شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > مقالات من مُختلف الُغات ☈

 
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 06-10-2014, 04:49 PM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
Icon15 فيروس العقل: ليس مجرد كتاب



إبراهيم جركس



تنبيه: يحتوي هذا الكتاب على فيروسات عقلية خطيرة، لا تستمر في قرائته إلا إذا كانت لديك الرغبة بالإصابة بالعدوى. هذه العدوى قد توثر بشكل ملحوظ أو غير ملحوظ على طريقة تفكيرك، أو حتى أنه قد يغيّر نظرتك إلى العالم ويقلبها رأساً على عقب. [مدخل الكتاب]
يشير مصطلح memtics إلى علم دراسة الأفكار وانتقالها وانتشارها ضمن الجماعات، وكيفية تاثيرها على حياتنا وطرق تفكيرنا. وقد آثرت اعتماد مصطلح "الميكرومات" للدلالة على مصطلحي MEME و MEMETICS الذين ليس لهما معنى في اللغة العربية، و يمكن القول أن هذان المصطلحان يشيران إلى علم الجينات العقلية وطرق انقسامها وانتشارها. ولفظة ميكروم مؤلفة من مقطعين "micro" و "meme" وذلك لأن تلك الأفكار تشبه الفيروسات والجراثيم المعدية التي تنقل لأجسامنا من دون ملاحظتها أو رؤيتها.
ورد التنبيه السابق في بداية كتاب الكاتب والمفكر الأمريكي ريتشارد برودي ((فيروس العقل)) وهو ليس مجرد كتاب عادي، أو كأي كتاب للتسلية والترفيه، بل إنه كتاب قيم على الجميع اقتناؤه وتمريره إلى أصدقائهم ومعارفهم. وأقدم هنا ترجمة لمقدمة الكتاب الهام، حيث أني قد انتهيت للتو من ترجمته ترجمة كاملة. وهو في طريقه إلى النشر وسيرى النور في أقرب وقت ممكن، حيث سأنشره في صفحات موقع الحوار المتمدن على حلقات.
*********
فيروس العقل
(( علم الميكرومات [الجينات العقلية] الجديد ))
بقلم:
ريتشارد برودي
ترجمة:
إبراهيم قيس جركس

مقدمة
أزمة العقل

"خسارة أن يفقد المرء عقله،
أما أن لا يمتلك عقلاً على الإطلاق فتلك مصيبة"
دان كوايل

هناك بعض الأخبار السارة في هذا الكتاب، ولكن قبل أن أخوض في مسألة كيف أن فيروسات العقل تنتقل وتنتشر بشكل محموم في كافة أرجاء العالم: أناس مصابون بعدوى خطيرة مثل فيروس "مايكل أنجيلو" الذي يصيب الكمبيوترات حيث انه يحمّل عليها تعليمات وبرامج للتدمير الذاتي... سأبدأ بالأخبار السارة.
الخبر الجيد هو أن النظرية العلمية التي توحّد بين البيولوجيا، والسيكولوجيا، وعلم الإدراك، والتي طال انتظارها طويلاً، موجودة هنا. جهود ضخمة لعلماء في جميع هذه المجالات، وعلى مدى عشرين سنة أو أكثر _حقيقة تعود تلك الجهود إلى عام 1859 وإلى العالم تشارلز داروين، إذا أردنا توخي الدقة والأمانة_ قدّمت علماً جديداً أطلق عليه اسم "علم دراسة الأفكار المتوارثة [أو علم الجينات العقلية] Memetics .
بالنسبة لأولئك الذين يتوقون إلى فهم أنفسهم، فدراسة علم الميكرومات [علم انتقال الأفكار المتوارثة] سيمنحهم جرعة كبيرة من الشعور بالرضا. كما أني أعتقد أيضاً أن الناس الذين يفهمون ذلك العلم ويستوعبونه سيحصلون على أكبر قدرٍ من الفائدة من حياتهم، وخصوصاً بتحصين أنفسهم ضدّ التلاعب والتضليل أو أخذهم على حين غرّة. فإذا تمكّنت من فهم كيفية عمل عقلك بشكلٍ جيد سيكون بإمكانك أن تبحر خلال عالم من الأضاليل والأكاذيب الملحوظة من دون أن يتأثر عقلك بها.
