "نشوء" و"زوال" لـ "الأشياء" لا يقيم الدليل على أنَّ "الشيء" ينشأ مِنْ "لا شيء"، أي مِنَ "العدم"، كما لا يقيم الدليل على أنَّ "الشيء" بزواله يذهب إلى "العدم". ما نراه إنَّما يؤكِّد "التحوُّل المادي" ليس إلا، فكل شيء ينشأ مِنْ شيء (أو أشياء) وكل شيء يتحوَّل، في زواله، إلى شيء آخر (أو أشياء أخرى).

كل شيء ينشأ، وكل شيء يزول؛ ولكن "المادة" ليست بـ "الشيء المحدَّد الملموس" حتى ينشأ ويزول، فهذا الذي ينشأ ثمَّ يزول إنَّما هو شكل مِنْ أشكال لا عدَّ لها ولا حصر لـ "المادة"، التي هي "ثابت التغيُّر"، فبَعْد كل زوال تبقى "المادة"، أي يبقى هذا "الجوهر"، الذي لم ينشأ حتى نقول بزواله.

في الفيزياء، التي لم تتطهر بَعْد مِن "الميتافيزيقيا"، نرى كثيراً من النظريات والتصوُّرات التي يحاول أصحابها الوصول إلى ما يسمُّونه "المادة الأوَّلية" حتى يصبح ممكناً القول بمجيئها مِنَ "العدم". إنَّهم، الآن، يعتقدون بوجود "المادة الأوَّلية" في جسيمات مثل "الإلكترون" و"الكوارك".

سوف يستنفدون الوقت والجهد لإثبات أنَّ "الإلكترون"، مثلاً، هو نوع من أنواع "المادة الأوَّلية"؛ ولكنَّ محاولتهم ستتمخَّض، أخيراً، عن نتائج تصيبهم بالخيبة والإحباط. ولسوف يقوِّض هذا الجسيم، أي "الإلكترون"، اعتقادهم بـ "المادة الأوَّلية" كما قوَّضته "الذرَّة" مِنْ قَبْل.

سوف يكتشفون الآتي: الإلكترون يتألَّف هو، أيضاً، مِنْ جسيمات ليست "أوَّلية".. يتألَّف مِنْ جسيمات، كلٍّ منها، أصغر منه، فالجزء لا يمكنه أنْ يكون أكبر مِنَ الكل. وكلٌّ منها موجودٌ (في داخل الإلكترون) بـ "مقدار". وكلٌّ منها في حركة دائمة، أي أنَّه ينتقل مِنْ موضع إلى موضع، ولو كان انتقاله هذا في شكل "اهتزاز". وكلٌّ منها يُرْسِل ويستقبل "مادة". وسيكتشفون أنَّ الإلكترون يتألَّف، أيضاً، مِن "فضاء"، أو "فراغ"، فهذا الجسيم، وكلُّ جسيم، لا يُوجَد إلا إذا كان مِنْ حوله فضاء، وفي داخله فضاء، يمكنه "التمدُّد"، ويمكنه "التقلُّص". قصارى القول، سوف يكتشفون أنَّ الجسيم الذي يعتقدون أنَّه جسيماً أوَّلياً ليس سوى "الذرَّة مصغَّرةً"!

"الذرَّة" لا تحتاج إلى "العدم"، تفسيراً لـ "وجودها"؛ ذلك لأنَّها جاءت مِن "اتِّحاد" جسيمات عدة، كالبروتون والنيوترون والإلكترون. أي لأنَّها "مُركَّب"، وليست بـ "مادة أوَّلية". أمَّا ما يسمُّونه بـ "الجسيم الأوَّلي"، كـ "الكوارك" و"الإلكترون"، فيحتاج، في معتقَدِهم الفيزيائي، أي في وهمهم الفيزيائي، إلى "العدم"، تفسيراً لـ "وجوده"، فإذا لم يأتِ "الجسيم الأوَّلي" إلى الوجود مِنْ خلال اتِّحاد "عناصر مادِّية"، فمِنْ أين، وكيف، أتى؟ إنَّهم، ومِنْ أجل الوصول إلى هذا السؤال الذي يسألون، يستمسكون بـ "المادة الأوَّلية"؛ وليس مِنْ جواب يملكون عن سؤالهم هذا سوى الجواب الآتي: لم يأتِ إلا مِنَ "العدم"!

