موت المؤلف : لرولان بارت (اول ترجمة عربية)
ترجمة الشقوبي المتواضعة *
(1)
يتحدث بلزاك في قصته " ساراسين" عن "كاستراتو" متنكرا في هيئة امرأة في هذه الجملة قائلا : "كانت امرأة، مع مخاوفها المفاجئة ، نزواتها اللاعقلانية، مخاوفها الغريزية، تبجحها الغير مبرر ,جراتها و لذة شعورها المرهف" من الذي يتكلم بهذه الطريقة ؟ هل هو بطل القصة ؟ حريص على تجاهل كاستراتو المتخفي في هيئة امراة ؟ هل هو الرجل بالزاك بمواهبه التي اكتسبها من تجربته مع فلسفة المراة ؟ هل هو المؤلف بلزاك يصرح بمسلماته الادبية عن أفكار النسوية ؟ هل هي الحكمة الكونية ؟ ام علم النفس الرومنسي ؟ سيبقى من المستحيل علينا ان نعرف دوما وذلك لسبب بسيط هو أن لكل كتابة صوتها الخاص و هي تتالف من اصوات مبهمة متعددة و الادب في جوهره هو ابداع الاصوات المختلقة التي لا يمكن نسبتها الى مصدر اصلي فالادب هو ذلك المحايد و تلك التوليفة و ذلك المنعرج الذي تفر اليه كل المواضيع و الفخ الذي تضيع فيه كل الهويات ابتداءا من هوية الجسم الذي يكتب.
(2)
ربما كانت هذه هي الحال دائما: مند ان بدأ سرد الاحداث الى النهايات المفتوحة ، ولم يعد ممارسة ميدانية على ارض الواقع - وهذا هو، في النهاية ظاهر أي وظيفة ولكن الاغراق في الرمزية - يحدث هذا الخلل فالصوت يفقد مصدره و المؤلف يدخل في موته و الكتابة تبدأ ومع ذلك فإن الشعور بهذه الظاهرة كان متغيرا و في المجتمعات البدائية لا يجري السرد أبدا من قبل شخص ولكن من قبل وسيط اما الشامان أو الخطيب و الأداء قد يكون محترما بفضل إتقانه لرمز السرد ولكن ليست بفضل عبقريته فالمؤلف فرد ينتمي الى العصر الحديث و هو بلا شك نتاج لمجتمعنا بوجه من الوجوه ففي نهاية العصور الوسطى، مع ظهور النزعة التجريبية الإنجليزية و العقلانية الفرنسية والإيمان الشخصي للإصلاح التي اكتشفت قيمة الفرد و بوأت الإنسان الفرد في مكانة اكثر كرامة وبالتالي فمن المنطقي أنه فيما يتعلق بالأدب انه كان يجب ان يكون وضعانيا و خلاصة ونتاجا للأيديولوجية الرأسمالية التي أعطت أهمية كبيرة للمؤلف "الشخص" و لا يزال المؤلف يحكم في كتيبات التاريخ الأدبي و في السيرة الذاتية للكُتاب و في مقابلات المجلات وحتى في وعي رجال الأدب الحرص على الاتحاد من قبل الجرائد الخاصة بهم و اشخاصهم واعمالهم وصورة الأدب التي يمكن العثور عليها في الثقافة المعاصرة تتمحور استبداديا حول المؤلف، وشخصه وتاريخه و أذواقه و عواطفه و لا يزال النقد مصرا في معظم الأحيان على القول بأن عمل بودلير هو فشل لشخص بودلير وعمل فان جوخ جنونه و عمل تشايكوفسكي نائبه إن تفسير العمل ينقب دائما عن الرجل الذي أنتجه كما لو كان من خلال الكثير او القليل من وضوح الرمزية للرواية فانها دوما و بشكل نهائي تعبير عن صوت شخص بعينه و الذي افشى ثقته بين الناس .
|