والآن نصل إلى الأخبار السيئة... وهي أن هذا الكتاب يطرح أسئلة أكثر بكثير مما يجيب... وخصوصاً، لقد كشف علم الميكرومات وجود فيروسات العقل، لكنه لم يقدّم لنا سوى بضعة حلول عن كيفية التعامل معها.
لقد كانت فيروسات العقل معنا وتعيش بيننا منذ بداية _وعلى مر_ التاريخ، إلا أنها ظلّت تتطوّر بشكل دائم ومستمر. إنها عبارة عن قطع مؤذية ومعدية جداً من تراثنا، تنتشر بسرعة محمومة في كافة نواحي المجتمع، وتعمل على تعديل وقولبة أفكار الناس وحياتهم خلال وعيهم ويقظتهم. وتشتمل فيروسات العقل على كل شيء بدءاً من الأمور النسبية غير الضارّة كالتنانير القصيرة والجمل العامية الشائعة _إلى تلك التي الأشياء التي تخرج حياة الناس عن مسارها_ كحلقة الأمهات العازبات المرفهات، مساكن المشاهير cribs، وعصابات الشبان الدموية، وفرع الطائفة الدينية الداؤودية. وحين تكون تلك الأجزاء الثقافية هي من النوع الذي نفضله ونرغب به، هنا نكون أمام مشكلة كبيرة. على أية حال، وكما يفعل فيروس مايكل أنجيلو عندما يبرمج الكمبيوترات على تدمير بياناتها، فإن فيروسات العقل بإمكانها أن تبرمجنا على التفكير والتصرف بطرق تدمّر حياتنا بأكملها.
تلك من أكثر البصائر المفاجئة والعميقة في علم دراسة الأفكار المتوارثة: قد لا تكون أفكارك هي من إنتاج تفكيرك الخالص في أغلب الأحيان. فأنت تلتقط الأفكار، تصاب بعدواها، وبشكل مباشر من الناس الآخرين، وبشكل غير مباشر من الفيروسات العقلية.
لا يبدو أن الناس يحبذون فكرة أنهم لا يملكون السيطرة على أفكارهم. كما أنّ الناس مازالوا متردّدين في أخذ هذه الفكرة وما زالوا ينظرون إليها بأنها السبب الرئيسي في أن الإنجاز العلمي الذي تمّ تحقيقه في هذا المجال حتى الآن مجهول ولم يتمّ التعرّف إليه بعد. وكما سنرى لاحقاً، فالأفكار التي لا يحبّها الناس يواجهون صعوبة بالغة في التقاطها وفهمها.
والخلط الآخر و المشكلة التي تتعلّق بمسألة معرفتك ما إذا كانت تلك الفيروسات التي انتقلت إلى عقلك من عقل آخر مؤذية أم مفيدة. لم ينضمّ أحد على طائفة دينية بمحض إرادته وبداخله نية كي يتمّ غسل دماغه، أو الانتقال إلى غويانا، أو الانتحار.
عندما أصيب الشاب بيل غيتس بفيروس "لعبة البوكر" في جامعة هارفرد، هل كان ذلك الفيروس ضاراً لأنه ألهاه عن دراسته؟ أم أمه كان مفيداً لأنه دفعه لترك الجامعة، وإنشاء مايكروسوفت، كي يصبح مليارديراً؟.

* تغيّر النموذج
من وقتٍ لآخر، يواجه العلم شيئاً يطاق عليه اسم "تغيّر النموذج Paradigm Shift". ويحدث ذلك عندما يتغيّر أحد الافتراضات البديهية والأساسية والتي كنا نعيش معها ونعتبرها مسلّمة من مسلّمات العقل التي لا تقبل الجدال ولا تحتاج إلى البرهنة، مثال ذلك: عندما تغيّرت نظرتنا نحو الكون حيث أننا كنا نعتقد قديماً أنه يدور حول الأرض، أمّا الآن فبتنا نعرف أنّ الأرض هي التي تدور حول الشمس.