جسيمهم الخرافي الميتافيزيقي هذا لا يتألَّف مِنْ شيء، ولكنَّه يَدْخُل في تكوين كل شيء. وهذا الجسيم "البسيط"، "غير المُركَّب"، لا بدَّ، في تصوُّرهم ومعتقدهم، مِنْ أنْ يكون قد انبثق مِنْ "لا شيء"، أي مِنَ "العدم"!

هل يزول؟ جوابهم: أجل يزول، فـ "الإلكترون" ومضاده "البوزيترون"، مثلاً، يمكن أنْ يفني كلاهما الآخر. وهذا "الفناء المادي" معناه عندهم هو تحوُّل الجسيمان الأوَّليان المتضادان إلى "طاقة خالصة"، أي إلى "فوتونات"، يمكن أنْ تنشأ منها جسيمات أوَّلية متضادة، مثل "الإلكترون" و"البوزيترون".

نظرية "البيضة والدجاجة"!

وهكذا تنشأ "الجسيمات الأوَّلية المتضادة" مِنْ "طاقة خالصة"، أي مِنْ "فوتونات"، وتتحوَّل "الفوتونات" إلى "جسيمات أوَّلية متضادة". هذه هي نظرية "الدجاجة والبيضة"، التي بها يُفسِّرون، أيضاً، "الجسيمات المُركَّبة المتضادة"، كـ "البروتون"، وضده "البروتون السالب"، الذي يتألَّف كلاهما مِنْ ثلاثة أنواع مِنَ "الكواركات"، فعندما يفني كلاهما الآخر تنشأ "طاقة خالصة"، يمكنها التحوُّل إلى "جسيمات أوَّلية (أو مُركَّبة) متضادة".

على أنَّ نظرية "الدجاجة والبيضة" لا تحلُّ، في حدِّ ذاتها، مشكلة "مِنْ أين جاءت المادة؟"، فهذه النظرية يمكنها أنْ تُخْبِرنا بتحوُّل "الطاقة الخالصة"، أي "الفوتونات"، إلى "جسيمات متضادة أوَّلية أو مُركَّبة"، وبتحوُّل هذه الجسيمات عبر فنائها المتبادل إلى "طاقة خالصة"؛ ولكنَّها لا تُجِيب عن سؤال "مِنْ أين جاءت الدجاجة والبيضة معاً؟".

لقد أجابوا عن السؤال، ولكن ليس في طريقة فيزيائية، وإنَّما في طريقة ميتافيزيقية، وإنْ ألبسوا إجابتهم مفردات وعبارات فيزيائية.

بحسب إجابتهم، كان الـ "Big Bang" هو "القوَّة" التي خلقت "البيضة والدجاجة معاً"، ففي "نقطة مفردة"، تَعْدِل "العدم" في خواصِّها، وقع "الانفجار الكبير"، فخُلِقَ إذ وقع كل شيء. خُلِقَ به، وبفضله، الزمان والفضاء والقوى.. لقد خُلِقَ "كل شيء" مِنْ "لا شيء". وهذا "الخَلْقُ" تسمح به، حسب زعمهم، "ميكانيكا الكم".

هُمْ، أوَّلاً، اخترعوا "المادة الأوَّلية"، أو "الجسيم الأوَّلي". ثمَّ قالوا بتحوُّله إلى "طاقة خالصة"، وبتحوُّل هذه "الطاقة الخالصة" إليه. ثمَّ قالوا بانبثاق "الكون"، الذي يفهمونه على أنَّه "كل العالم المادي"، مِنْ "بيضة العدم"، أي مِنْ تلك "النقطة المفردة"، الميتافيزيقية الخواص والماهية. أمَّا هذا "الخالق الجديد، الذي خَلَقَ "كل شيء" مِنْ هذا الـ "لا شيء" المسمَّى "النقطة المفردة"، فدعوه "الانفجار الكبير" Big Bang. هنا تقاطعت قصة "الخَلْق التوراتية" القديمة والشهيرة مع نظرية الـ "Big Bang" في الخَلْق، فـ "المادة" Matter "نشأت" مِنَ "العدم"، ولسوف تعود إلى "العدم"، فـ "الزوال" إنَّما هو العاقبة الحتمية لـ "النشوء".

"المادة"، مهما كان شكلها أو نوعها، ومهما كان حجمها، يجب، ويجب، أنْ تكون "مُركَّبة"، فـ "البسيط" لا وجود له في العالم المادي، الذي ليس فيه مِنَ "النشوء"، أو "الزوال"، إلا ما يؤكِّد "التحوُّل"، فلا شيء ينشأ مِنْ لا شيء، ولا شيء ينتهي إلى "العدم".

معنى ذلك، أنَّ "السلسلة المادِّية" لا نهاية لها، فـ "الكوارك"، مثلاً، يجب أنْ يكون "مُركَّباً"، أي مؤلَّفاً مِنْ "جسيمات"؛ وكل جسيم من هذه الجسيمات، يجب أنْ يكون هو، أيضاً، مؤلَّفاً مِنْ جسيمات.. وليس لهذه السلسلة مِنْ نهاية.

و"العالم المادي" إنَّما هو قصة "نشوء" و"زوال" أشياء لا عدَّ لها ولا حصر؛ ولكن ليس مِنْ معنى لـ "النشوء" و"الزوال" غير معنى "التحوُّل المادي"، فأين هو هذا "الشيء" الذي نشأ مِنَ "العدم"، أو الذي بزواله عاد إلى "العدم"، حتى نقول بفكرة "الْخَلْق مِنَ العدم"؟!

سلِّموا بـ "الحقيقة"، التي ترونها بالعين والعقل، والتي تُؤكِّد ذاتها بذاتها دائماً.. سلِّموا بـ "حقيقة" أنَّ "المادة مُركَّبة"، وأنَّ "التحوُّل المادي" هو كل معنى "النشوء" و"الزوال". سلِّموا بها؛ لأنَّ "العِلْم" لم يأتِ قط، ولن يأتي أبداً، إلا بما يقيم الدليل على صدق ذلك.

يتبع ...



:: توقيعي :::


أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال. أينشتاين

  رد مع اقتباس
قديم 08-30-2013, 11:24 PM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي

تحية طيبة ...

هذه الجزئية من الأهمية بمكان ....

*حجَّة "النظام" في الكون

ولكن، هل انتهت وتقوَّضت كل حججهم؟ كلاَّ، لم تنتهِ ولم تتقوَّض بعد، فهناك "أحجية"، أو "حجَّة"، ما يسمُّونه "النظام الدقيق والمُحْكَم" للكون.

قبل اكتشاف قانون "القصور الذاتي"، كانوا ينظرون، في دهشة وحيرة، إلى حركة الكواكب في السماء، فحركتها كانت "مستمرة"، و"منتظَمة"، أي أنَّ حركة الكوكب لا تتوقَّف، لا تزيد، ولا تنقص، ولا تتغيَّر في الاتِّجاه.

تملَّكتهم الدهشة والحيرة؛ لأنَّهم كانوا يرون أنَّ "الكرة" المتحرِّكة على "سطح مستوٍ" لا تظلُّ تتحرَّك إلى الأبد، فحركتها تقلُّ شيئاً فشيئاً حتى تتوقَّف تماماً. فإذا أردتَ أنْ تستمر "الكرة" في حركتها فعليكَ أنْ تدفعها بين الفينة والفينة.

قياساً على ذلك، قالوا بضرورة وجود "قوَّة ميتافيزيقية" تعمل، في استمرار، على بقاء الكواكب في هذا النمط مِنَ الحركة، أي في حركة دائمة لا تتوقَّف، ومنتظَمة، وغير متغيِّرة الاتِّجاه.

هذه "الأحجية" ما عادت بـ "الأحجية" إذ اكتشفنا قانون "القصور الذاتي"، فالكوكب، الذي لا يتعرَّض لتأثير قوَّة، كـ "قوَّة الاحتكاك" بين "الكرة" و"السطح المستوي"، يظل يتحرَّك، إلى الأبد، بالسرعة ذاتها، وفي الاتِّجاه ذاته، أي أنَّ "قصوره الذاتي"، وليس تلك "القوَّة الميتافيزيقية"، هو الذي يبقيه في هذا النمط مِنَ الحركة.