هناك تغيّر آخر طرأ عندما اكتشف آينشتاين العلاقة بين المكان والرمان والعلاقة بين الطاقة والمادة. وقد احتاجت هذه النماذج وقتاً طويلاً حتى تقتحم المجتمع العلمي، ووقتاً أطول حتى تصبح مقبولة من قبل الناس العاديين.
[[إنّ فيروسات العقل، حتى علم الميكرومات بأكمله، يمثل حالة تغيّر نموذج رئيسية في مجال دراسة العقل.]]
ولأنّ فهم هذا العلم الجديد يتضمّن تحوّل وتغيّر حاسم في طريقة تفكير الناس ونظرتهم بشأن العقل والثقافة، فقد كان من الصعب لهم إدراكه وفهمه. وكحالة أي تغيّر للنموذج، إنّ نظرية الميكرومات لا تتلائم مع طريقة تفكيرنا الحالية بالنظر إلى الأشياء، وفهم العالم من حولنا.
إنّ الطريقة لفهم أي نموذج جديد هي أن تضع جانباً نموذجك الحالي، في الوقت تتعلّم فيه _بدلاً من المحاولة_ ملائمة المعرفة الجديدة على نموذجك الحالي. إنه لن يتطابق ولن يتلائم معه! فإذا كنت تريد إزاحة نموذجك جانباً ولمدّة كافية لا بدّ وأن تضع في اعتبارك أربعة مفاهيم أساسية: بعضها أو جميعها قد تكون جديدة تماماً بالنسبة لك، فأنت ستكون الرابح والمستفيد الأول من فهمك للميكرومات. وبذلك الفهم يأتي النداء للعمل لأي شخص يهتمّ بمستقبل حياة الجنس البشري:
المفهوم الأول: نجم العرض، وهو عبارة عن ميكروم، وقد قدّمته خلال الفصل الأول، فهو الذي يلعب دوراً أساسياً خلال فصول هذا الكتاب. والميكروم meme الذي يحمل نفس قافية اللفظة beam [إشراق، إشعاع] هو البنية الأساسية للثقافة، ويشبه الجين الذي يشكّل البنية الأساسية للحياة. وكما أوردت في الفصل الثاني، إنّ الميكرومات ليست فقط الوحدات الأساسية في البناء الثقافي على مدى واسع _هي التي تكوّن البلدان، اللغات، والأديان_ بل وعلى المدى الضيّق: هي البنى الأساسية لعقلك، البرامج التي تبرمج كمبيوترك العقلي.
المفهوم الثاني للفيروسات: من المعلوم أنّ الفيروسات موجودة في علم الأحياء وفي عالم الكمبيوتر، والآن سنرى كيف تظهر في عالم العقل والثقافة، عالم الميكرومات. في الفصل الثالث، سأقارن بين هذه العوالم الثلاثة التي تحيا فيها الفيروسات لأبيّن ما الذي يمكن أن نتوقعه من فيروسات العقل في المستقبل.
المفهوم الثالث مرتبط بعملية تغيّر النموذج: وهو التطوّر Evolution. ومصطلح التطوّر هو أحد تلك المصطلحات التي يستخدمها مجموعة من الناس الذين يعتقدون أنهم يتكلّمون عن الشيء ذاته، إلا أنهم يحملون في رؤوسهم أفكار مختلفة عن معنى هذا المصطلح. أمّا أنا فسأناقش في الفصل الرابع المصطلح العلمي الذي يتناوله العلماء، وسأتناول تطبيقات هذا المصطلح في مجال الميكرومات في الفصل الخامس.
المفهوم الرابع مهم جداً لفهم الفيروسات العقلية وهو علم النفس التطوري Evolutionary Psychology, وهذا العلم يبحث في أسس وآليات عقولنا المتطوّرة لدعم عملية بقائنا واستمرارنا. بعض هذه الأسس تأخذ شكل الأزرار السيكولوجية التي يتمّ الضغط عليها لاختراق دفاعاتنا العقلية. وقد أطلقت على هذا الجزء من الكتاب اسم "أزمة العقل" بدلاً من "المقدّمة"، وذلك لأنّ الجزء الأول يضغط على المزيد من الأزرار: إنه يجذب انتباهاً أكبر، وسيقرأه المزيد من الناس. لذلك أطلقت عليه اسم "فيروس العقل" بدلاً من "مقدّمات إلى علم دراسة الأفكار المتوارثة" لنفس السبب.
في الوقت الحالي، علم النفس التطوّري هو علم مثير للجدل، فهو يكتشف ويفسّر الكثير من الفوارق النمطية بين الرجال والنساء، وخصوصاً في عالم السلوك التزاوجي. والفصل السادس مخصّص للبحث في الناحية التزاوجية لعلم النفس التطوّري. أمّا الجزء السابع فيغطّي ناحية البقاء والاستمرارية.
هناك نموذج جديد عن كيفية تطوّر الثقافة وما زالت تتطوّر. إنه يسلّط الضوء على نقطة قرار إنسانية بالغة الأهمية.
[[هل سنسمح للانتخاب الطبيعي بأن يطوّرنا بطريقة عشوائية، وبدون أي اعتبار لسعادتنا، أو رضانا، أو روحنا؟... أم أننا سنستوعب أزمة تطوّرنا الخاص ونختار طريقنا بأنفسنا؟....]]
إنّ علم الميكرومات يمدّنا بالمعرفة والقوة والقدرة على توحيد تطوّرنا بطريقة أفضل ممّا سبق لنا فعله على مرّ التاريخ، والآن بتنا نمتلك تلك القوة، فماذا سنفعل بها؟!!.

* تهديد للبشرية
لا تنتقل فيروسات العقل بواسطة العطس أو السعال مثل الحمى، أو عن طريق الجنس مثل الإيدز. إنها ليست أشياء مادية ملموسة. فيروسات العقل تنتقل بواسطة أبسط أشكال التواصل. وقد تناولت كيفية برمجتنا بواسطة فيروسات العقل في الفصل الثامن. بطريقةٍ ما، إنّ فيروسات العقل هي إحدى الأثمان الباهظة التي دفعناها من أجل إحدى الحريات التي نتمتع بها اليوم: حرية الحديث. فكلّما كان هناك مساحة أوسع للتحدّث بحرية، كلّما اتسعت الرقعة الخصبة لاستقبال فيروسات العقل وانتشارها.
بعض الفيروسات العقلية تظهر بشكل تلقائي، وقد تناولت هذا الموضوع خلال الفصلين التاسع والعاشر، وبعضها يختلف بشكل مقصود، كما أوردت في الفصل الحادي عشر، لكنها جميعها تشترك بعامل واحد مهم جداً.
[[ما أن يتم خلق الفيروس حتى يحصل على حياة مستقلّة، معتمداً على خالقه، ثمّ يتطوّر بسرعة كبيرة ليعدي أكبر عدد ممكن من العقول الأخرى.]]
إنّ فيروسات العقل ليست مجرّد أفكار مقلقة في المستقبل البعيد، كمسألة نفاذ الوقود النووي للشمس، أو اصطدام مذنب ما بالأرض. إنها معنا في الوقت الحالي _حتى أنها كانت معنا قبل بداية التاريخ المدوّن_ وهي تتطوّر كي نصبح أكثر كفاءة في عملها المخصّص لنقل العدوى إلينا. حتى أننا بتنا نصاب بالعدوى بطرق جديدة كلياً: التلفزيون، الموسيقى الشعبية الشائعة، تقنيات التسويق. بالإضافة إلى طريق مغرقة في القدم مثل: التعليم، التربية، التعاليم الدينية، وحتى التحدّث مع أقرب أصدقائك. فأهلنا قد أصبوا بالعدوى _من دون قصد_ عندما كانوا أطفالاً، فإذا كان لديك أطفال، فهناك احتمال كبير بأن تنتقل العدوى لهم بمرور الأيام.