ماذا بقي مِنْ هذه "الحجة"؟ بقي آخر بقاياها، وهو "الدفعة الأولى"، فهُم قد يوافقون على هذا التأثير لقانون "القصور الذاتي"، ولكنهم سيستمسكون بـ "الدفعة الأولى"، فثمَّة "قوة ميتافيزيقية" قامت بـ "دفع" الكوكب "الساكن"، ثمَّ تولَّى قانون "القصور الذاتي" إنجاز "بقية المهمة"!

وأحسب أنَّ "السوبر نوفا"، مثلاً، يدحض آخر بقايا تلك "الحجة"، فـ "سحابة الهيدروجين الضخمة" يستحيل وجودها إذا لم تكن "الجاذبية" Gravity جزءاً لا يتجزأ منه.

لنتَّفق، أوَّلاً، على هذه "المقدِّمة" التي لا غنى عنها، فإذا هُم أثبتوا لنا أنَّ هذه "السحابة" ممكنة الوجود مِنْ دون "الجاذبية" فإننا، عندئذٍ، نسلِّم بأنَّ "القانون الطبيعي"، أو "النظام الطبيعي"، مثل قانون "الجاذبية"، قد أُدْخِلَ إدخالاً في "العالم المادي".

وبعد الاتِّفاق على أنَّ "سحابة الهيدروجين" و"قانون الجاذبية" هما "شيءٌ واحد"، نقول إنَّ الجاذبية تقوم بتركيز "المادة" في "السحابة"، وإنَّ هذا التركيز، أو التقليص المستمر والمتزايد لحجم "المادة" في "السحابة"، ثمَّ في "النجم العملاق" المنبثق منها، هو الذي يُهيئ أسباب "الانفجار"، الذي بـ "قوَّته"، وليس بـ "قوَّة الدفعة الأولى الخفية"، تُقْذَف أشلاء وشظايا الطبقة الخارجية لـ "النجم العملاق" بعيداً في الفضاء. كل شظية مِنْ تلك، أكانت كبيرة أم صغيرة، تستمر، بفضل قانون "القصور الذاتي"، في الحركة، بالسرعة ذاتها، وفي الاتِّجاه ذاته، إلا إذا تأثَّرت بقوَّة خارجية.

"المادة"، أو "الطبيعة"، الخالية، أو المُفْرَغة، مِنَ "القانون"، أو "النظام"، لم تُوجَد قط، ولن تُوجَد أبداً. إنَّ "سلك النحاس" يتمدَّد بالحرارة. وكذلك سائر "المعادن". وهذه "الظاهرة الفيزيائية" كشفت وأكَّدت وجود وعمل "قانون فيزيائي أو طبيعي موضوعي" هو قانون "التمدُّد الحراري للمعادن". فهل كان ممكناً تَصَوُّر وجود "سلك مِنَ النحاس" قَبْلَ أنْ تُدْخِل "قوَّة خارجية ميتافيزيقية" هذا "القانون"، أو "النظام"، فيه، وفي "المعادن" على وجه العموم؟!

قديمأً، كانوا ينسبون الظاهرة الطبيعية كلها إلى "الروح"، أي إلى "قوَّة ميتافيزيقية خالِقة خارقة"، فحيث يعجز "العِلْم" عن التعليل والتفسير تتولَّى "الخرافة" المهمة، فتحل "العلَّة المثالية" محل "العلَّة المادية". الآن، لا يجرؤن على ذلك، فـ "العِلْم" اكتشف "القانون الطبيعي الموضوعي" للظاهرة الطبيعية التي حيَّرتهم، وبَسَطَ "أسبابها"، التي يكفي أنْ تجتمع حتى تتكرَّر الظاهرة ذاتها.

على أنَّ نجاح "العِلْم" في التعليل والتفسير، وفي الإمساك بمزيدٍ مِنَ "القوانين الطبيعية الموضوعية"، لم يَسْتَنْفِدَ، بَعْد، قدرتهم على تطوير "العلَّة المثالية"، فهُمْ، في موقفهم من "القانون الفيزيائي الموضوعي"، يوافقون، على سبيل المثال، على أنَّ "الحرارة" تُنْتِج "التمدُّد" في "المعادن"، ولكنَّهم يبتنون "جسراً مثالياً" بين ذاك "السبب المادي"، أي "الحرارة"، وهذه "النتيجة المادية"، أي "التمدُّد" في "المعدن"، فـ "الحرارة"، في "المعادن"، ما كان لها أنْ تُنْتِج "التمدُّد" إلا بفضل تلك "الإرادة الميتافيزيقية العليا"، فـ "الروح" يجب أنْ تظل مقيمة في عمق "القانون الطبيعي"!