هل أنت من قرّاء الصحف؟ إذن أنت عرضة للإصابة بعدوى فيروسات العقل. هل تستمع إلى الراديو؟ لا بدّ وأنك عرضة للإصابة بالعدوى. هل تخرج برفقة أصدقائك في نزهات؟ فأنت معرّض لالتقاط مجموعة من الفيروسات العقلية. إذا كانت حياتك لا تسير بالشكل الذي ترغب فيه، فاعرف أنّ للفيروسات العقلية دوراً كبيراً في ذلك.
هل تعاني من مشاكل في علاقاتك؟ إنّ الفيروسات العقلية تحتلّ جزءاً كبيراً من دماغك وتلهيك عمّا قد يمنحك سعادة مضمونة وطويلة الأمد... هل تعاني من مصاعب في مهنتك؟ إنّ الفيروسات العقلية تكدّر مستقبلك وتبعدك عن مسارك المهني، وذلك يدعم جدول أعمالها، ويهدم نوعية حياتك من كافة جوانبها.
الطوائف والجماعات الدينية تنتشر في كل مكان، وهي نتيجة فيروسات عقلية شديدة التأثير والقوة. تلك الطوائف تسيطر على عقول الناس سيطرة تامّة وتجعل أعضائها ينخرطون في تصرّفات غريبة جداً، من طقوس غريبة إلى حالات الانتحار الجماعي. فإذا كنت تظنّ نفسك منيعاً، تذكّر: لم يكن أحد ينوي الانتماء إلى جماعة دينية تسيطر على عقله. إنه عمل خبيث ومتلاعب لفيروسات العقل. وما أن يبدأ موجد الطائفة الدينية عملية تشغيل الميكرومات، حتى تسيطر فيروسات العقل سيطرة تامّة على حياته بأكملها.
وبسبب أجهزة الإعلام الهائلة وعمليات الانتقاء الموجّه، تصبح الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات أكثر عرضة للإصابة بفيروسات العقل. فالسياسي اليوم لا يمكن أن يتمّ انتخابه بدون الخروج بصورة فعّالة ومؤثّرة تضغط على أزرار الناس النفسية وتشغّلهم كي يدلوا بأصواتهم. "نحن اليوم نواجه أزمة، ولا أحد بإمكانه مواجهتها سوى أنا" هذا ما يقوله كل واحدٍ منهم، أو "هؤلاء المرشحين الآخرين كانوا السبب لجميع تلك المشاكل، وطبعاً أي تغيير أفضل من الوضع الذي نحن فيه الآن". فالساسة الذين يخرجون بصورة منمّقة بشكلٍ جيد ويثيرون بعض الفيروسات العقلية المتّقنة والمنتشرة على نطاق واسع هم الذين يلوّثون مجتمع اليوم.
ما هو صنف الشراب الكحولي المفضّل لديك؟ أو ذلك الذي يباع بضعف ثمنه، أم الذي يباع بثمنه الأصلي ولكن في متجر مغمور وغير معلن. هل تعلم أنّ الأموال الإضافية تذهب من أجل الإعلانات التلفزيونية، حيث يتمّ إرسال المزيد من الأبواغ المحمّلة بالفيروسات العقلية التي تسيطر على عقلك وتجبرك لدفع عربة التسوّق باتجاه الرفوف المتخمة ببضائعهم. وبذلك يكونون قد نجحوا في برمجة عقلك للاعتقاد بأنك تفضّل مشروبهم على غيره. فوكالات الإعلان هي من بين أكثر محرّضي ومثيري فيروسات العقل صفاقةً ومكراً.
يظهر الانتشار الواسع لفيروسات العقل في هذه الأيام بين أطفالنا, بدءاً من المدن والقرى الداخلية حيث تنتشر بسرعة هائلة، وتصيب العديد من الشبان وتدفعهم نحو اليأس والقنوط، والأمومة الوحيدة، والعصابات المنتشرة في الشوارع. فهناك العديد من الشبان الذين من الواضح أنهم فقدوا الإحساس بحسّ الغاية، تائهين في الاتجاهات. والفصل الثاني عشر يناقش إمكانية وقاية أطفالنا وأنفسنا من العدوى.