وهكذا يعيدون كتابة "القانون الطبيعي" في طريقة ميتافيزيقية، فيقولون، مثلاً، إنَّ "الإرادة الميتافيزيقية العليا" هي التي سمحت لـ "الحرارة"، في "المعادن"، بأنْ تُنْتِج "تمدُّداً!

وعليه، يتحدُّونكَ على أنْ تُجيب عن سؤالهم الساذج الآتي: لماذا هذه "الحرارة" تُنْتِج، في "المعادن"، "تمدُّداً"، ولا تُنْتِج، مثلاً، "صوصاً"؟!

أمَّا لو أنتجت "صوصاً"، لجاء سؤالهم الساذج الفاسد على النحو الآتي: لماذا أنتجت "صوصاً" ولم تُنْتِج، مثلاً، "تمدُّداً"؟!

لو كان لهم "مصلحة" في "التصالُح" مع "الموضوعية" في التفكير، والنظر إلى الأمور، لأدركوا أنَّ "التمدُّد الحراري" هو مِنَ "الخواص الجوهرية" للمعادن، وليس ممكناً، بالتالي، أنْ يُوجَد أي شيء إلا ومعه، وفيه، "خواصُّه الجوهرية"، فالمعدن الذي لا يتمدَّد بالحرارة لا وجود له.

يمكننا أنْ نشرح "كيف" تؤدِّي "الحرارة" إلى "تمدُّد المعدن"؛ ولكن ليس مِنَ العِلْم في شيء أنْ نسأل عن السبب الذي يجعل "الحرارة" تُنْتِج "تمدُّداً" في المعادن، فليس مِنْ جواب عن هذا السؤال الساذج، وأمثاله، سوى الآتي: "لأنَّ هذا هو طبيعة الشيء"، فالمعدن طبيعته أنْ يتمدَّد بالحرارة.

في "القانون الطبيعي"، نرى أنَّ "اجتماع الأسباب ذاتها" يؤدِّي، حتماً ودائماً، إلى "النتيجة ذاتها"، على أنْ نفهم "اجتماع الأسباب ذاتها" على أنَّه اجتماع للأسباب ذاتها، في جانبيها "النوعي" و"الكمِّي". قد نرى اجتماعاً للأسباب، في مكان ما، أو في زمان ما، ولكننا لا نرى "النتيجة ذاتها"، فيحملنا ذلك على القول بانتفاء "القانون الطبيعي"، و"الحتمية الطبيعية". هنا ينبغي لنا أنْ نمعن النظر، فثمَّة "نقص في المقدِّمات".. نقص "نوعي"، أو "كمِّي"، أي أنَّ "الأسباب ذاتها" لم تجتمع وتتهيَّأ بالكامل، في جانبيها "النوعي" و"الكمِّي". إنَّ في "التكرار" يكمن "القانون"، فإذا ما "تكرَّرت" الظاهرة، أو النتيجة، الطبيعية ذاتها فهذا إنَّما يدلُّ على وجود وعمل "القانون الطبيعي".

كل "النظام" في "الكون" إنَّما يُفسَّر، أي يمكن ويجب أنْ يُفسَّر، بـ "قانون موضوعي"، هو جزء لا يتجزأ مِنَ "المادة". فهل مِنْ "نظام" في "الكون" يمكن أنْ يشذَّ عن هذه القاعدة حتى نتساءل في استغراب ودهشة قائلين: "مِنْ أين جاء هذا النظام إلى الكون؟!".

"الكون" مُنَظَّم تنظيماً مُحكماً بـ "قوانينه الذاتية الموضوعية".. كان كذلك مِنَ "الأزل، وسيبقى كذلك إلى الأبد. "الفوضى" لم تَسُدْهُ حتى نخترع "قوَّة خارجية ميتافيزيقية"، نَنْسِب إليها فضل "تنظيمه"!

وما نراه "نظاماً" في هذا الجانب أو ذاك مِنْ] جوانب الكون إنَّما هو "ظاهرة مؤقَّتة" مهما طال عُمْرها، فـ "القمر"، مثلاً، بينه وبين "الأرض" مسافة معيَّنة، ويدور حولها بسرعة معيَّنة.. هو في هذه الحال، تقريباً، منذ ملايين السنين. هذا يدعونا إلى السؤال عن "سرِّ" هذا النظام الدقيق المُحْكَم؛ ثمَّ "افتراض" وجود "قوَّة خارجية ميتافيزيقية"، يعود إليها الفضل في "خَلْقِ" هذا "النظام" واستمراره. ولكن هذا "المشهد" لن يستمر إلى الأبد، فالقمر، بعد ملايين السنين، لن يبقى في مداره حول "الكوكب الأرضي"، أي أنَّ هذا "النظام" الذي أدهشنا وحيَّرنا لن يدوم طويلاً. سيصبح "قمرنا"، بعد ملايين السنين، في "نظام جديد"، فانتهاء "النظام القديم" لا يعني أبداً حلول "الفوضى"، وإنَّما حلول "نظام جديد".

ونحن في حديثنا عن "مظاهر النظام والتنظيم" في الكون لا نضرب صفحاً عن حقيقة أنَّ في الكون مظاهر مِنَ "الفوضى" و"المصادفة"، ولكننا نفهم هذه المظاهر فهماً "نسبياً"، فكل ظاهرة نَنْظُر إليها على أنَّها نُتاج "فوضى"، أو "مصادفة" إنَّما هي، في الوقت نفسه، نُتاج "قوَّة الضرورة الطبيعية"، فلو أنَّ "أسبابها الموضوعية" لم تجتمع وتتهيأ لما قامت لها قائمة.

هذه "الشجرة" كان لا بدَّ لها مِنْ أنْ تطرح ثمارها؛ لأنَّ "الأسباب الموضوعية" لطرحها ثمارها قد اجتمعت وتهيَّأت. ولكن، هبَّت، على حين غرة، ريح عاتية، فاقتلعت الشجرة مِنْ جذورها.

هذا "الحادث المباغت" نفسِّره بـ "الفوضى" و"المصادفة"، وليس في هذا التفسير مِنْ "خطأ" ما دام يَعْدِل "نصف الحقيقة" فحسب، ففي نصفها الآخر، يمكننا وينبغي لنا، أنْ نرى "الضرورة"، و"القانون"، و"النظام"، في هبوب تلك الريح، التي لو لم تجتمع وتتهيأ "أسباب" هبوبها لما هبَّت.

ليس مِنْ شيء في الكون حَدَثَ إلا وكان حدوثه ضرورة وحتمية، فأين هو هذا الشيء الذي حَدَثَ وكان حدوثه مخالفاً لـ "قانون طبيعي"، أو لم تجتمع وتتهيأ بَعْد "أسباب" حدوثه؟!

حُدوث الشيء إنَّما هو في حدِّ ذاته خير دليل على وجود وعمل "القانون الطبيعي الموضوعي"، وعلى أنَّ "أسباب" حدوثه قد "اكتملت"، فـ "الواقع" إنَّما ينطوي على "الضرورة الطبيعية"!



:: توقيعي :::


أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال. أينشتاين

  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
مادة, خلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضيحة خلق الارض و النبات قبل خلق السماوات! السيد مطرقة11 الأرشيف 1 01-02-2018 10:32 AM
مادة غير حية خافت على نفسها ساحر القرن الأخير ساحة النقد الساخر ☺ 6 04-29-2017 05:33 PM
العرب مادة الإسلام صفا علي العقيدة الاسلامية ☪ 8 03-09-2017 12:31 PM
هل يمكن ان يكون الله مات بعد ما خلق ما خلق alaa elmasrey العقيدة الاسلامية ☪ 7 07-21-2016 10:33 PM
العلماء يكتشفون أقوى مادة على الإطلاق ابن دجلة الخير العلوم و الاختراعات و الاكتشافات العلمية 2 04-18-2016 01:45 AM