* جدول أعمالي
دعني أقول لك الآن: لدي جدول أعمال خاص لكتابة هذا الكتاب، وذلك لكي أغيّر حياة الناس. بعض محتويات هذا الكتاب يمكن استخدامها كممارسات في التحسين الذاتي Self – improvement. قد لا تتوقع كتاباً علمياً يتضمّن أفكاراً في مجال لتحسين الذاتي، إلا أنّ علم الميكرومات يتعامل مع العقل، مع حياة الناس. حيث أنّ فهم علم الميكرومات قد يساعد بشكل طبيعي في تحسين نوعية حياة الناس.
في المركز الأول: لم أكن لأضع هذا الكتاب _أو حتى كتابي السابق Getting past OK_ لو لم أطهّر نفسي من الكثير من الفيروسات والميكرومات التي التقطتها خلال مراحل نموّي، وبرمجة نفسي بميكرومات جديدة.
ما هي الميكرومات الجديدة التي تختارها لنفسك كي تبرمج بها عقلك إذا سنحت لك الفرصة؟ هذا يعود إليك بالكامل. لم أكن أملك أدنى فكرة عن معنى ذلك عندما بدأت هذا البحث. والآن بعد أن صار لدي فكرة عن ذلك، فقد اخترت أن أبرمج نفسي بأفكار وميكرومات تخدم قيمي وأهدافي في الحياة أكثر من تلك التي تدعم وتعزّز أجندة الفيروسات. ويمكنك القيام بذلك أو القيام بأمر مختلف. ولكنك لن يتاح أمامك هذا الخيار إلا إذا فهمت واستوعبت علم دراسة الميكرومات بشكل جيّد.
يعود الفضل في وضع هذا الكتاب بأني استمتع فعلاً كوني أغيّر حياة الناس الآخرين نحو الأفضل، وأعتقد أنّ التضلّع بعلم الميكرومات هو أمر ضروري جداً، ولذلك سأقوم بنشر هذا النوع من المعرفة. فأنا لا أضع هذا الكتاب من أجل تجربة فكرية، وبالرغم من أنّ كتاب "فيروس العقل" يدور حول العلم، إلا أنه من الواضح أنّه ليس نصاً علمياً. فهو مصمّم عن قصد، وهو نشر النموذج الجديد للميكرومات لأني أظنّ أنه بحث قيّم وجدير بالاطّلاع.
[[إنّ النشر الشعوري والواعي للأفكار الهامّة والقيّمة هو إحدى الطّرق في علاج ومكافحة فيروسات العقل.]]
هل تساءلت يوماً: لماذا تبدو الحياة معقدة وصعبة هذه الأيام؟ ولماذا تستمرّ بالتعقد أكثر فأكثر عاماً بعد عام؟ أحد الأسباب هو الجيش المتطوّر من الفيروسات والميكرومات الفكرية التي تحتلّ قسماً واسعاً من عقلك وما زال يتوسّع ويكبر مع مرور الزمن، والتي تلهيك عن السعي وراء السعادة، حيث أنها تخلّف آثاراً أعظم على الأجيال اللاحقة,.
هل تساءلت من قبل: لماذا لا تبدو الحياة أبسط مع هذا التقدّم التقني الهائل، بل العكس؟ فكل مرة تتعرّض فيها لفيروسات العقل، يصاب عقلك بجرعة طفيفة من التوتر، حقنة صغيرة من الإرباك.
الناس يتوجّهون نحو كل شيء بدءاً من العلاج النفسي وحتى حركة العصر الجديد New Age في محاولة منهم للتخفيف من عبء الإجهاد الساحق. بات الأطباء متأكّدين أنّ الإجهاد المفرط هو قاتلنا الأول، لكنّ الخبراء يختلفون في أسباب هذا التوتر وكيفية علاجه. لقد تكلّم المجتمع الطبّي عن أنماط اضطراب الشخصية، من النمط "A و"B، إلاّ أنّ أعضائه لا يملكون أيّة فكرة عن سببها. حتى أنّ النمط "B" له أعراض مرتبطة ببعضها في نفس الوقت. إنّ علم الميكرومات الجديد يمنحنا بصائر أوضح عن مشكلة التوتر stress.
[[من خلال السيطرة على أجزاء من عقلك ودماغك وتوجيهها في اتجاهات مختلفة، تقوم فيروسات العقل بإبعادك عمّا هو هام بالنسبة إليك في حياتك وتسبب لك الإرهاق والإرباك، التوتر، وحتى اليأس]]
فيروسات العقل نتقل العدوى على عقلك، وتبرمجك حسب تعليماتها التي تحيد بك عن المسار الذي اخترته حياتك. وبما أنّ ذلك يحدث بشكل لا_شعوري، فكلّ ستشعر به هو أنك مع نقدّمك بالسن، تصبح الحياة أكثر تعقيداً، وتوتراً، وأقل متعة، فيها الكثير من العوائق، والقليل من التسلية والتسهيلات. قد تشعر بانطفاء جذوة الدافع بداخلك، وقد تنخفض درجة استجابتك للأمور التي كانت تثيرك عادةً. تلك هي بع أعراض إصابتك بمرض فيروس العقل، عدوى ليس بإمكانك تفاديها إذا لم تحيا في عزلة تامّة منذ لحظة ولادتك.
على أيّة حال، بإمكانك البدء بتطهير نفسك. وأملي هو أنّ استيعابك لما سيرد في هذا الكتاب سيكون الخطوة الكبيرة الأولى في عملية التطهير. لكنها تتطلّب منك بذل القليل من الجهد كي تعلّم نفسك النموذج الجديد.

* ولادة نموذج جديد
لطالما كان العلماء يواجهون صعوبة بالغة في توصيل أفكارهم وآرائهم إلى العامّة. فالعلم بطبيعته هو عملية انتقاء اصطناعية للأفكار قائمة على الاختيار الصارم لمدى صلاحيتها وفائدتها أكثر من اعتمادها على رأي العامّة فيها. وبذلك تميل الأفكار العلمية لجعل الناس يجرّبون السبيل الخاطئ أولاً وتقديم ردود فعل قابلة للتوقع والتكهّن. عندما قدّم تشارلز داروين آراءه حول نظريات التطور والانتقاء الطبيعي عام 1859، كان هناك مراحل عديدة مرّت عبرها ردود الفعل الصادرة عن الناس، ويمكن لأيّ فكرة علمية ثورية أن تمرّ من خلالها قبل أن تصبح مقبولة من قِبَل الناس:
1- الرّضا/ التهميش Complacency- Marginalization: في البداية، تبدو النظرية الجديدة كفكرة شاذّة: غريبة، لكنها لا تشكّل أي تهديد جدّي للمنظومة الفكرية السائدة، قد تحدث بعض التغييرات في نظرية معروفة مسبقاً. لكنّ علم الميكرومات يرتقي من هذه المرحلة إلى المرحلة الثانية. حين كتبت هذه العبارات، علّق أحد محرّري مجلّة "النيويورك تايمز" على الاستعمال المتنامي لكلمة meme في محاولة متواضعة منه لتهميشها: "قد يتساءل شكّاك ما عن ما الذي تضيفه فكرة [الميكروم] إلى نموذج التطور الثقافي. ربّما ليس هناك شيء جديد تحت الشمس". وفي نهاية هذا الكتاب ستكتشف أنه بالإضافة إلى أنّ هذا العلم يضيف شيء جديد إلى نموذج التطور الثقافي الحالي، فإنه عبارة عن نموذج جديد كل الجدّة ومتماسك.
2- السخرية Ridicule: يتوقف التهميش وتستمرّ الفكرة الجديدة بالحياة، ثمّ تأتي السخرية من قبل الناس الذين يرون أن هذه الفكرة تتناقض مع آرائهم وعقائدهم التي يتمسّكون بها. في حالة نظرية داروين، سخر معاصريه من عدم قدرة داروين من رؤية ضرورة نموذج التصميم الذكي الذي يقوم بعملية الانتقاء. كان داروين محبطاً من عدم قدرته بتوصيل نموذجه الجديد إلى عقول الناس. إنّ السخرية المماثلة الموجّهة على علم الميكرومات يمكن ملاحظتها من وقت لآخر في جميع الأنحاء التي يتم مناقشة مسائله فيها.
3- النقد Criticism: ما أن تكتسب الفكرة الجديدة قبولاً شعبياً عاماً، حتى يبدأ الأشخاص الذين كانوا يواجهون نزاعات فكرية في أعماقهم _أو أولئك الذين كانت لهم سمعة عظيمة ومكانة كبيرة في النموذج القديم_ بخلع قفّازاتهم. مازال الداروينيون يتعرّضون للنقد والهجوم من قبل مناصري نظرية الخلق الذين يؤمنون بأنّ نظرية التطوّر تتعارض مع معتقداتهم وإيمانهم. من المحتمل أنّ هذا الكتاب سيلقى انتقادات كثيرة من قبل مفكري علم الميكرومات أنفسهم، إلاّ أننا لا يجب أن نقلق، لأنّ تلك هي طبيعة التحوّلات النموذجية.
4- القبول Acceptance: أخيراً، يقوم عدد كافٍ من الناس بقفزة مصيرية إلى النموذج الجديد الذي اكتسب قبولاً سيكولوجياً وفكرياً كبيراً. هؤلاء الذين يفهمون الأفكار الجديدة لم يعودوا بمفردهم كما كان كولومبوس الوحيد الذي اعتقد بكروية الأرض. يوافق العالم الجديد على النموذج الجديد، يتحوّل العداء إلى ودّ وقبول تام. ويبدأ أعدائها بالعمل من أجلها ولصالحها بدل العمل ضدّها ومحاربتها. ثمّ يبدأ تدريسها في المدارس الابتدائية، وينتقل العلماء إلى تحدّيهم التالي.
يبدو أنّ عقولنا غير مجهّزة بشكل جيّد لفهم الطريقة التي تعمل بها. في الواقع، قد تكون في البداية مرتبكاً جداُ أو مضطرباً، أو تصاب بالتعب فجأةً، وعندما تقرأ هذا الكتاب، قد تغضب من جرّاء قراءة هذه الكلمات. حتى أنك قد تشعر في الوقت الحالي أنّ هذا التصريح سخيف، هذه الأعراض والمشاعر هي في الحقيقة مجرّد ردود فعل الآليات الدفاعية لفيروسات لعقل.

لقد تطوّرت تلك الفيروسات كي تكون محميّة جيداً وحصينة ضدّ تلك الأقسام التي تحتلّها من عقلك، وأي محاولة لتطهير نفسك منها ستضغط على زناد أسلحتها وتطلق تلك الآليات الدفاعية. إذا كنت قد مررت بواحد أو اثنين من ردود الفعل تلك خلال قرائتك لهذا الكتاب، لا تقلق: سيمرّ رد الفعل هذا بسلام إن لم تتفاعل معه وتركته يمضي في سبيله. وإذا استطعت القيام بذلك فستكافأ بأداة قوية من أجل مستقبلك ومستقبل الجنس البشري.



:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
أخرى, ليس, العقل, كتاب, فيروس


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
اسلوب عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ترجمة كتاب الاله ليس عظيما كريستوفر هيتشنز محمد سام ساحة الكتب 3 03-15-2024 12:48 AM
فيروس التخلف خلوووود مقالات من مُختلف الُغات ☈ 3 04-29-2017 01:19 AM
هل الإنسان مجرد خطأ إلهيّ، أم أن الإله مجرد خطأ إنساني؟ ابوخالد حول الحِوارات الفلسفية ✎ 5 02-11-2016 01:38 AM
الإسلام ليس مجرد دين مسلم يتحدى العقيدة الاسلامية ☪ 32 12-12-2015 04:11 PM
فيروس العقل: الفيروسات العقلية الدينية ترنيمه مقالات من مُختلف الُغات ☈ 0 06-11-2014 11:41 AM